يمكن اعتبار التخلف العلمي والتقني إحدى بديهيات الواقع العربي الراهن، ويكفي التذكير بأننا الآن مستهلكون في كافة المجالات. وحسب درجة التمكن مادياً، لا يعدو وضعنا في الغالب موقع الالتفات فالاهتمام فالرغبة فالفعل (وهي مراحل استقطاب المستهلك في عالم التجارة)، سواء أكانت سلعاً مُصنّعة أو quot;انجازاتquot; في ميدان البناء أو الاتصالات المتطورة أو وسائط النقل. وفي حالة المصانع القليلة ومكننة الزراعة، نلاحظ اعتمادنا على التقنيات والانجازات الغربية واليابانية أو على نسختها الرخيصة من تايوان وكوريا والصين. ويكمن الحل الأساسي لهذا الواقع الأليم في اقتناع حكامنا بالضرورة القصوى لتطوير الطاقات البشرية ووضع الخطط المناسبة وتخصيص الميزانيات المطلوبة لهذا الغرض. ويعني ذلك 1- تقوية المنظومات التربوية وتطوير وسائل التعليم فيها، 2- رفع مستوى الجامعات وتقوية تنسيقها مع القطاعات المختلفة كما سنرى، 3- التعاون مع منظمات المجتمع المدني وغيرها على نشر الثقافة وتطوير وسائل النشر والاعلام والاتصالات كالأنترنيت، 4- وضع خطة شاملة لتطوير وتنويع مراكز التدريب وإعادة التأهيل وتشجيع منتسبي المؤسسات المختلفة على الاستفادة منها. ويتوزع الجهد المطلوب على ساحتين أساسيتين: أ- تطوير ديناميكية المجتمع في مجالات الفكر والممارسة ب- نقل التكنولوجيا والمناهج العلمية والأساليب التقنية بالاستفادة الواعية من التقدم العالمي الحاصل في كل المجالات وتماشياً بالطبع مع احتياجات الواقع المحلي في هذا البلد أو ذاك.
كيف تؤدي الجامعة دورها
1- تهدف الجامعات عموماً الى تنشئة الشباب المتعلمين والكفوئين في الاختصاصات المختلفة ورفد المؤسسات الرسمية والأهلية بهذه الطاقات وكذلك الى نشر الثقافة الموضوعية في البلد من خلال مؤسساتها وخريجيها وتساهم بذلك في تخليص البيئة الثقافية من عوامل التخندق والتمزق. وعموماً يهتم التخطيط الجامعي أ- برصد النمو السكاني لاسيما أعداد الشباب المتوقعة من ذكور وإناث، وتوزعهم في المناطق، ب- وتقييم احتياجات البلد المقبلة في القطاعات المختلفة، إدارية أو اقتصادية أو اجتماعية، الخ ج- وتأسيس الجامعات وأقسامها وتطوير برامجها العلمية والتقنية بناء على هذه الحاجات. وبالنسبة لجامعات المناطق أو المحافظات تُؤخذ بنظر الاعتبار المعطيات الاقتصادية والسكانية وخصوصيات الثقافة المحلية لتأمين استجابة هذه الجامعات لحاجات هذه المناطق، إضافة لحاجات البلد.
2- تقوم الدراسة الجامعية على الموضوعية الصارمة في تقييم مستوى الطلاب والرفض الكامل لممارسات الغش والواسطة بهدف إنجاح الطالب رغم ضعف تحصيله العلمي والعملي، لأن هذه المخالفة القانونية والأخلاقية تُضعف أيضاً مصداقية الشهادات وقدرات الخريجين على تأدية أعمالهم وتدمر بالتالي مستقبلهم بتقليل فرص عملهم بعد التخرج.
3- التأكيد على ضرورة تبني المنهج التطبيقي أي تكريس جزء مهم من ساعات الدراسة للعمل في المؤسسات والمختبرات وعلى يد أصحاب الخبرة العملية وذلك للحصول على متخصصين مسلحين بالمعرفة النظرية الى جانب القدرات الحقيقية على العمل في مجالات اختصاصهم. ويعني ذلك التخلص من التنظير والتعميم الذي يطبع برامجنا الحالية ويفسر فشل الكثير من خريجينا في مواكبة التطورات العلمية والتقنية ومواجهة تحديات العمل.
4- ضرورة احترام حرية الرأي والتفكير العلمي الموضوعي وتشجيع البحوث والدراسات والانفتاح المستمر على العالم وتطوراته عن طريق تقوية تعليم اللغات الأجنبية وفق مناهج تطبيقية وعملية، وبالتواصل مع المؤسسات الجامعية الأجنبية من خلال استخدام التقنيات الحديثة وتنظيم السفرات واللقاءات الدورية.
ومهما كانت اختلافاتنا الفكرية والأيديولوجية، يفرض علينا الواقع تبني استراتيجيات تنموية قائمة على بناء الإنسان وتطوير قدراته وعلى الأهمية الكبرى للتعليم والتدريب ونشر الثقافة، أهم قاعدة لأي نهوض حقيقي لبلداننا المتعبة رغم إمكاناتها الكبيرة...