السيطرة البرتغالية وأثرها في النشاط البحري في منطقة الخليج العربي1507- 1529
مثل مطلع القرن السادس عشر الميلادي، تحولا واضحا على مستوى العلاقات السائدة في منطقة الخليج العربي، باعتبار الصدمة الحضارية التي تعرضت لها المنطقة على يد طلائع الغزو الاستعماري الذي تمثل في القوة العسكرية البرتغالية التي زحفت نحو الشرق. وبالقدر الذي تتداخل فيه العوامل (العسكرية والاقتصادية والدينية)، فإن مدار التحرك نحو الشرق الذي جاء من قبل قوة غربية، كانت قد تضافرت فيها جملة من العوامل التاريخية، تلك التي تمثلت في الفاصل التاريخي الذي يتركز عند العام 1492، حيث نهاية الحضارية العربية الإسلامية في الأندلس وسقوط غرناطة على يد التحالف الصليبي، وتزامنه مع اكتشاف العالم الجديد على يد الملاح الجنوي كريستوفر كولومبس، وبتمويل مباشر من قبل ملك البرتغال وما تمخض عنه من تراكم للثروات (ذهب وفضة)، كان له الأثر البالغ في دعم موجهات العمل نحو التوسع والانسياح في العالم، لا سيما التطلع نحو السيطرة على أسواق الشرق، حيث التوابل، تلك البضاعة التي مثلت غاية مركزية في التوجهات الأوربية إبان تلك الحقبة.(1) والواقع أن النسق الذي تفاعلت فيه أوربا إنما كان ينسجم مع المجمل من التطورات التي ترافقت مع النهضة الإيطالية، والتشكيلات الاجتماعية والاقتصادية، تلك التي أتاحت الانتقال من النظام الإقطاعي إلى بروز دور القوى البورجوازية التجارية، حيث تنامي دور المدن، وحركة الإصلاح الديني الذي برز في ألمانيا، والكشوفات الجغرافية التي ظهرت في البرتغال، والتي تتوجت فعالياتها من خلال اكتشاف رأس الرجاء الصالح، حيث الطريق الذي أتاح للقوة البرتغالية من الالتفاف حول طريق التجارة التقليدي مع الشرق، بالإضافة إلى التطور الذي تلازم مع صناعة السفن واستخدام البوصلة وثورة الطباعة وصناعة الأسلحة النارية والوقوف على الرسوم الدقيقة للخرائط الجغرافية.(2)
من واقع الترصد لحجم التبادل البضائعي بين الشرق والغرب وحتى أواخر القرن الخامس عشر، فإن الميزان التجاري كان يشير لصالح الشرق، حيث الرغبة العارمة الصادرة عن الغرب في الحصول على البضائع الشرقية، من توابل ومجوهرات وحرير ومنسوجات وشاي(3)، وكان الدور الأهم قد لعبته المدن التجارية الإيطالية، تلك التي لغبت دور الوسيط التجاري، والتي ساهمت في استنزاف المعادن الثمينة، ونقلها إلى الشرق، ومن هنا فإن الدعوات راحت تتصاعد في أوربا بغية إيقاف هذا النزف للثروات، باعتبار توجهها إلى بلدان غير مسيحية، مثل الصين والهند وفارس والدولة العثمانية، بل أن الحال بلغ حد أن تم توجيه ما كان يتم استخراجه من معادن ثمينة في العالم الجديد، ليتم توجيهه للحصول على البضاعة الشرقية(4)، ومن هذا كان البرتغاليون قد بدأوا سياسة القمع والاستنزاف للشرق، عبر أسلوب السيطرة المباشرة والاعتماد على العنف المنظم، مستفيدين من الفارق التقاني الذي تحصلوا عليه، حتى كان الأسلوب الذي نهجه القائد البرتغالي ألبوكيرك، في سيطرته على الهند عند كوشين عام 1503، في أعقاب عبوره لرأس الرجاء الصالح.
