يقف وراء تطور التفسير القرآني سؤال ممض عات قديم متجدد هو كيف السبيل إلى النهوض بالتفسير بواسطة قراءة جديدة لآيات قرآنية ذات أحكام فقهية تجاوزها الزمن وجدت منذ ما يزيد عن ألف وأربعمائة عام وأصبحت هذه الأحكام في حاجة أكيدة للتجديد لأسباب كثيرة منها:
إصرار الكثير من فقهاء العصر على التشبث بتلك الأحكام والعض عليها بالنواجذ.
والأخطر اكتساح المعرفة الدينية الشعبية العقول والتحكم فيها كما تشاء تدعمها الفتاوى الضعيفة التي تسيء للدين. ويرفضها التطور الكبير الذي تشهده العلوم في شتى المجلات وتغير حياة الناس وتجدد قضاياهم التي تبحث عن حلول معاصرة واخترت من قضاياهم قضية عدة المتوفى عنها زوجها بسبب ما رأيته وما سمعته من معاناة النساء في بعض البلدان الإسلامية اللاتي يحكم عليهن بالحبس أي العدة وتسمى في بعض البلدان حبس تعتد فيه المرأة أربعة اشهر وعشرة ليال.
دخل حكم عدة المتوفى عنها زوجها في فوضى الفتاوى المعاصرة ومالها من انعكاس سيء على حياة الناس وعلى حياة المرأة والأسرة في كثير من البلاد الإسلامية.
ومن المعاناة التي تعرضت لها النّساء أذكر مثالين:

امرأة حبست في بيتها ولم يجد أبناؤها الستة ما يأكلون فاضطرت أختهم بنت الأربعة عشرة سنة أن تسرق لتطعم إخوتها واضطرت الأم أن تتهم نفسها لتدخل السجن عوض ابنتها. و الحال أن الأم قادرة على العمل ولو لا إساءة تطبيق حكم العدة هذا لعملت الأم وأطعمت أبناها وجنبت ابنتها السرقة وجنبت نفسها الكذب والسجن. هل يرضى الإسلام بهذا؟
امرأة ثانية في حالة عدة أصيبت بمرض عضال وطلب منها أبناؤها أخذها إلى الطبيب أو استدعاءه فرفضت بعد أن استشارت من تسمين أنفسهن داعيات فحكمن عليها بعدم الخروج لأنها معتدة دون أن يفكرن في تدهور حالتها الصحية التي قد تؤدي بها إلى الموت.
أمام هذه الحالات وأمام فوضى الفتاوى أراني مضطرة للعودة إلى كتب الفقه والتفسير للنظر فيها وربطها بمستجدات الزمن لاستجلاء المسألة حتى يعرفها من لا يعرفها فيكف عن إصدار مثل هذه الفتاوى.
بحث في حكم العدة في الإسلام، والحكمة منها، وإقامة المعتدة.
حكم العدة في الإسلام:
العدة نوعان: عدة المطلقة ثلاثة قروء-بضم القاف وفتحها-واللفظ مشترك بين الحيض والطهر. وفي القرآن الكريم: quot; والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن إن أرادوا إصلاحاquot; (البقرة: 228).
والكلام عام في المطلقات ذوات القروء لأن النساء اللاتي لم يبلغن سن الحيض والآيسات من المحيض والحوامل جاء حكم عدتهن في هذه الآية: quot;واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن و أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهنquot;(الطلاق: 4).
وقد أوجدت هذه الآيات حلولا صا لحة للمرأة المطلقة قديما ولعلها لاتزال صالحة في البلدان التى لم تصدر قوانين للأحوال الشخصيةإ لى حد الساعة، أما البلدان التي تحترم الأسرة والمرأة فقد أصدرت قوانين الأحوال الشخصية وجعلت الطلاق قضائيا فلا تتلاعب به الأهواء.
النوع الثاني من أنواع العدة هو عدة المتوفى عنها زوجها وهو الموضوع الذي أخصه بالكتابة ولذلك لم أطل الكلام في عدة المطلقة.
ذكر القرآن الكريم هذه العدة مفصلة في الآية التالية: quot;والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإن بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبيرquot;(البقرة: 234).
اتفق الفقهاء على أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا وأن عدة الحامل أن تضع حملها بدلالة الآية: quot;وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهنquot;(الطلاق: 4).
وفي الخبر أن أم سلمة قالت: ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلان أحدهما شاب والآخر كهل فخطبت إلى شاب. فقال الكهل: لم تحلل- وكان أهلها غيبا ورجاء إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها- فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: قد حللت فانكحي من شئت.
وسئل ابن عمر عن المرأة الحامل يتوفى زوجها فقل: إذا وضعت حملها فقد حلت، فأخبره رجلا من الأنصار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو ولد ت وزوجها على سريره لم يدفن لحلت. (كتاب الأم للشافعي 5/224).

