ُمفارِق رقم (1)
حديث البرّاء بن عازب: ((لمَّا كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا صخرة في بعض الخندق لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءنا فأخذ المعول فقال: (بسم الله فضرب ضربة كسر ثلثها، وقال: الله اكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إنّي لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، فقطع الثلث الآخر، فقال: الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، ثم ضرب الثالثة، وقال: بسم الله فقطع بقية الحجر، فقال: ألله أكبر أُعطيت مفاتيح اليمن، والله إنّي لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة)) وغيره كثيرون، ولكن جميعا يروون ذلك من طريق (هوذة بن خليفة) عن (أبو عبد الله ميمون البصري الكندي)، وهذا الأخير ضعيف، فقد (قال الأثرم عن أحمد: أحاديثه مناكير... وقال النسائي في الكنى: بصري ليس بالقوي، وقال الحاكم: ليس بالقوي عندهم...)7. وضعَّفه وليَّنه غيرهم، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية:((وهذا حديث غريب... تفرّد به ميمون بن إستاذ)) 8.
يبدو أن الصخرة هذه كانت تنتظر فشل المعاول العادية كي يأتي المعول النبوي فتسرد تاريخاً موعودا، فقد كشف المعول الصغير عن جغرافية العالم كله، ومستقبله!

مُفارِق رقم (2)
يبدو إن المفارق الثاني ينافس المفارق الأول في مهمته، ففي هذا المفارق نقرأ: ((... حدّثنا محمّد بن خالد بن عثمة، قال: حدّثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني قال: حدّثني أبي عن أبيه، قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب... قال عمرو بن عوف: فكنتُ أنا وسلمان وحذيفة بن اليمان والنعمان بن مقرن وستة من الأنصار في أربعين ذراعا، فحضرنا حتى إذا بلغنا الثديّ أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدوّرة...)) وتستمر الرواية لتفيد أ ن القوم استنجدوا بسلمان لينادي النبي الكريم، ذلك أن الصخرة إستعصت على الكسر، فجاء النبي الكريم، فضربها ثلاث ضربات، في كل ضربة يضيء نور هائل، ثم أخذ بيد سلمان فرقي فقال سلمان: ((بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لقد رأيت شيئا ما رأيته قط، فالتفت رسول الله إلى القوم، فقال: هل رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول الله بابينا وأمنا...)) وتستمر السردية الخيالية لتقول لنا، أن النبي أ خبرهم على ضوء هذا الجواب، بانه في الضربة الاولى أضاءت له ((قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب)، ثم ضربته الثانية أضاءت له ((قصور الحُمر من أرض الروم كأنَّها أنياب الكلاب...))، ثم ضربته الثالثة أضاءت له ((قصور صنعاء كانها أنياب الكلاب)) مع بشارة النصر العالمي المؤزر في المستقبل القريب 9. وفي طبقات ابن سعد يروي الرواية ويختمها بقوله: ((... فابتشر المسلمون وقالوا: وعد صادق بار...)) 10
نحن بين يدي مبارات، مبارات مفجعة، فإن مقارنة بين هذه الرواية و السابقة تبين لنا أخلاقية المبارات الوجاهية!
سند الرواية عائلي، ينتقل من إبن ألى أب إلى جد، والوجاهة للاخير، فهي عن: ((... كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أ بيه، عن أبيه)).
جاء في مغني الذهبي: ((كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني المديني عن ابيه، متروك، قال أبو داود: كذاب، وكذبه ابن حبان...))11. وعلّق ابن كثير على الحديث وقال ((وهذا حديث غريب...)) 12
مُفارِق رقم (3)

يروي البيهقي: ((أخبرنا أبو عبد الله الحافظ... حدثنا محمّد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، وأخبرنا أبو الحسين ابن الفضل... حدّثنا ابن أبي أويس، قال حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمّه موسى بن عقبة... فذكروا أنّه عرض لهم حجر في محفرهم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم معولا من أحدهم فضربه ثلاثا فانكسرالحجر في الثالثة، فزعموا أن سلمان الفارسي أبصر عند كل ضربة برقة ذهبت في ثلاث وجوه، كل مرة يتبعها سلمان بصره، فذكر ذلك سلمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت كهيئة البرق أو موج الماء عن ضربة ضربتها يا رسول الله ذهبت أحداهن نحو المشرق والأخرى نحو الشام والاخرى نحو اليمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقد رأيت ذلك يا سلمان؟ قال: نعم، قد رأيت ذلك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن أُبيض لي في إحداهن مدائن كسرى من تلك البلاد، وفي الاخرى مدينة الرّوم والشام، وفي الاخرى مدينة اليمن وقصورها، والذي رأيت النصر يبلغهنّ إن شاء الله...))13.
الرواية ضعيفة بكل من سنديها، فإن محمد بن فليح بن سليمان الأسلمي يقال الخزاعي المدني هذا (ليس بثقة)، قالها صراحة الرجالي الكبير (ابن معين)، وكان يحمل عليه 25 . وأمّا ابن أبي أُويس الذي يروي عن اسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، فهو ((اسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أبي أُويس ابن أخت مالك ونسيبه))، فهو لا يتمتع بصلاحية حمل الحديث في نظر ابن أبي خثيمة، لأنه (ضعيف العقل)، ويتّهمة ابن معين بسرقة الحديث هو وأباه، فيما يقول إبراهيم بن الجنيد عن يحي مختلط يكذب ليس بشيئ! وضعّفه آخرون 14.
مُفارق رقم (4)
قال ابن إسحق: ((وحُدِّثت عن سلمان الفارسي، أنه قال: ضُربت في ناحية من الخندق، فغَلظت علي صخرة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب منّي، فلما أتى ورأى شدّة المكان عليّ، نزل فأخذ المعوّل...)) وتستمر رواية ابن إسحق ليذكر نغمة الضوء السرّي الصارخ الذي كشف عن مجاهيل المستقبل المذخور15.
والرواية مرسلة...