على الرغم من تركز هدف الغزو البرتغالي في محاولة الوثوب إلى الهند، باعتبار الرغبة في السيطرة على مركز الإنتاج الشرقي، إلا أن الموجهات الحربية والفعاليات العسكرية، كان قد تبدى أثرها تحديدا في السواحل العربية، إن كان عند مضيق باب المندب أم مضيق هرمز، وبالقدر الذي كانت فيه القوى العربية الإسلامية تعاني من الفرقة والتعدد والتبعثر، إلا أن هذا الواقع لم يكن ليشير إلى غياب روح الرفض والمقاومة من قبل القوى المحلية، بدليل أن المواجهة العسكرية كانت قد تجلت في موقف الدولة المملوكية من الغزو البرتغالي، إن كان على صعيد الدفاع عن مدخل البحر الأحمر، أم على مستوى محاولة التنسيق مع القوى الإسلامية في الهند، ومحاولة تنظيم الجهود لمواجهة الغزاة هناك، إلا أن انعدام التنسيق كان له الأثر الكبير في تراجع حدة المواجهة (5)، لا سيما في أعقاب هزيمة الأسطول المملوكي في معركة دايو عام 1509، والتي أذنت بأفول القوة المملوكية في الشرق.
السيطرة والتوجيه
تركزت الخطط البرتغالية حول السيطرة على المنافذ البحرية، باعتبار السعي نحو توطيد الأسس الخاصة بالطريق الجديد(رأس الرجاء الصالح)، ومن هذا كان الاتجاه نحو السيطرة على المنافذ والممرات البحرية المتعلقة بالبحر الأحمر والخليج العربي، باعتبار السعي نحو حصار مرتكزات الأنشطة البحرية العربية الإسلامية.فيما صار التركيز بعد العام 1507 نحو السيطرة على مناطق هرمز والبحرين والقطيف والبصرة (6)، ومحاولة توجيه مجمل الأنشطة بما يخدم المصالح البرتغالية الساعية نحو احتكار النشاط التجاري في المنطقة، من خلال القضاء على المجمل من العلاقات التجارية والأنشطة الاقتصادية التي كانت تخص العرب المسلمين، وهكذا تم التركيز على تركيز مجال المراقبة البحرية، وتكثيف ملامح الحضور العسكري الكثيف على النشاط الذي كان يمارس من قبل أبناء المنطقة في مجالات النقل والتحميل والتبادل السلعي(7).
جاءت الإجراءات البرتغالية مستهدفة بنية العلاقات التقليدية السائدة في منطقة الخليج العربي، لا سيما في أعقاب السيطرة على مملكة هرمز، تلك التي كانت تمثل نقطة التقاء مجمل النشاط البحري في المنطقة، حتى كان التوجه نحو سياسة القهر والتنكيل والعسف المبالغ فيه، عبر استخدام القوة المفرطة، من أجل فرض الضرائب ومحاولة السيطرة الجمارك، واستحصال الأموال على السفن العابرة لهرمز، بل والتحكم في طبيعة البضائع المارة، ومنح البرتغاليين أنفسهم المكانة الأولى بالرعاية، ولم يتوقف البرتغاليون عند هذا الحد بل تطلعوا نحو فرض حضورهم على النشاط التجاري المتعلق بصيد اللؤلؤ.، أو تجارة الخيول التي كان يتم تصديرها من البصرة إلى الهند(8). وكانت الإجراءات البرتغالية قد بلغت من الشدة إلى الحد الذي لم تسلم فيه عموم الأنشطة السائدة في المنطقة، هذا على صعيد التحكم بسير السفن الصغيرة منها أو المتوسطة، فقد كان التركيز نحو اعتماد سياسة استحصال القدر الأكبر من الأموال، فيما كان الهدف الرئيس قد تركز حول السيطرة على الموارد المالية التي كانت تستحصلها جزيرة هرمز، بوصفها المتحكمة بالطريق التجاري الموصل إلى الهند.
