-1-
quot;يداكَ أوكتا وفوكَ نفخquot;.. مثلٌ عربي، يُضرب لمن زرع الشوك في يديه، ثم أخذ يصرخ من الألم، ويناشد الآخرين أن يبادروا إلى نزع شوكه. والوكت هنا، معناها الربط المحكم.
وأصل هذا المثل العربي، أن قوماً كانوا في جزيرة في البحر، فأتاها قوم آخرون، يريدون عبورها، فلم يجدوا معبراً، فجعلوا ينفخون في قرابهم، ثم يعبرون عليها، فعمد رجل منهم فقلل النفخ، وأضعف الربط، فلما توسّط في الماء، جعلت الريح تخرج من القرب، حتى لم يبقَ في القرب المنفوخة شيء، وغشيه الموت، فنادى رجلاً من أصحابه: يا فلان، إني هلكت فانجدني.
فقال له صاحبه:
quot; ما ذنبي.. يداكَ أوكتا، وفوكَ نفخquot;.

-2-
الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، وقتل المدنيين الأبرياء، على هذا النحو مرفوض، ومُدان، من كل العالم. وإسرائيل مُدانة إدانة كاملة، بهذا العدوان على المدنيين. وقد سبق وحذّرنا، وحذَّر العرب والمسلمون والعالم، من مغبّة صواريخ القسّام على إسرائيل.
وquot;حماسquot; تعلم، أن إسرائيل غير عاجزة عن كيل الصاع بألف صاع، وليس بصاعين فقط. وأن quot;حماسquot; تلعب بالنار. وهذه هي نتيجة اللعب بالنار. قتلى بالمئات من المدنيين الأبرياء، بينما نصف قادة quot;حماسquot; مختبئين في غزة بمأمن تام، والنصف الآخر يعيش راغداً في دمشق وبيروت، ويناشد العرب والعالم بوقف الاعتداءات على الشعب الفلسطيني، في حين أن عدوان إسرائيل ليس على الشعب الفلسطيني، ولكن على quot;حماسquot; فقط، وفي غزة فقط. فإسرائيل لم تضرب الضفة الغربية اليوم، كما لم تضرب أكثر من ستة ملايين فلسطيني في مخيمات الشتات.

-3-
المقاومة الفلسطينية شرعية ومقبولة، ولكنها جاءت اليوم متأخرة، أكثر من ستين عاماً.
فلكل زمان ومكان أحكامه.
والمقاومة الفلسطينية المسلحة الآن، ليست من أحكام هذا الزمان ولا المكان.
ولو جاءت quot;حماسquot; قبل 1948، بهذه الهيئة، وبهذا الاستعداد العسكري الآن، لربما كانت قد أفلحت في مهمتها.
quot;حماسquot;، وصواريخ القسّام الآن، تأتي في غير موعدها، ومتأخرة 60 عاماً عن موعدها الصحيح والمناسب.
لقد مضى عهد المقاومة الفاعلة، عندما كانت إسرائيل ضعيفة عسكرياً وسياسياً، وعندما كانت إسرائيل قبل 1948 وبعدها بسنوات قليلة، عبارة عن ميليشيات صهيونية، يقودها مناحم بيجن، وأبراهام شتيرن، ووالد يهودا أولمرت، وغيرهم. فكانت المقاومة الفلسطينية تواجه ميليشيات صهيونية، وليس أحدث جيوش العالم. أما اليوم، فإن المقاومة الفلسطينية البدائية، تواجه أقوى جيش في المنطقة.
-4-
إسرائيل الآن، أقوى قوة عسكرية ضاربة في المنطقة، ووضع quot;حماسquot; في غزة يختلف كلياً عن وضع quot;حزب اللهquot; في لبنان.
quot;حماسquot; ومعها قطاع غزة محاصرون من البر، والبحر، والجو.
حدود لبنان البرية، والبحرية، والجوية، مفتوحة لحزب الله، ليُدخل ما شاء من السلاح والعتاد والمال.

وquot;حزب اللهquot; له جاره كسوريا، تمده بكل ما يحتاجه، بينما جار quot;حماسquot; هو مصر الموقّعة معاهدة سلام مع إسرائيل، وليست على استعداد للتفريط بهذه المعاهدة، لكي لا تقيم على حدودها دولة الإخوان المسلمين في غزة، فتصبح ببلاءين: بلاء في الداخل، وبلاء على حدودها.

