الآن، وقد استقال برويز مشرف: إلى أين ستسير باكستان؟
لقد نشرنا أكثر من مقال عن أزمة باكستان، وكان المقال الأخير في إيلاف بتاريخ 6 يناير الماضي تحت عنوان: quot; باكستان بين خطر الإسلاميين، ومزايدات الأحزاب السياسيةquot;.
أجل لم يكن مشرف ديمقراطيا، بل رئيسا عسكريا يعتمد أولا على دعم الجيش، ولكنه لم يكن دكتاتورا دمويا، كصدام مثلا.
لعب مشرف دورا مهما في المشاركة في التصدي للإرهاب الإسلامي، ولكن خطأه الأكبر، وكما كتبنا أكثر من مرة، كان في سياسته المزدوجة في التعامل مع الإسلاميين، كالرابطة الإسلامية، وغض النظر عن آلاف الكتاتيب الإسلامية،(المدارس الدينية)، التي تحرج منها آلاف الطالبان، والتي تربي على التشدد، وكراهية الآخر، وتكفيره، ومواقف quot;اضرب، ثم عانقquot; مع طالبان أفغانستان، كما كانت، ومازالت، بعض عناصر جهاز المخابرات متهمة بدعم طالبان، وتسهيل هجماتهم على أفغانستان من الأراضي الباكستانية، مما كان يثير احتجاج القيادة الأفغانية، وسخط الولايات المتحدة.
لم يكن حكم مشرف هو المبادر للتساهل مع الخطر الإسلامي، بل، ويا للمفارقة، كان الراحل علي بوتو، الذي سن حكم الشريعة، ثم ابنته، بنازي، ومن بعدها نواف شريف، خلال رئاستيهما للوزارة، بل، وإن نواز شريف، الذي يرفع علم الديمقراطية اليوم، حاول في نهاية عهده التنصل من البرلمان، والمحكمة العليا التي قام باقتحامها.
إن مشرف لا يتحمل مسئولية اغتيال بنازير، وهذا ما توثق منه المراقبون، والخبراء المحايدون، ولكن المعارضة، حزب بوتر، وحزب نواف، والرابطة الإسلامية، استغلت الحدث لتوجيه الاتهام لمشرف، لتأجيج الشارع ضده، والمطالبة بإقالته، وفي حينه كتب عبد الرحمن الراشد مقالا ورد في نهايته: quot; مؤسف أن توجه الاتهامات، [ بمقتل بنازير]، إلى الطرف الذي يحارب الإرهاب، قبل، وبعد، بنازير.quot;
كان من صالح باكستان، والحرب على التطرف، والإرهاب، الإسلاميين، وكما كتبنا، أن يتعاون مشرف تعاونا وثيقا مع الفائزين بالانتخابات، ومن جانبها، كان على المعارضة \ن تتجه في حملتها الانتخابية باتجاه عرض التعاون معه، لا باتجاه إبعاد الشقة معه، والمطالبة بعزله. إن ما جرى هو أن مشرف قبل بنتائج الانتخابات، وأبدى حسن نية في التعاون مع الحكومة المنتخبة، في حين أن المعارضة الفائزة استمرت في المطالبة بعزله، سواء بعقدة الانتقام، [ في حالة حزب الشعب ]، أو لحصر السلطات كلها في أيديهم.

إن الأهم اليوم بالنسبة لباكستان، ودول تلك المنطقة، هو ضمان الاستقرار، والعمل الجاد لمحاربة التشدد الإسلامي، ولكن!
إن حزب التشدد الإسلامي، أي الرابطة الإسلامية، هو شريك قوي في الائتلاف الحكومي غير المتجانس، وهو ائتلاف معرض للتشقق، عاجلا، أو آجلا. وفي تقديرنا الأولي، أن الخطر الأكبر المحتمل، [ ولكن غير المؤكد]، هو أن الإسلاميين هم الذين سيفرضون تدريجيا هيمنتهم، إذ أن لهم زخم تأييد في الشارع، المبتلى بسموم أفكارهم.

ليس ممكنا اليوم التنبؤ بالتطور اللاحق، ونتفق مع القائلين بأن مستقبل باكستان مجهول. إنه مفتوح على احتمالات عديدة، فإما قيام ديمقراطية حقيقة، أو هيمنة الإسلاميين، أو انقلاب عسكري جديد.
إن التطورات السياسية القريبة ستمس لا باكستان وحدها، بل، وترتبط أيضا، بكيفية التعامل مع طالبان، والقاعدة، ومن ثم، فإن أي تزعزع في استقرار باكستان، أو أية مواقف مهادنة، وملاينة، تتخذها الحكومة الجديدة، مع طالبان، والقاعدة، سوف تؤثر سلبا على الحرب ضد الإرهاب الإسلامي في كل مكان، ومن ذلك في منطقتنا، والعراق خاصة.

إذا نجحت التجربة الديمقراطية الانتخابية في باكستان، مع تقوية استقرارها، فسوف تكون تجربة هامة يمكن التعلم منها؛ أما إذا أدت الانتخابات، وعزل مشرف، إلى تداعي الاستقرار، والأمن، والصعود الإسلامي، فهناك أيضا درس، وعظة، ونعني أن الانتخابات ليست دائما المعيار الوحيد للديمقراطية، وإن كانت من أسسها، وإنها قد تؤدي، في بعض الحالات، إلى صعود القوى السياسية، التي لا تؤمن بالديمقراطية، كما حصل في العراق.
إن المرجو، والمأمول، أن تسير باكستانُ ما بعد مشرف في مسار ديمقراطي متواصل، مقرونا بالحزم التام في التعامل مع طالبان، وخطر الإرهاب. ولكن، هل كل أمنية يمكن تحقيقها؟ من يدري!