فارق القوة
يتوقف بيدرو تيخسيرا عند وصف الأداء التجاري لجزيرة هرمز، باعتبارها السوق الواسع والمركزي لمجل النشاط التجاري لمنطقة الخليج العربي، حتى غدت بمثابة السوق الرائجة لمجل الأنشطة المرتبط ببلاد فارس والجزيرة العربية والبصرة، مما أتاح لها أن تحظى بمكانة تجارية رفيعة، انعكست على الواقع المعيشي لسكانها، إلا أن هذا الواقع سرعان ما تعرض للذبول والوهن في أعقاب السيطرة البرتغالية، وما قام به قائد الحامية البرتغالي Diego Barreto من عمليات سيطرة ونهب منظم للأموال والقدرات المالية والاقتصادية للجزيرة.(9) أما على صعيد النشاط التجاري في البحرين فإن التركيز يقوم على صيد اللؤلؤ، والذي يبدأ موسمه خلال الأشهر الواقعة بين يونيو وأغسطس، حيث يحتوي النشاط على ما يقارب مائتا سفينة من البحرين، وخمسون من رأس الخيمة وخمسون من نخيلة، ويبلغ حجم تجارة اللؤلؤ في البحرين ما يقارب خمسمائة ألف دوقية، تبلغ قيمة الضريبة السنوية المقدمة إلى ملك هرمز منها ما يقارب أربعة آلاف دوقية، ويتميز اللؤلؤ البحريني بالحجم الكبير والوزن الثقيل، مما منحه سمعة وميزة بارزة مقارنة باللؤلؤ الذي يتم صيده في مناطق الجوار(10).
تركزت الأنشطة التجارية في الحقبة السابقة للوجود البرتغالي، عند المراكز الثلاثة(هرمز، البحرين، البصرة)، فهرمز حظيت بالمكانة الرفيعة باعتبار لقاء مختلف الأجناس فيها من عرب وأوربيين لا سيما التجار الإيطاليين منهم، وفرس وأتراك، فيما بقيت السمة الرئيسة فيها تقوم على الهوية العربية الإسلامية، حيث اللغة العربية، كانت تمثل لغة التعامل الرسمي، وكانت السيطرة الأهم فيها قد تبدت من خلال النشاط البحري والتجاري للعرب فيها القادمين من مناطق عمان واليمن والبصرة والبحرين ورأس الخيمة.(11) أما البصرة فإن الموقع الذي تحصلت عليه، جعل منها ذات أهمية بالغة في مسار التبادل السلعي بين منطقة الخليج العربي والطريق الموصل إلى سواحل البحر المتوسط، أم البحرين فإن موقعها المتوسط بين هرمز والبصرة، أتاح لها أن تستقطب مجمل الأنشطة التجارية، حتى كانت الإشارة إلى أن ميناء البحرين كان يستقبل حوالي ألف سفينة سنويا(12)، فيما عرف عن سكانها البراعة في ركوب البحر والقدرة المميزة في صناعة السفن، هذا بالإضافة إلى الخبرة الطويلة في تجارة اللؤلؤ والاتصال الكثيف بالأسواق الشرقية، لا سيما الموانئ الهندية على وجه الخصوص.
كان فاصل القوة قد تبدى عبر صدمة الحضور الذي جاء به الغازي البرتغالي إلى المنطقة، حيث الاستخدام المفرط للقوة، تلك التي لم يتورع استخدامها القائد ألبوكيرك، عند هجومه على هرمز عام 1507.