الحكمة من العدة:
ذكر الفقهاء والمفسرون حكما لعدة الوفاة توضح سبب اختلافها في المدة الزمنية عن عدة الطلاق حيث تمتد إلي أكثر من ثلاثة قروء أي ثلاثة حيضات.
والحكمة الأولى هي استبراء الرحم وكان حكم براءة رحم المطلقة ثلاثة قروء دلالالة ظنية قديما لأن المطلق يعلم حال مطلقته من طهر وعدمه ومن قربانه إياها قبل الطلاق وعدمه، وكذلك العلوق لا يخفى عليه فلو أنها ادعت عليه نسبا وهو يوقن بانتفائه كان له في اللعان مندوحة، أما الميت فلا يدافع عن نفسه، فجعلت عدتهأ مدة مقطوعا بانتفاء الحمل في مثله وهو الأربعة أشهر والعشرة، فإن الحمل يكون نطفة أربعين يوما، ثم علقة أربعين يوما، ثم مضغة أربعين يوما ثم ينفخ فيه الروح، فمابين استقرار النطفة في الرحم إلى نفخ الروح في الحنبن اربعة أشهر وإذ قد كان الجنين عقب نفخ الروح فيه يقوى تدريجيا جعلت العشر الليالي الزائدة على الأربعة الأشهر لتحقق تحرك الجنين تحركا بينا فإذا مضت هذه المدة حصل اليقين بانتفاء الحمل إذ لو كان ثمة حمل لتحرك لا محالة، وهو يتحرك لأربعة أشهر وزيدت العشرة احتياطا لاختلاف حركة الجنين قوة وضعفا باختلاف قوى الأمزجة. (محمد الطاهر ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، 2/442).
وبراءة الرحم بهذه المدة قابلة للنقاش لان المرأة ndash;اليوم- لم تعد في حاجة لأربعة أشهر وعشرا لتثبت أنها حامل لأن الطب الحديث تطور كثيرا في هذا المجال وأصبح قادرا علي إثبات الحمل أو نفيه في دقائق.
فلماذا يصر الفقهاء والمفسرون على هذا الحكم الذي لا يسير التطور العلمي الكبير في هذا الزمن. فإن كان الفقهاء والمفسرون ndash;قديما- محقون في فرض العدة على المرأة خوفا من اختلاط المياه واختلاط الأنساب ولا يتحقق ذلك إلا بمضي فترة العدة فالأمر يختلف اليوم عن البارحة بما أن التطور العلمي أثر في مجرى حياة الناس، فلا عذر لمن يتشبث بمدة العدة هذه، ويكفي فيها الكشف الطبي.
يدعم قولنا هذا القرآن الكريم والسنة النبوية بإقرارهما أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها هي وضع الحمل إذ يمكنها التزوج دون انتظار نهاية أربعة أشهر وعشرا حتى أن عمر أحلها للزواج متى وضعت وزجها على سريره لم يدفن.
في هذا الغرض يقول ابن عاشور: quot;ولأن الفقهاء اتفقوا على أن عدة الحامل من الوفاة وضع حملها فلو كانت عدة غير الحامل لقصد استبقاء الحزن لاستوتا في العدة فتعين أن حكمة عدة الوفاة هي تحقق الحمل أو عدمهquot;(التحرير والتنوير2/443).
الحكمة الثانية هي الإحداد على الزوج، ذهب الفقهاء والمفسرون الي أن سبب طول مدة عدة الوفاة عن مدة عدة الطلاق هو ما يحصل للمرأة من حزن وكآبة من فراق الزوج وما تحتاجه نفسيتها من مدة طويلة تبرأ فيها النفس من ذاك الحزن كما تمنع هذه المدة المرأة من التعجل بالزواج مما يسيء لأهل الزوج الميت، ويفضي إلى الخوض في المرأة بالنسبة إلى ما ينبغي أن تكون من عدم التهافت غلى الزواج وما يليق بها من الوفاء للزوج والحزن عليه(محمد عبده، تفسير المنار، 2/419).
نفهم من هذه الحكمة أنه يجب على المرأة الوفاء للزوج المتوفى ورعاية حرمته ومراعاة مشاعر أهله.
