نقرأ في المجاميع الفقهية الشيعية المعتبرة أحكاما يصعب على العقل تقبلها والتعاطي معها ببراءة وسذاجة وشفافية، لأنها أحكام تخدش الحياء، وتنم عن جهل بقيمة الإنسان ومقامه السامي عند الله تبارك وتعالى ونبيه العظيم محمد بن عبد ا لله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. هذه الأحكام كثيرة، وأتمنى أن تسنح لي فرصة أكبر لمراجعة الكثير منها، ونقدها بعين فاحصة وجدانية بعيدا عن التكلف والتصنع والحذلقة. الغريب إن هذه الاحكام تسند بموروث مقدس، أي يعتمد فيها المجتهدون على روايات يدعون صدورها عن أئمة أهل البيت عليهم السلام! بل ويحكم بصحتها، ولو لم تكن صحيحة لما أعتمد عليها هؤلاء الفقهاء وبنوا عليها هياكل معرفية ضخمة تمس صميم الحياة الإنسانية وجوهرها.
جاء في كتاب العروة الوثقى لمجتهد شيعي كبير: (يجوز لمن يريد تزويج إمرأة أن ينظر إلى وجهها وكفيها وشعرها ومحاسنها، بل لا يبعد جواز النظر إلى سائر جسدها ما عدا عورتها،وإن كان الا حوط على خلافه، ولا يشترط أن يكون ذلك بإذنها ورضاها، نعم يشترط أن لا يكون بقصد التلذذ، وإن علم أنه لم يحصل بنظرها قهرا، ويجوز تكرار النظر، ما لم يحصل الغرض وهو الإطلاع على حالها بالنظر الأ ول...).
الذي نستفيده من هذا الكلام جواز نظر الخاطب إلى المخطوبة بشكل كلي، ما عدا (العورة)، أي الدبر والقبل، والمرأ ة كلها محاسن، نهداها، ساقاها، بطنها، شعرها، نحرها، كلها محاسن ... كلها... نعم يشترط عدم التلذذ، وفي الحقيقة مثل هذا الشرط ليس صعبا، فيما اكتفى الناظر مثلا بنظرة سريعة خاطفة، المهم لمح نهديها بارزين مستعرين، ولمح بطنها فإذا كانت سمراء لوحت له بدسومة الشهوة، وإذا كانت بيضاء حرّقت في داخله احشاء بقية من روح، وإذا ما كانت سوداء أهاجت في شرايينه زبدة الشهقة المدمسة بنار الهلاك الشهوي الساخن، وليكن ذلك بعد النظرة وليس أثناءها!!!!
يستند هؤلاء إلى روايات يقولون إنها صادرة من أفواه اشرف البشر، هم أهل البيت عليهم السلام، فهناك أكثر من صحيحة تجيز هذا العرض الإباحي الشهوي الساخن، منها كما يقولون صحيحة غياث بن ابنراهيم بن جعفر عن أبيه (في رجل ينظر إلى محاسن إمرأة يريد أن يتزوجها قال: لا بأس، إنما هو مستام، فإن يقض أمر يكون)، ومنها صحيحة الحسن بن السري: (قال: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها،وينظر إلى خلفها ووجهها؟ قال: نعم لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرآة أذا أراد أن يتزوجها ينظر إ لى خلفها وإلى وجهها)، فهو يستطيع أن يتأمل (خلفيتها) ويتمعن بها من وراء ثوب، فربما كانت خلفية تحمل من هوان الدنيا ما كسح بها ارتفاعا وبروزا، وابتلت بترهل وانسياح مخذول الصلابة والصلادة، وفي صحيحة هشام بن سالم وغيره عن الصا دق عليه السلام: (قال: لا باس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها)، وفي صحيحة محمد بن مسلم: (قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل يريد أن يتزوج المرأة،أينظرإليها؟ قال: نعم، إنما يشتريها بأغلى الثمن)، ويستنتج فقيه من هذه الرواية وغيرها جواز مطلق النظر حتى العورة لولا الحرمة المستفادة من الخارج!!!!