، وعلى الرغم الفارق النوعي في التسليح، والمواجهة غير المتكافئة بين الأسلحة النارية التي جاء بها البرتغاليون، والسلاح التقليدي الذي يملكه الهرامزة، إلا أن موقف الملك سيف الدين كان قد تمثل في الرفض للوجود الأجنبي، واختيار قرار المقاومة، تلك التي أبرزت عن ردة فعل لا قوام فيها سوى التدمير الشامل للبنى الأساسية للمملكة، ليضاف إليها إرغام الملك على توقيع معاهدة تضمنت شروطا متعسفة قامت على إعلان الاستسلام غير المشروط، وتقديم غرامة حربية، ودفع ضريبة سنوية، وإخضاع مجمل نشاط هرمز التجاري لإرادة الغازي البرتغالي، لا سيما على صعيد حركة السفن، التي أشترط عليها أن تحصل على الإذن من القوات العسكرية للتحرك في مياه الخليج العربي(13). ولم يتوقف الأمر عند حدود التدمير والسيطرة والتحكم بمصائر النشاط التجاري، بل تخطاه نحو التغلغل في مفاصل النشاط الاقتصادي لمملكة هرمز، حيث راح البرتغاليون يعمدون إلى السيطرة على البضائع الموجودة في المنطقة، من خلال التوجه نحو تثمين البضائع بأسعار لا تتوافق والقيمة الحقيقية لها، بل أن الضباط البرتغاليين توجهوا للعمل في مجال التجارة على حساب التجار المحليين، من خلال اعتماد أسلوب الابتزاز والمصادرة والترهيب(14) ومن هذا لم يتردد بلجريف من اقتباس الوصف الذي وضعه السير توماس هيربرت لهرمز عام 1627، الذي يقول فيه(إن هذه المدينة البائسة أضحت مجردة من كل علامات البطولة والشجاعة بعد أن كانت في يوم ما، المدينة الأكثر ازدهارا في الشرق بأسره) (15)
قطع الأوصال
لم يتردد القائد ألبو كيرك من استثمار الفوز الذي تحقق في مدخل الخليج العربي، ومن هذا كانت خطواته اللاحقة قد تمثلت في التوجه للسيطرة على مسقط، انطلاقا من أهميتها التجارية باعتبار علاقتها بهرمز، أو على صعيد الأهمية العسكرية، حيث الموقع الذي يجعل منها تتحكم في مدخل الخليج، وهكذا توجه الأسطول لشن الحرب من خلال الاستخدام للقوة النارية، والعمل على فرض غرامة حربية بحق المدينة، وكانت الشروط التي تم وضعها تقوم على الابتزاز والمبالغة في تقدير الغرامة، إلى الحد الذي أعلنت المدينة عجزها عن توفير مبلغ الغرامة، مما جعل البوكيرك يعمد إلى مباغتة المدينة بالقصف المدفعي والعمل على استباحتها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أن الزحف البرتغالي راح يطال مدن الجوار مثل صحار وخورفكان اللتان تعرضتا لذات المصير(16)، ومن هذا الواقع القائم على بسط القوة والهيمنة راح الاتجاه يتركز صوب فرض السياسة الضرائبية القائمة على النهب والإفقار، بل أن الملفت في الأمر راح يتطلع نحو محاصرة الأنشطة التجارية المحلية، وعبر جملة من الممارسات التي استندت إلى، إيقاف السفن المحلية وتفتيشها ووضع العراقيل في سبيلها، وفرض الشروط على العمل في النشاط التجاري، تحت ذريعة أهمية حصول التجار على تصريح خاص من قبل القوات البرتغالية. والواقع أن ممارسة القمع بحق الأنشطة المحلية كان له وقعه المؤثر في تراجع الحياة الاقتصادية في المنطقة، حتى راحت المعطيات تشير إلى تحول منطقة مدخل الخليج العربي، إلى مجرد حامية برتغالية، يسيطر عليها ثلة من العسكر الطامحين للسيطرة على المقومات الاقتصادية للمنطقة(17).