هذه حكمة بدورها تقبل النقاش فنسأل من يقول بها هل نفس الحكم يطبق على الرجل أم أن الذي تموت زوجته يخاف أن يموت وهو أعزب فيسارع للزواج بأخرى. أ لا تستحق الزوجة أن يحزن عليها زوجها لحبها له وصبرها عليه ولوفاء ها له ولقيامها على بيته وأبنائه... الايستحق أهل الزوجة المتوفاة الاحترام وأ ن يراعي الزو ج مشاعرهم أليست المتوفاة ابنتهم، ألا يراعي مشاعر ابنائه و ابنائها. فكيف يفرض الحزن على الزوجة ولا يفرض على الزوج والحال أن الإسلام دين المساواة وان الاحترام والمحبة ليستا بالأنوثة أو الذكورة فالكل سواسيا أمام الله. وقد أحسن ابن عاشور لما قال: quot;مشروعية عدة الوفاة إما أن تكون لحكمة تحقق النسب أو عدمه، وإما أن تكون لقصد الإحداد على الزوج لما نسخ الإسلام ما كان عليه أهل الجاهلية من الإحداد حولا كاملا فأبقى لهن ثلث الحول وليس لها حكمة غير هذينquot;(التحرير والتنوير2/443).
ثم يعلق على قوله رافضا تعليل عدة الوفاة بالحزن على الزوج قائلا: quot;وليس هذا الوجه الثاني بصالح للتعليل لأنه لا يظن بالشريعة أن تقرر أوهام الجاهلية فتبقي منه تراثا سيئا، ولأنه قد عهد من تصرف الإسلام إبطال تهويل أمر الموت والجزع له الذي كان عند الجاهلية عرف في غير موضع من تصرفات الشريعةquot;(التحرير والتنوير، 2/443).
كما يبطل تعلة الحزن هذه أن التي تضع حملها إثر وفاة زوجها يحق لها أن تتزين وتتزوج فلوكان الحزن فرضا حقا لاستوت فيه مع غير الحامل ولذلك قال ابن مسعود: quot;أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصةquot; يريد أنه لو طال أمد حملها لما حلت (التحرير والتنوير، 2/444).

إقامة المعتدة عدة وفاة:
هل تقيم المتوفى عنها زوجها في بيت الزوجية لا تخرج منه حتى مضي أربعة أشهر وعشرا؟
هل حقا تمنع من الخروج منه ليلا ونهارا مثلما يحدث اليوم في بعض البلدان الإسلامية إلى درجة سموا فيها العدة quot;الحبسquot;؟
لتوضيح المسألة رجعت إلي أقوال الفقهاء والمفسرين فيها، فوجدتها مختلفة: قالت الحنفية لا تنتقل المتوفى عنها زوجها عن بيتها الذي كانت تسكنه، وتخرج بالنهار ولا تبيت في غير منزلها.
وقال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت منزلها، وإن شاءت خرجت لقوله: quot;فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلنquot;. وقال: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت (الجصاص، أحكام القرآن، 1/418).
وقال الشافعي: ولم يكن الإحداد في سكنى البيوت فتسكن المتوفى عنها زوجها أي بيت كانت فيه... وإنما الإحداد في الزينة والتربص في الوفاة هو الإحداد وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ والتجميل والطيب ونحوه. (القرطبي، الجامع للحكام القرآن، 3/116).
وقال ابن عباس: قال الله تعالى: quot;يتربصن بانفسهن أربعة أشهر وعشراquot; ولم يقل: يعتددن في بيوتهن. ولتعتد حيث شاءت.
وهذا خبر عن مالك عن يحي بن سعيد انه بلغه أن السائب بن خباب توفي وأن امرأته جاءت إلى عبد الله بن عمر فذكرت له وفاة زوجها وذكرت له حرثا لهم بعيدا عن منزلها وسألته هل يصلح لها أن تبيت فيه فنهاها عن ذلك، فكانت تخرج سحرا من المدينة فتصبح في حرثهم فتظل فيه يومها ثم تدخل المدينة إذا أمست فتبيت في بيتها(تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك، كتاب الطلاق، 2/107) وروي مثل ذلك عن جماعة من السلف وأم سلمة وعثمان أنهم قالوا: المتوفى عنها زوجها تخرج بالنهار ولا تبيت إلا في بيتها.
وروى مجاهد قال: استشهد رجال يوم أحد فآمت نساؤهم وكن متجاورات فآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: نبيت عند إحدانا. فقال: تزاورن بالنهار فإذا كان الليل فلتأو كل واحدة منكن إلى بيتها.
وذهب داوود إلى أن المتوفى عنها زوجها ليس عليها أن تعتد في بيتها وتعتد حيث شاءت لان السكنى إنما وردت في المطلقات.
ومن حجته أن المسالة مسألة خلاف.
وروي مثله عن علي وابن عباس وجابروعائشة وبه قال عطاء والحسن البصري.
ويحق للمتوفى عنها زوجها الخروج للعمل لان نفقتها على نفسها فهي في حاجة إلى الخروج وليست نفقتها على زوجها مثل المطلقة (أحكام القرآن للجصاص، 1/418-419).