مفارق رقم (5)
جاء في سيرة ابن هشام:((فكان أن بلغني أن جابر بن عبد الله كان يحدّث، أنّه إشتد عليهم في بعض الخندق كُدية ـ صخرة غليظة لا يعمل فيها الفأس ــ فشكوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بإناء من ماء، فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية، فيقول كل من حضرها: فوالذي بعثه بالحق نبيّا، لا نهالت حتى عادت كالكثيب، لا ترد فأسا ولا مسحاة))16.
يعلق ابن كثير في البداية والنهاية: ((... هكذا ذكره ابن إسحق منقطعا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه)) 17.

مُفارق رقم (6)
وقال النسائي: ((حدّثنا عيسى بن يونس، حدّثنا ضمرة، عن أبي زرعة السبياني، عن أبي سكينة، رجل من البحرين، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لمّأ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة...))19، و الرواية ضعيفة. على أن في الرواية أضافة مع كل ضربة، هي قراءة النبي مع الضربة الأولى قوله تعالى: (وتمت كلمة ربك...)ومع الضربة الثانية قوله تعالى: (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا)... ومع الضربة الثالثة قوله تعالى: (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا....)
هذه الزيادة تنطوي على مبا رات بين الرواة، تتجسّد في شحن المروي صدقا أو كذبا مزيدا من الإمضاءات التي من شانها توتير الحدث، تصعيده، إثارة جو ساخن حوله.
مفارق رقم (7)
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: ((حدّثنا هارون بن ملول، حدّثنا أبو عبد الرحمن، حدّثنا عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو قال: لما أمر رسول الله...))19.
قال ابن كثير: ((... وهذا... غريب من هذا الوجه، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي فيه ضعف)20.

مفارق رقم (8)
قال الحافظ الطبراني ايضا:((حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثني سعيد بن محمّد الجرمي، حدّثنا أبو تميلة، حدّثنا نعيم بن سعيد الغري، أن عكرمة حدّث عن ابن عباس قال: احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع... وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها ـ المقصود هنا سلمان ــ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوني فأكون أول من ضربها، فقال: بسم الله فضر بها فوقعت فلقة ثلثها...))21.
في السند: أبو تميلة، يحي بن واضح الأنصاري، قال عنه أبو داود عن ابن معين (قد رأيته لا يحسن شيئا)، وعند الفضل بن موسى إنه روى (أحاديث مناكير) 22. ولم أجد ترجمة لـ (سعيد بن نعيم الغري).

مفارق رقم (9)

قال أبن اسحق: ((وحدّثني سعيد بن مينا إ نّه حُدِّث: أ ن أبنةً لبشير بن سعد قالت: دعتني أُمي عمرة بنت رواحة، فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: أي بُنيّة إذهبي إلى أ بيك وخالك عبد الله بن رواحة بغذائهما، قالت: فأخذتها، فانطلقت بها، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي، فقال: تعالي يا بُنية، ما هذا الذي معك؟ قالت: فقلت: يا رسول لله هذا تمر، بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغذّيانه، فقال: هاتيه، قالت: فصببته في كفيّ رسول الله صلى الله عليه ولم فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبُسط له، ثم دحا بالتمر عليه، فتبدّد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: إصرخ في أهل الخندق: أن هلُم إلى الغذاء، فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنّه ليتساقط من أطراف الثوب))23.
الرواية مرسلة بطيعة الحال.

المصادر
(1) سيرة ابن هشام، تحقيق عمر عبد الستار تدمري 1ص 130.
(2) تاريخ الطبري، الجزء الثالث ص 163، طبع دارالفكر.
(3) الواقدي، مغازي الواقدي، تحقيق مارسدن جوندسنص 446
(4) دلائل النبوة للبيهقي 3 ص 310، تحقيق سيد إبراهيم، طبع دار الحديث في القاهرة.
(5) الواقدي، ص 442.
(6) دلائل البيهقي ص 310.
(7) نفسه ص 310.
(8) البداية والنهاية لابن كثير، 4ص 103.
(9) نفسه ص 101.
(10) طبقات بن سعد، 2 غزوة الخندق.
(11) المغني في الضعفاء، تحقيق عز الدين عتر، رقم 5084.
(12) ا لبداية و النهاية 103.
(13)دلائل البيهقي ص 310.
(14) ترجمته في تهذيب التهذيب.
(15) المصدر ص 138.
(16) نفسه ص 130.
(17)البداية والنهاية ص 103
(18) نقلا عن البداية و النهاية ص 103.
(19) نفسه ص 102.
(20) نفسه ص 102.
(21) نفسه ونفس الصفحة.
(22) تهذيب التهذيب، ترجمة الرجل.
(23) ابن هشام ص 137.