صدمة الاستعمار
ما هي الإستراتيجية التي ميزت الوجود البرتغالي في منطقة الخليج العربي؟ هل تم النظر إلى المنطقة بوصفها قاعدة وطريقا موصلا إلى الهند، أم أن الطبيعة التفاعل مع التفاصيل قد نبهت البرتغاليين إلى وجود موارد لا يمكن التغاضي عنها؟ تكشف التفاصيل عن توجه ضباط الحاميات البرتغاليين إلى محالة الإفادة القصوى من واقع النشاط الملاحي في المنطقة، ومن هذا راحوا يعمدون للسيطرة على مجمل الفعاليات المتعلقة حركة السفن، حتى توزعت الأنشطة بين الأسلوبين، الأول وقد تمثل في فرض الضريبة العالية وهو الاتجاه الرسمي، أما الثاني فكان يقوم على طريقة الابتزاز والسطو المسلح على السفن التجارية المسالمة، وقد بقيت عين المستعمر البرتغالي راصدة للنشاط التجاري في المنطقة، حتى تمت مطالبة هرمز بتقديم نسبة أعلى من الضريبة مما حدا بها إلى الرفض، الأمر الذي قدم المبرر لـ ألبو كيرك من قيادة حملة عسكرية جديدة عام 1515، تم في ضوئها تكريس تبعية هرمز، عبر فرض الغرامة الحربية وتكريس الوجود العسكري فيها.(18)
النهب المنظم
في أعقاب مقتل ألبو كيرك عام 1515، تولى منصب نائب الملك، القائد سواريز والذي سارع نحو توطيد النفوذ البرتغالي على منطقة الخليج العربي، عبر جملة من الخطوات، والتي تمثلت في فرض السيطرة البرتغالية على تحصيل الجمارك في جزيرة هرمز، وتوجيه المساعي للسيطرة على البحرين باعتبارها مركز إنتاج وتصدير اللؤلؤ، وهمزة الوصل التجارية بين البصرة والأسواق الشرقية، وصولا إلى الحملة العسكرية التي قادها كوريا عام 1521 نحو احتلال الجزيرة، ليتم العمل نحو قطع الطريق على التواصل التجاري بين الدولة العثمانية والأسواق الهندية، والسعي نحو السيطرة على تجارة اللؤلؤ(19).
احتكار الأنشطة البحرية
قامت السياسة البرتغالية في منطقة الخليج العربي على الأسس التالية:
1. فرض السيطرة على المنافذ البحرية، من خلال إقامة الحاميات العسكرية والدوريات البحرية.
2. المراقبة الدقيقة والصارمة على أنواع البضائع، والتدخل المباشر في توجيهها وإيقافها.
3. اعتماد أسلوب المصادرة للسفن، من خلال تقديم الحجج الواهية واجتراح الأسباب الواهية.
4. تحول أغلب الضبط البرتغاليين للعمل في ميدان التجارة، والدخول في منافسة التجار المحليين.
5. السعي نحو تحويل النشاط التجاري من الطرق التقليدية، إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
6. فرض السيطرة الجمركية على المراكز التجارية، في هرمز ومسقط والبحرين والقطيف.(20)
في إعادة توزيع القوى
كان للإجراءات البرتغالية القاضية في السيطرة على شؤون الجمارك في المراكز التجارية، أثره البالغ في تفاقم الأوضاع، وتنامي حالة التململ لدى أبناء المنطقة، يضاف إلى ذلك حالة السيطرة والبطش الذي درج عليه العسكر البرتغاليون في تعاملهم مع سكان المنطقة، ومن هذا تضافرت جهود أبناء المنطقة للقيام بثورة شعبية واسعة، شملت عموم الخليج العربي، كانت شرارتها قد اشتعلت في شهر نوفمبر 1521، ليكون الهجوم على مجمل المعاقل والحصون البرتغالية في هرمز والبحرين ومسقط وقريات، إلا أن الثورة الشعبية تعرضت للنهاية بسبب الخلافات الداخلية التي نشبت بين ملك هرمز وآل جبر، مما سهل على الأسطول البرتغالي مهمة القضاء عليها، وفرض إجراءات أشد تعسفا بحق المنطقة، متمثلة في فرض الغرامات الحربية وزيادة مقدار الضريبة.(21)
عسكرة البحر
كان للوجود البرتغالي، أثره في تحول العلاقات السائدة في منطقة الخليج العربي نحو التوتر والمواجهات والثورات المتلاحقة، ومن هذا راحت صورة السفن التجارية الآمنة والمسالمة، تتراجع بإزاء الحضور الكثيف للسفن البرتغالية المحملة بالمدافع والمنذرة بالويل والاحتجاز والمصادرة، إنها أجواء التوتر والتدخل في الشؤون الداخلة لأبناء المنطقة، حتى كانت ثورة عام 1529، والتي نشبت في هرمز والبحرين، لأسباب تتعلق بعزل ملك هرمز شرف الدين، وتضامن بدر الدين في البحرين مع هرمز. وعلى الرغم من إقدام البرتغاليين على إرسال أسطول بحري لقمع الثورة، إلا أن الموقف الشعبي كان قد أبرز تضامنا وتلاحما ساهم في تعزيز المواجهة، إلى الحد الذي لم يتمكن البرتغاليون من حسم الموقف.(22)
تراجع الأنشطة التجارية المحلية
كان لممارسة السيطرة المباشرة على الفعاليات التجارية في المنطقة، من قبل البرتغاليين، أثره الموجع على واقع الفعاليات الاقتصادية، حيث التعطيل للأعمال والتوقف والتراجع في الدخل، وهكذا تراجعت أعمال التجار والحرفيين وتضررت صناعة السفن، وتوقفت أعمال التفريغ والشحن في الموانئ، ولم يقف الأمر عن التجار والحرفيين، بل تخطاه نحو تجار التجزئة وأصحاب المحلات الخاصة، إلى الحد الذي راحت الأسواق المحلية تعاني من شح المعروض(23)، فيما توسع نشاط الضباط البرتغاليين في مجال الابتزاز والسيطرة والنهب، إلى الحد الذي لم يتورعوا فيه عن ممارسة أعمال القرصنة بحق السفن التي ترفض تقديم الرشوة لهم.