ومن أكبر الأدلة على جواز خروج المعتدة عدة وفاة خروج عائشة رضي الله عنها بأختها أم كلثوم وهي فى عدة وفاة إلى مكة لأداء العمرة. وكانت تفتي النساء بالخروج أثناء عدة وفاة الزوج. (الجامع لأحكام القرآن، 3/117).
تلاحظون إجماع الأدلة على خروج المعتدد عند وفاة زوجها.
فمن أين أتى منع المرأة من الخروج من بيتها ليلا ونهارا إلى أن تنقضي أربعة اشهر وعشرا؟
جاء من فهم خاطىء لبعض الأخبار ومن خلط بين الآيات. فمن الأخبار خبر عن مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ارجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان في طرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة. فقالت: فقال لي: نعم. فانصرفت حتى إذا أتيت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمربي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف قلت؟. قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شان زوجي فقال: quot; امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجلهquot;. قالت: فاعتددت فيه أربعة اشهر وعشرا، قالت فلما كان عثمان رضي الله عنه أرسل إلي فسألني عن ذلك فاتبعه وقضى به، وبهذا نأخذ. (الأم5/227).
ونجد خبرا آخر عند مالك مفاده أن عمر بن الخطاب كان يرد المعتدات يمنعهن من الحج، ثم يذكر كذلك خبر المرأة التي سألت الرسول أن ترعى حرثها وأنها كانت تخرج في الصباح الباكر من بيتها بالمدينة وتعود مساء فتبيت فيه. وخبر المرأة البدوية يتوفى زوجها أنها تنتوي ndash;اى تنزل- أين انتوى أهلها. وقال مالك: وهذا الأمر عندنا.
وقال مالك: لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوته إلا في بيتها (تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك، الموطأ، كتاب الطلاق، 2/106).
فمالك الذي يحتج به البعض لحبس المرأة يجيز لها الخروج من بيتها وهي في العدة.
فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: quot;امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجلهquot;.
المراد من الحديث أن للمتوفى عنها زوجها السكنى (الأم، 5/227).
وقد اختلف الفقهاء في حق المتوفى عنها زوجها لأن السكنى ثابتة بالنص للمطلقة وليست ثابتة للمتوفى عنها زوجها ولذلك لها أن تعتد في أي بيت شاءت.
ولعل quot; الحبسquot; للمرأة في ألبيت مصدره الأخبار التي رواها الجصاص: quot;وقال مالك: لا تنتقل المطلقة المبتوتة ولا الرجعية ولا المتوفى عنها زوجها ولا يخرجن بالنهار ولا يبتن عن بيوتهن، quot;(أحكام القرآن، 1/418). ونحن رأينا أن مالكا ndash;في الموطأ- لم يقل بهذا الرأي الذي ذكره الجصاص وأجاز للمعتدة عدة وفاة الخروج بالنهار.
هذا فيما يخص سوء الفهم لبعض الأخبار وننظر الآن في الخلط بين الآيات. آية العدة تأمرهن بالتربص في أنفسهنquot;يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراquot; فملازمة المعتدة بيتها ليست مأخوذة من هذه الآية لأن التربص تربص الزمان فلا يدل على ملازمة المكان، والظاهرأن الذين فرضوا على المرأة لزوم البيت بعد وفاة زوجها أخذوا هذا الحكم من هذه الآية: quot;والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراجquot;(البقرة: 240).
لم يقصد بهذا الحكم ndash;قبل نسخه-إلا حفظ المعتدة، ثم نسخ الحكم بالحول ليعوض بأربعة أشهر وعشرا ولكن بعض الفقهاء رأوا أن الإخراج في قوله: quot;غير إخراجquot; لم ينسخ وهم مخطئون لأنه نسخ بقوله في آية العدة: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروفquot;. أي للمرأة أن تخرج وأن تتزوج.
هذه جملة من الآيات والأحاديث والأخبار بفهم متواضع، فهم امرأة تدافع عن حقوق المرأة وتريد من الدين أن يساير تطور الزمن ونهضة العلوم. وتبين أن الحكم بحبس العتدة فى بيتها بعد وفاة زوجها ليس من أصول الإسلام وإنما يعود إلى نوع من الاجتهاد وفيه اختلاف وهناك من أخذ بفقه عائشة في المسألة فأجاز لها الخروج وهناك من أخذ باجتهاد عمر فمنعها من الخروج من بيتها.
واتفق الكل على جواز خروجها نهارا لقضاء حوائجها بدءا من انتشار الناس بكرة إلى وقت هدوئهم بعد العتمة ولا تبيت إلا في بيتها (التحرير والتنوير، 2/448).
بعد هذا العرض الذي تعمد ت فيه نقل الأخبار بأسانيدها هل من حجة لمن يفرض على المرأة الحبس في بيتها ويحكم عليها بإقامة جبرية قد تضيع معها مصالحها ومصا لح أبنائها.

منجية السوايحي، أكاديمية من تونس