يبدو أن احد الفقهاء استفزه هذا الاستعباد الذكوري للمرأة في مثل هذا الموقف، فقرر قرارا شجاعا فيه هيبة الفكر وشفافية العدل، حيث يرى أن من حق المرأة أيضا أن تنظر إلى الرجل! ولكن من دون ان يفصل ولكن نستفيد من لحن القول أنه مثل بمثل: (... فأن الرجل إذا جاز له النظر إليها لأنه يبذل لها أغلى الثمن جاز لها النظر إليه بطريق أولى لأنها تبذل أغلى الثمن خصوصا وإن بإمكان الرجل التخلص من المرأة بالطلاق لو لم تكن كما يريد بخلاف العكس حيث ليس لها ذلك)/ مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح الجزء الاول ص 31 /
نحن إذن بين يدي عرض سكسي فظيع، رجل عار وامرأة عارية، كلاهما يتناوب بالنظر إلى صاحبه بغية تفحص جغرافية جسده، كي يضمن سلامة هذه الجغرافية من العيوب. ولا يشترط حضور خارج هذه الحفلة ا لاستعراضية الحمراء، مما يزيد في سخونتها ولو بعد أن يكبت كل منهما لذته حين الاستعراض، حيث تتحرك ا لصورة في لحم شهواتنا بعد أن ينسدل الستار على مسرح اللعبة الفنية الدقيقة.
بعض الروايات التي يدعى أنها صحيحة أيضا تقول (وترقق له الثياب)، وترقيق الثياب أكثر أ ثارة من العري الكامل، ترقيق الثياب يجعلك في حفلة ساحرة مع الجسد، ولو للحظة واحدة، تتلمسه بالخيال وهو ينز من وراء خامة هي الاخرى مشحونة بزفرات ذلك الجسد المغرم بجماله في أغلب الأحيان!!!
يقولون: إن جواز نظر الخاطب إلى (صاحبة الحظ السعيد) عارية أو شبه عارية يُستفاد من أطلاق لحن الروايات (... أينظر إليها؟ نعم، وكيف وقد اشتراها بأغلى الأثمان)، حيث لم تحدد الروايات مساحة النظر المسموح به، والإطلاق يستفاد ليس من الوضع وإنما ممّا يسمونه بـ (مقدمات الحكمة) حيث ما كان يريده الإمام قاله حتما!!!
لقد تغلبت اللغة واعلنت انتصاره الرهيب، أو بالأحرى، تغلبت شهوة اللغة هنا على كرامة الجسد، وحيثيات المروءة الحية، وتشبعت اللغة بشهوة عارمة مستعرة على لسان يريد أن يندلق بلعابه المحموم ليفرز كبتا مجنونا من شدة الحرمان، لقد تغلبت شهوة اللغة على طهارة الجسد، وأبيح الجسد نصف إباحة لنظر طامع سواء كان اشتراطه عن سابق إيمان بالفقه أو لعبة شيطانية مرحة تماس جنونه الليلي وهو يتوسد فراش الفراغ الجنسي!
يشتريها بأغلى ثمن!
هذه النغمة تعزف على ذلك الوتر، ثمن وعري، ولكنها قسمة ضيزى، فقد تستعر عين الناظر مليا بلمعة ذلك الجسد الشبابي المعروض من خلال ثوب شفاف، وتتهيج شهوة الكبت الزائد عن الحاجة كما كان يسميه هربرت ماركوز، ولكن النتيجة قد تكون عري بلا ثمن!
ترى هل كان يمارس هذا الخاطب (المحتال) دور حارس كابريه ليلي؟
فقيه يدعي المعاصرة يدعي إن هذه العبارات هي مما كان يألفه أهل ذاك الزمان، فكيف ندعي إذن إن الإسلام صالح لكل زمان ولكل مكان!
فقيه أخر توفّاه الله يرى إ ن الثمن هنا تعبير رمزي عن الحب والامانة والمصير والقدر الذي ربما يستمر حتى الموت... وهي فذلكة واضحة الضعف، فإن الثمن هنا وبلغة الاطلاق المستفاد من قرينة مقدمات الحكمة كما تقولون هو الثمن بمعناه السوقي، ليس إلا ...
مستحيل أن الأمام الصادق يتكلم بهذه اللغة، هذه لغة شهوة مجانية وليست لغة جسد على غرار قانون الله الكوني (هن لباس لكم وانتم لباس لهن)، وما يقال عن صحة هذه الروايات لهو أكبر دليل على فقر منهج (العنعنة) البغيض.
أجل...
كان فقههم عفيفا....
ولنا عودة إن شاء الله