من مفكرة سفير عربي في اليابان
(1)
لقد تسأل الأمريكيون السود في القرن الماضي: هل سيأتي اليوم الذي ستنتهي فيه التفرقة العنصرية؟ وهل يمكن أن يكون الأمريكي الأسود رئيسا للولايات المتحدة؟ ويبدو بأن الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما أستطاع أن يجاوب على هذين السؤالين وبكل حزم. وقد فرحت أغلبية شعوب دول العالم لانتخابه ما عدا دولة واحدة صوت ثلاثة أرباع شعبها ضده، بل وحزنت حينما أنتخب، وهي الدولة العبرية. والسؤال لعزيزي القارئ: هل من الممكن أن يقلد الإسرائيليون الولايات المتحدة، فينهوا تفرقتهم العنصرية، ويختاروا عربيا رئيسا لحكومتهم؟
لقد ناقش الصحفي الإسرائيلي، برادلي برستون، بصحيفة هااراتز في الحادي عشر من نوفمبر الجاري هذا السؤال في مقاله، اوباما ورئيس الوزراء العربي الأول لإسرائيل. فقد حاول برادلي أن يوضح للإسرائيليين مدى عظمة اختيار أوباما رئيسا للولايات المتحدة، ولم يفلح ألا حينما قال لهم: quot;تصوروا لو أن إسرائيل انتخبت رئيس وزراء عربي.quot; وقد رد الإسرائيليون في البداية بالصمت المذهل، ولم يستطع أحد منهم، وحتى اليساريين، أن يتخيل حقيقة هذا السؤال في ذهنه. وبعد وهلة من صدمة السؤال، أعترف بعض مؤيدي أوباما بأنهم حينما ذهبوا لصناديق الاقتراع ترددوا في التصويت له، بل أنهم صوتوا للسناتور مكين. وبعد أن عرف الإسرائيليون بفوز اوباما وبدأت الإذاعة الإسرائيلية تناقشهم بالسؤال: لماذا لم تتنافس الفئات الأخرى في انتخابات الرئاسة الإسرائيلية كما فعل الأمريكيون؟ لاحظ الإسرائيليون بأن معظم رؤساء حكوماتهم السابقة من الرجال ذو الأصول الأوربية، وانتخبت المرأة مرة واحدة فقط، وبدئوا نقاشهم بعرض قائمة من الفئات التي لم ينتخب منها رئيس وزراء. فتساءلوا: لماذا لم ينتخبوا رئيسا للحكومة من فئة الميرزاشيم وهم يهود دول ما حول البحر الأبيض المتوسط، ولا من مهاجري الاتحاد السوفيتي، ولا حتى من يهود إثيوبيا، أو اليهود الالترا اورثودوكس، الذين لم يعترفوا حتى الآن بشرعية إسرائيل، وبعد أن أضافوا العمال الأجانب، خطر على بال أحدهم أن يضيف للقائمة 1.45 مليون مواطن عربي والممثلين لحوالي 20% من مواطني إسرائيل. وقد عقب الكاتب على ذلك بالقول: quot;لقد أقنع الإسرائيليون أنفسهم بأن السكان العرب لن يرشحوا مستقبلا لانتخابات رئاسة الوزراء الإسرائيلية، لأنهم لا يرون لهم وجودا سياسيا بالكامل. وحينما يحين الوقت ويصبح رئيس وزراء إسرائيل عربيا، أريد أن أكون جزءا من احتفال هذا النصر، لأقف بين العنصريين واليمين المتطرف، وليكون هناك شيء يقول لي في ذلك اليوم الانتخابي، مثل يوم انتخاب أوباما، لكي لا أستطيع التوقف عن الفرحة والضحك.quot; وقد علق على ذلك المقال قارئ أمريكي يهودي بالقول: quot;أتمنى أن يكون ذلك صحيحا، أتمنى أن يكون هناك تناغم بين الإسرائيليين والعرب، ولكن مع الأسف هنالك الكثير من عدم الثقة من متطرفي اليمين في الجهتين. فلذلك لا أرى ذلك ممكن في أي وقت. وإذا كانت فعلا تلك هي الحقيقة، فسيكون الإسرائيليون شعلة الحرية والديمقراطية واللبرالية في المنطقة.quot;
وبينما يناقش فريق من الإسرائيليين أمكانية انتخابهم رئيس وزراء عربي، نلاحظ بأن هناك حوار أخر يناقش مدى التزام أوباما بقضايا الشرق الأوسط بعد تعينه رام إيمانويل رئيسا للموظفين في البيت الأبيض. فقد علق شموئيل ساندلر، أستاذ العلوم السياسية الإسرائيلي، بأنه قلق من تعين إيمانويل لأنه مرتبط باليسار، ويخاف منه أكثر من خوفه من أوباما لأنه قد يضغط على إسرائيل لتنازلات في عملية السلام مع الفلسطينيين. بينما وصفته صحيفة المعاريف الإسرائيلية، بأنه رجل إسرائيل في البيت الأبيض، وأكد والده الإسرائيلي، بنجامين إيمانويل، بأن أبنه سيؤثر على أوباما ليقف مع إسرائيل. ورفض رام إيمانويل هذا القول وأكد بأن أوباما لا يحتاج لمن يؤثر عليه فهو صديق حميم لإسرائيل. واعتبرت صحيفة المساء المغربية تعين إيمانويل كيد طويلة لإسرائيل في ألإدارة الجديدة، بينما وصفته صحيفة العرب نيوز السعودية بأنه التعين الذي قتل الفرحة التي لم تتم طويلا. واتهمت صحيفة الكيهان الإيرانية إيمانويل بالصهيوني ذو الرباط العائلي العميق مع إسرائيل. وقد برز في هذا النقاش فريق أخر أكثر تفاؤلا، فقد وصف البروفيسور شبلي تلهامي، الأستاذ العربي الأمريكي بجامعة مريلاند، هذه الانفعالات بأنها خارجة عن الموضوع الأساسي، وبأنه يجب أن يحكم على الشخص بمن هو وكيف يتصرف، وليس من خلال خلفيته أو من هو والده أو ما هو تاريخه. واستغرب الباحث ألأمريكي دانيال لفي تضخيم تعين إيمانويل بالنسبة لقضية الشرق الأوسط، ويعتقد بأن إخلاصه المبدئي لاوباما، وليس هناك ما يدل في تاريخه بأنه كان معيقا لخطى السلام في الشرق الأوسط، بل بالعكس كان عاملا إيجابيا حينما كان مساعدا للرئيس كلينتون. وصرح وزير الخارجية المصري السابق أحمد ماهر بأن الرئيس أوباما هو الذي يتخذ القرارات وليس مساعديه، وتمنى أن يقف أوباما في صف المغتصب وضد المغتصب. وعلق السيد حسين نصر الله بأن العالم العربي والعالم الثالث والعالم الأفريقي يمكن أن يتعاطف مع اوباما بسبب ماضيه ولون بشرته بينما السياسة والمصالح فهي شيء آخر، وأكد بأنه لا يريد أن يستبق الأحداث، مع أن المنطق يقول بأنه يجب إلا نراهن على حدوث تغيرات لرفع الظلم. وعلقت صحيفة الديلي ستار اللبنانية بأنه إذا أراد اوباما فعلا أن يترك بصمة تاريخية فيجب أن يجعل من البحث عن سلام عادل في الشرق الأوسط علامة مميزة لولايته الرئاسية، وإذا فعل ذلك فعلينا جميعا ان نساعده.
ويبدو بأن هناك تخوف عام من أن يسير الرئيس الأمريكي الجديد على خطى الرؤساء الأمريكان السابقين في تعامله مع قضايا الشرق ألأوسط، على أساس أن السياسة الأمريكية لا يقررها شخص بل هي نتيجة لقرارات مؤسسات كبيرة ذات مصالح متداخلة ومتشابكة. وقد زاد هذا التشاؤم حينما عين الرئيس المنتخب أوباما أحد المحسوبين على الصقور الإسرائيليين رئيسا لموظفي البيت الأبيض، وهو أحد أهم مراكز إدارته الجديدة. ويبدو بأن البعض قد تمهل في تقيمه لأوباما ليعطيه الفرصة لوضع خطة لأولوياته، ويختار فريقه، ليبدأ في دراسة كيفية التعامل مع أزمة الشرق الأوسط. ويؤكد هذا الفريق بأن أوباما لن يستطيع مساعدة أحد إذا لم يكن الفلسطينيين والإسرائيليين مستعدين للتحاور في خلافاتهم وإيجاد السبل الواقعية للتعامل معها. وقد أثبتت أزمة الوول ستريت الحالية بأن عالم العولمة الجديد مشغول بحل الأزمة الاقتصادية المالية الخطيرة، وقد تتغير الكثير من المفاهيم والحسابات، وتفرض على شعوب منطقة الشرق الأوسط تصورات جديدة ليستطيعوا التعامل مع التحديات الجديدة بواقعية. كما يعتقد هذا الفريق بأن الرئيس الأمريكي الجديد قد يختلف عن جميع رؤساء أمريكا السابقين، فقد نجح في تحريك القوى الشعبية في الولايات المتحدة، وذلك بالاستفادة من تكنولوجية الانترنت ليوصل رسالته للمواطن الأمريكي ويتجنب التشويه إعلامي، وأن يجمع منه المال الكثير، لكي يمول وبكفاءة حملته الانتخابية بدون الحاجة للوبيات الضغط بواشنطن. كما أنه يتصف بثقافة تجمع بين عدة من الثقافات الأفريقية والأسيوية والإسلامية والأمريكية والمسيحية اليهودية. ويتميز بذكاء شامل جسمي اجتماعي عاطفي روحي ذهني، ولديه قدرات في دراسة المعضلات ومعرفة عوائقها وتحليل مسبباتها ومحاولة التعامل معها بحكمة وعدالة. وأثبت قدراته العلمية بتخرجه بالترتيب الأول من كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وأكد اهتمامه بخدمة المجتمع حينما تجنب غناء الوول ستريت وتوجه نحو خدمة الأحياء الفقيرة في نيويورك وشيكاغو، وليصبح محاميا لقضايا حقوق الإنسان وأستاذا في القانون بجامعة شيكاغو. كما أثبت كفاءته السياسية بعد أن أنتخب سنتورا في الكونجرس بأكثرية ساحقة بعد أشهر قليلة من خطابه في مؤتمر الحزب الجمهوري عام 2004، وليصبح رئيسا للولايات المتحدة في السابع والأربعين من العمر، بعد أن يهزم جبابرة الحزبين الديمقراطي والجمهوري. كما أنه فاز بالرئاسة بالرغم أن ثلاثة أرباع يهود إسرائيل صوتوا ضده، مع أن ثلاثة أرباع يهود الولايات المتحدة صوتوا لصالحه. ويواجه هذا الشاب ملفات كبيرة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وقد يكون ملف الشرق الأوسط في نهاية قائمة أولياته. والسؤال لعزيزي القارئ: هل ستستطيع دول المنطقة الاستفادة من هذا الشاب بمساعدته لتنفيذ صيغ عملية لسلام شامل وعادل في منطقة الشرق الأوسط؟ أم ستضيع فرصة جديدة لنضيفها لقائمة الفرص الضائعة؟ ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان