كان أوباما قد أعلن خلال حملته الانتخابية عن احتمال دخول واشنطن وطهران في الحوار بلا قيد ولا شروط، وهو ما جعل رئيس مجلس الشورى الإيراني يعلن في عشية التصويت تحبيذه لفوز أوباما، وفي أول مؤتمر صحفي لأوباما بعد فوزه أكد أنه لا يجوز لإيران أن تحوز على السلاح النووي. في هذه المرة كان لارنجاني نفسه هو أول من هاجم الرئيس الأمريكي الجديد! موقف مشابه لترحيب الشارع العربي وتهليله لفوز الرئيس، ذي الأصل المسلم، ولكنه ما أن عين رام عمانوئيل لمنصب quot; رئيس طاقم البيت الأبيضquot;، حتى اشتعل الهجوم العربي على أوباما، وهو ما تناوله الدكتور شاكر النابلسي في مقاله الهام بعنوان quot;quot;أحلام العرب في عهد أوباماquot;، بتاريخ 20 نوفمبر الجاري. لعل أوباما كان يقصد عن الحوار أنه من دعاة quot; القوة الناعمةquot;، [ سوفت باور]، أي عكس بوش، الذي اتهموه بممارسة سياسة القوة quot;الخشنةquot;.
لا شك في أن القضية الإيرانية هي في مقدمة القضايا الخارجية التي تطرح نفسها بقوة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، أي بنفس القوة التي كانت مطروحة حتى الآن على المجتمع الدولي. إن للولايات المتحدة، وأيا كانت الإدارة، ثوابت صارمة في سياستها الشرق أوسطية في رأسها: أمن إسرائيل، ضمان استمر إمدادات النفط من الخليج، العمل لحل النزاع العربي ndash; الإسرائيلي سلميا، ولا يمكن لأية إدارة أميركية أن تقبل بامتلاك إيران لسلاح نووي، يهدد أمن المنطقة، وأمن إسرائيل خاصة، كما يشجع على انتشار السباق النووي العسكري.
لقد دخلت وكالة الطاقة النووية، والاتحاد الأوروبي، ومجلس الأمن، في سلسلة مفاوضات صعبة مع نظام الملالي على مدى السنوات الأخيرة، وقدم الاتحاد الأوروبي أكثر من مرة حزمة من الحوافز الهامة لإيران، ولكنها استمرت في التحدي، وكانت في كل مرة تعلن عن رفض وقف التخصيب النووي، الذي كان شرط التعاون معها في ميادين كثيرة، وبتسهيلات مغرية، وقد اضطر مجلس الأمن لاتخاذ بعض العقوبات بسبب هذا الموقف دون أن تغير طهران موقفها المتعنت والمتحدي !
بالرغم من هذه الوقائع، فإن مجموعة من الخبراء الأميركيين يوصون أوباما بإجراء مفاوضات مباشرة مع إيران. إنهم ينصحون بعدم فرض عقوبات جديدة بحجة أنها لا تجدي، كما يحذرون من الهجوم على إيران. هؤلاء يخلطون بين العمل الحازم لإرغام إيران بتشديد العقوبات على وقف مشروعها النووي العسكري، وبين إشعال حرب عليها، وهو ما ليس في جدول المساعي الدولية الجارية. إن تقريرهم يقول: quot;إن التهديدات لا تخيف إيران، وإن النظام الحالي في طهران ليس في خطر وشيك، أي هم إذن يخلطون بين وجوب فرض عقوبات جديدة، وبين ادعاء أن النية هي تبديل النظام في طهران. الجاري فعلا ليس عملا لتغيير النظام، بل عزله بالعقوبات للتخلي عن مشروع القنبلة.
يقول سفيران أميركيان سابقان هما بيكرنج، ودوبنز، إنه يجب quot;فتح الباب لمفاوضات مباشرة وغير مشروطة وشاملةquot;، أما الدكتور البرادعي، فهو أيضا يدعو لهذا الحوار، واصفا إياه بأنه سيكون quot;عقلانياquot;، وسوف يؤدي إلى أن تكون إيران quot;أكثر إيجابيةquot;! أخونا الدكتور ينسى بسرعة أن جميع مواقفه السابقة مع إيران، والتي كانت متميزة بمنتهى الليونة، لم تشجع إيران على تبيان حسن النوايا، والنكوص عن حلم امتلاك القنبلة، بل في كل مرة كانت الإجابة على التراخي تصعيدا إيرانيا جديدا، وكسبا جديدا للوقت، حتى وصل الحال اليوم إلى أن يعلن آخر تقرير للوكالة بأن إيران لا تتعاون مع المفتشين. هذه المرة يكرر البرادعي موقف المسايرة والليونة مع سوريا فيما يخص النشاط النووي السوري، ورفض تفتيش بعض المواقع التي تشك الوكالة في أن تكون فيها أنشطة نووية لأغراض عسكرية. إنه يعارض اليوم الدول الغربية التي تعتزم تعليق مساعدات فنية كانت قد وعدت بها سوريا لو تعاونت مع المفتشين. حقا إنه الحامي الأمين لهدف منع الانتشار النووي!!
لقد أعلن أوباما عن رفض امتلاك إيران للقنبلة؛ فهل سيستطيع إقناعها بالتخلي بمجرد الجلوس في مفاوضات مباشرة وغير مشروطة؟؟ نشك في ذلك، فهو لن يستطيع تحقيق هذه quot;المعجزةquot;، أو، كما يقول أمير طاهري، ليس صاحب معجزة تحول الأعداء إلى أصدقاء بمجرد الجلوس معهم. تريد إيران اعتراف أمريكا والمجتمع الدولي بأنها القوة الكبرى في المنطقة، ولها حق امتلاك السلاح النووي.
إن إيران مصرة على برنامجها لأنها تريد أن تكون بلطجي المنطقة، والسيف المسلط دوما فوق رقاب دولها. إنها اليوم، وبدون قنبلة، تعيث تخريبا في العراق ولبنان، وفي القضية الفلسطينية، وتواصل احتلال جزر الإمارات، وتهدد البحرين، وتتدخل في الكويت؛ فكيف لو امتلكت القنبلة؟!! هل ستكون قنبلة موجهة ضد إسرائيل؟ طبعا هذا غير متوقع، إذ ستكون الضربة الإسرائيلية المقابلة، المقترنة بضربة أميركية، والمدعومتين دوليا، ضربة قاضية لنظام الملالي. إن الغرض الحقيقي لإيران هو التسلط على العراق وعموم منطقة الخليج، وتخريب استقرار لبنان، بمشاركة الحليف السوري.
لا نعتقد أن أوباما سيجازف، خصوصا إذا اختار هيلاري كلينتون لمنصب الخارجية، وبوجود رام عمانوئيل جنبه؛ أما لو استطاع بعض الخبراء، والمساعدين، والناصحين أمثال كارتر، توريطه في المجازفة، [مجرد افتراض لا غير ]، فسوف يخسر رصيده، وتخسر الولايات المتحدة. كارتر مارس سياسة قصيرة النظر تجاه إيران، وكانت النتيجة انتصار خميني، وحصار السفارة الأميركية في طهران، ولا نظن أن أوباما قد نسي تلك التجربة القاتمة جدا.
إن سركوزي أشار لما اعتبره quot;أوهامquot; أوباما بإمكان عقد اتفاق مع النظام الإيراني، والاستخفاف بامتلاك إيران للقنبلة النووية، كما أن وزير الخارجية الفرنسية كوشنر، وفي مقابلة له يوم 23 الجاري لقناتين تلفزيونيتين فرنسيتين، حث على الحذر في التعامل مع إيران، وكرر أن القوى الكبرى عرضت مرتين على إيران مجموعة من الحوافز لإقناعها بالتخلي عن التخصيب، ولكن دون جدوى، وقال كوشنر إن مبعث قلقه هو أن المباحثات المباشرة بين واشنطن وطهران تلحق الضرر بوحدة القوى الكبرى الخمس، دائمة العضوية في مجلس الأمن، التي قدمت مع ألمانيا العروض لإيران، وفرضت أيضا عقوبات عليها. أضاف الوزير الفرنسي: quot; لابد أن نتحرر من أي شكل للحوار يلحق الضرر، ليس فقط بوحدة الغرب، ولكن أيضا بوحدة الدول دائمة العضوية زائدا ألمانيا.
الموقف البريطاني هو في هذا المنحى تماما، فالخارجية البريطانية تعتبر أن امتلاك إيران للسلاح النووي يشكل quot;التهديد الأكثر مباشرة لاستقرار الشرق الأوسطquot;، ويرى وزير الخارجية البريطانية أن على القادة العرب أن يتخذوا موقف أكثر حزما في الموضوع النووي الإيراني.
أجل: هل سيقدم أوباما على تنفيذ خيار المفاوضات الوحدانية، غير المشروطة؟ وكيف يقدم ما دامت إيران مصرة على برنامجها النووي ذي الأغراض العسكرية؟ ترى هل سيتخذ مواقف تضعف وحدة الموقف الغربي، وتهدده بالتصدع؟ لا نعتقد، فإذا انزلق في هذا الطريق فالجميع خاسرون، باستثناء إيران.
هناك من يحاولون إيهامه بحاجة واشنطن لإيران لمساعدتها في أفغانستان، ولكن هل ستفعل إيران ذلك؟ وإن قبلت، فأي ثمن ستطلبه، غير المضي في المشروع النووي، وإطلاق الأيدي في العراق ولبنان والقضية الفلسطينية. ترى أي رئيس أميركي اليوم يريد أن ينزلق في طريق إلحاق الكوارث بأمن بلاده، وبأمن واستقرار المنطقة؟!! لا نعتقد أن أوباما سيربح لو شق الصف الغربي، وورطوه ليصبح كارتر الثاني في التعامل مع إيران!