الهوامش:
1. بانيكار، آسيا والسيطرة الغربية، ترجمة عبد العزيز جاويد، القاهرة 1962، ص 52.
2. إسماعيل نوري الربيعي، العرب والاستعمار، الشارقة 2000، ص 43.
3. Greenberg, British Trade amp; The Opening of China 1800-1842,Cambridge 1969.p10.
4. بتروف وآخرون، ارتقاء المجتمعات الشرقية، ترجمة حسان إسحق، دمشق 1988، ج 1، ص 95.
5. Carruthers, The Desert Route to India, London 1929,p 16.
6. Alboquerque,(Autobiography) The Commentaries of translate to English by Gray, London 1973, vol 1 p 115.
7. بانيكار، آسيا والسيطرة الغربية، المصدر السابق، ص 52.
8. عائشة السيار، دولة اليعاربة في عمان وشرق أفريقيا 1624-1741، بيروت 1975، ص 30.
9. تاريخ الخليج العربي والبحر الأحمر في أسفار بيدرو تيخسيرا، ترجمة عيسى أمين، المنامة 1996، ص 95.
10. المصدر نفسه، ص 103.
11. جمال زكريا قاسم، الخليج العربي دراسة لتاريخ الإمارات العربية في عصر التوسع الأوربي الأول 1507- 1840، لا مكان 1985، ص 54.
12. أحمد بن ماجد، الفوائد في أصول علم البحر والقواعد، تحقيق إبراهيم خوري، دمشق 1971.
13. نوال الصيرفي، النفوذ البرتغالي في الخليج العربي في القرن السادس عشر، لا مكان 1983، ص 126.
14. ويلسون، الخليج العربي، ترجمة عبد القادر يوسف، الكويت لا تاريخ، ص 216.
15. السير تشارلز بلجريف، ساحل القراصنة، ترجمة مهدي عبد الله،، بيروت 2006، ص 36.
16، عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، علاقة ساحل عمان ببريطانيا، الرياض 1982، ص 28.
17. مايلز، الخليج بلدانه وقبائله، ترجمة محمد أمين عبد الله، عمان 1982، ص 155.
18.Serjeant.The Portuguese of The South Arabian Coast ,Oxford 1963,p 11.
19. محمد عارف الكيالي، الأسس الاقتصادية للاستعمار البرتغالي في الخليج العربي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، مجلة الوثيقة، ع 14، يناير 1989، ص 116.
20. عبد الأمير محمد أمين، نظرة جديدة للإنجازات السياسية والعسكرية والتجارية البرتغالية، مجلة دراسات، ع 7، عمان 1988، ص 82.
21. صلاح العقاد، التيارات السياسية في الخليج العربي، القاهرة 1982، ص 19.
22. محمود علي الداود، العلاقات البرتغالية مع الخليج العربي 1507-1650، مجلة كلية الآداب، ع 2، 1960 236.
23. طارق نافع الحمداني، تجارة البصرة الخارجية ودورها في الخليج العربي خلال القرن السادس عشر، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، ع 34، أبريل 1983، ص 66.
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه