طور رجل الأعمال الأمريكي الشهير و صاحب صناديق الاستثمار العالمية جورج سوروس نظرية حول آلية عمل أسواق المال يبدو أنها ساعدته على جمع ثروة هائلة تقدر بــ 9 مليار دولار. و قد قام بعرض هذه النظرية في محاضرة له بمعهد ماساشيوسيتس للتكنولوجيا يوم 28 أكتوبر الماضي.
تقوم نظرية سوروس هذه على فرضية أن الأسواق المالية لا تصحح نفسها بنفسها بالضرورة. و في بعض الحالات يؤدي هذا الفشل إلى فقاعة لا بد لها أن تنهار عاجلا أم آجلا. و في ما يلي تفسير جورج سوروس للازمة المالية الحالية و الحلول المقترحة.
1.تفسير جورج سوروس للازمة المالية الحالية
يرى سوروس أن الأساس في فقاعة أسواق المال هو الاستعمال المفرط للدين الذي يسمح للبنوك و المؤسسات المالية الأخرى بتوسع كبير حيث يبلغ مجموع الأصول أكثر من 12 مرة رأس المال. و يزيد عدم فهم الظاهرة في نمو الفقاعة دونما رادع، إذ تقلل السلطات من انعكاساتها المستقبلية و بذلك تفشل في اتخاذ الإجراءات اللازمة قبل فوات الأوان.
من أهم خاصيات أزمة الائتمان الحالية إن الفقاعة بدأت قبل 25 سنة بنمو غير مسبوق للقروض و التمويلات بمختلف أنواعها بالتوازي مع توقعات غير واقعية بان الأسواق سوف تصحح نفسها بنفسها، و هي ظاهرة أطلق عليها ا سوروس اسم quot;أصولية السوقquot; التي تسببت حسب راية في تدخلات متأخرة و محدودة للسلطات التشريعية و الرقابية الأمريكية.
انتقد جورج سوروس قرار السماح لبنك الاستثمار الأمريكي quot;ليهمان بروذيرزquot; بالإفلاس. كان قرار وزير الخزانة الأمريكي في هذا الشأن مبنيا على أساس أن هذا الإفلاس لن يؤثر على باقي القطاع المالي، و من ثم لا داعي لدعم مؤسسة فشلت في امتحان السوق. لكن سوروس يرى أن هذا الإفلاس هو الذي أدى إلى حالة من الهلع، مما فرض على الحكومات في الدول المتقدمة التدخل بقوة لضمان الودائع، مما شجع على هروب الأموال من الدول النامية إلى المراكز المالية الرئيسية. و كانت النتيجة انهيارا كبيرا في أسواق الأسهم بالدول النامية (مثل الصين)، مما كلف جورج سوروس خسائر كبيرة نتيجة استثماراته في هذه الأسواق.
اعتبر جورج سوروس أن التوسع في استعمال التوريق
(ٍSecuritization ) و المشتقات المالية الأخرى لبيع أصول الرهن العقاري الأمريكية كان سببا في زيادة المخاطر لأن هذه العمليات خلقت مشكلة جديدة يعرفها الاقتصاديون بالعلاقة بين الناظر و العميل
( Principal Agent Problem)، إذ أصبح الناظر (الممول) دون علم بحقيقة العملاء (أصحاب المساكن)، و هذا في حد ذاته عاملا من عوامل التعثر في خلاص هذه الديون.
2.الحلول المقترحة
قدم جورج سوروس مقترحا من 3 أجزاء للخروج من الأزمة،
أولا، يتوجب مساهمة الحكومات في رفع رأس مال البنوك لتشجيعها على العودة لمنح القروض بحيث تصل نسبة رأس المال حوالي 8% من الأصول، و من ثم يتم التخفيض التدريجي للنسبة الإلزامية لرأس مال البنوك من مجموع الأصول إلى 6% للتشجيع على التوسع في القروض. و تم تجربة هذه الخطة بنجاح في دولة النرويج خلال الفترة 1988-1992.
ثانيا، الحيلولة دون فقدان أصحاب الرهون العقارية لمساكنهم، و ذلك بتحويل هذه الرهون إلى سندات يتم تداولها بحرية في الأسواق، و بضمان من البنوك المصدرة لهذه السندات. و تمت تجربة هذه الطريقة في دولة الدنمرك.
ثالثا، من المهم العمل على استقرار الاقتصاد العالمي بالسماح للاقتصاديات المستقرة نسبيا بالتوسع في مشاريعها التنموية حتى لو أدى ذلك إلى عجز في الميزانية و هذا ما قامت به الصين مؤخرا باعتماد برنامج إنفاق حكومي يقدر بحوالي 600 مليار دولار.
من المهم التنويه بان المجتمع الدولي يمر حاليا بمرحلة تجريبية في مواجهة أزمة مالية غير مسبوقة من حيث مصدرها و مدى انتشارها في أسواق المال العالمية، مما يفسر الاهتمام الكبير بكافة الآراء بما فيها آراء جورج سوروس. و التجربة وحدها سوف تؤكد نجاح بعض الحلول و فشل بعضها الآخر، تماما كما حصل على اثر أزمة العام 1929.
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
[email protected]