وquot;حزب اللهquot; يستعمل طبوغرافية لبنان الجبلية والحرجية، كسواتر عسكري لصواريخه وعناصره. أما غزة فهي منبسطة كالكف، وكل ما فيها مراقب ومكشوف، وسهل الضرب.
وأخيراً، لا جواسيس في quot;حزب اللهquot; لإسرائيل، وإن وُجدوا فهم قلة. في حين أن الجواسيس لإسرائيل في غزة كثيرون، وبأرخص الأسعار، نتيجة للفقر، والحاجة المعيشية الملحة. وقد أعدمت السلطة الفلسطينية كثير منهم في الماضي.

-5-
quot;حماسquot; اليوم، ومعها غزة، تُضرب بأعنف الضربات. وquot;حماس اليومquot; تصيح وتستجير بالعرب.. واعرباه.. ولكن ما من مجيب، غير ما هو معهود من سحب سفير، أو بيان إدانة، أو مؤتمر قمة طارئ، نسمع منه كلاماً ممجوجاً ومكرراً، والسلام. وكأن العرب يقولون اليوم لحماس:
يداكِ أوكتا وفوكِ نفخ.
يعني أقلعي شوككِ يا quot;حماسquot; بيديك.
فـ quot;حماسquot;، لا تستشير أحداً في عملياتها العسكرية، ولا تدع طرفاً عربياً غير ndash; ربما - سوريا يشاركها قرار الحرب والسلم.
فلماذا لا تقوم سوريا شريكة quot;حماسquot; في السلم والحرب، بالدفاع عن غزة، وترسل طائرتها لمطاردة الطائرات الإسرائيلية المعتدية؟
ولماذا تلجأ سوريا إلى السلام، وتطالب الآن بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل برعاية أمريكية، وتدع أهل غزة يموتون، جرياً وراء سراب تدمير إسرائيل، وإقامة الدولة الفلسطينية، من النهر إلى البحر؟
وما ذنب العرب الآخرين في أن يتورطوا بأعمال صبيانية حمساوية، يُطلق عليها المقاومة، وهي بعيدة كل البعد عن مفهوم المقاومة، الذي يتطلب عدة عناصر، غير متوفرة على الإطلاق الآن لحماس، وكتائب القسّام.

-6-
الغارات الإسرائيلية على غزة، تقول لأهل غزة، اخرجوا من جلابيب quot;حماسquot; المهترئة، فهذه الغارات موجهة لعناصر quot;حماسquot; بالذات، وليس للشعب الفلسطيني كما تصرخ حماس من دمشق وبيروت. ولكن ما دام سكان غزة هم الذي انتخبوا، وأيدوا، وساندوا الخلفاء، والولاة الحمساويين في غزة، واحتضنوا دولة quot;خلافة الأنفاق الإسلاميةquot; في غزة، فليتحملوا تبعات ذلك، فوق ما يتحملون من جوع، وعطش، وعدم توفر الوقود والكهرباء، والبطالة لشبابهم، حتى لم يبقَ في غزة، غير تجارة الأنفاق، وبعض الأموال، التي ترسلها إيران لغزة، مما أمكن quot;حماسquot; بالأمس من إنشاء بنك جديد في غزة، برأسمال عشرين مليون دولار!

-7-
وبعد، ماذا يملك العرب والمسلمون الذين تستغيث بهم quot;حماسquot;، فلا يغيثونها، لأنهم لا يملكون سلاح الإغاثة، ولا عناصرها.
فليأكل أهل غزة من تصريحات الزعماء العرب الآن، وليشربوا منها هانئين.
أما المأساة، والمجزرة التي تتم في غزة الآن، هي رسالة، وعبرة لمن اعتبر، ويعتبر. وهي الدرس القاسي لأهل غزة، لكي يفيقوا من سباتهم، ويدركوا أن مستقبلهم ومستقبل أطفالهم في السلام، وفي إقامة الدولة الفلسطينية، وليس في quot;خلافة الأنفاق الإسلاميةquot;، ولا في والي غزة إسماعيل هنية، أو في الخليفة، القابع في دمشق.
السلام عليكم.