-1-
أصبحت quot;إيلافquot; منبراً لكل الشُكاة والمتظلمين. وأغرت ليبرالية quot;إيلافquot; الكثير ممن يكتبون إلى قول وترديد ما يريدون، والدعوة إلى ما يعتقدون، دون خوف، أو حرج. وأصبحت quot;إيلافquot; وسيلة إعلامية فعّالة لهؤلاء، بحيث لا يجد هؤلاء وسيلة إعلامية منتشرة انتشاراً كبيراً، تقبل أن تنشر ما يكتبون وما يريدون قوله، دون شطب أو حجب. وكان من ضمن هؤلاء الأصدقاء الكتّاب الأقباط وهم أربعة أو خمسة ممن يكتبون أسبوعياً في quot;إيلافquot;. حيث أصبحت quot;إيلافquot; بالنسبة لهم بمثابة quot;حائط مبكىquot;. فهم يبكون على صفحات quot;إيلافquot; من ظلم وتعسّف السلطة في مصر، في حين أن الكنيسة القبطية ورأسها قداسة البابا شنودة، تقف بحزم وحماس إلى جانب السلطة، وتدعو أتباعها في الداخل والخارج إلى الوقوف إلى جانب السلطة ودعمها، وتأييدها في الانتخابات.
وقد لاحظت في الفترة الأخيرة، أن بعض الإخوة الكتّاب الأقباط، قد هاجموا الإسلام بسطحية وانفعالية هجينة، انتقاماً من أعدائهم الحقيقيين من الإخوان المسلمين في مصر، الذين يقفون من السلطة المصرية الحالية ndash; كما هو واضح ndash; موقفاً سلبياً، على عكس موقف الكنيسة ومعظم أتباعها، التي تقف موقفاً إيجابياً واضحاً ومعلناً، كما سنرى بعد قليل.
-2-
كنتُ، وما زلتُ، وسأظلُ إلى الأبد، مؤيداً ومناصراً لمطالب الأقباط الوطنية، في حقهم بالمواطنة الكاملة في وطنهم مصر، انطلاقاً من ليبراليتي. وما زلتُ متمسكاً بآرائي في المسألة القبطية، التي أعربت عنها في مقالات عدة سابقة. فالأقباط هم السكان الأصليون في مصر، وعلى السلطة المصرية أن تساويهم مساواة تامة غير منقوصة، مع باقي السكان، هذا إن لم تميزهم ايجابياً عن باقي المواطنين. وتفعل كما فعلت أمريكا بالهنود الحمر ndash; باعتبارهم السكان الأصليين للبلاد - في تمييزهم بالأولوية في عدة نواحي بالحياة، ومنها القبول في الجامعات، وتقديمهم في ذلك على باقي المواطنين المهاجرين.
وأكرر، بأني ما زلتُ، وسأظلُ طوال حياتي، مؤيداً، ومناصراً، ومدافعاً عن الأقباط في كافة حقوقهم الوطنية المساوية لحقوق باقي المواطنين المصريين إن لم تكن أكثر. ولكني أرفض بشدة، استخدام بعض نصوص الإسلام المقدسة، من أجل تبرير هضم حقوق الأقباط، كما يفعل الإخوان المسلمون، الذين يعتبرون الأقباط ذميين ومواطنين من الدرجة الثانية. ومن هنا، يتبين لنا، أن معركة الأقباط الحقيقية، ليست ضد الإسلام، ولكن ضد فقهاء الإسلام من الإخوان المسلمين، في مصر بالذات، وعلى وجه الخصوص.
-3-
تقول بعض التقارير، أنه رغم بعض المشكلات بين الأقباط (وخاصة أقباط المهجر الذين أنكر عليهم البابا شنودة مواقفهم من السلطة المصرية الحالية) وبين السلطة في مصر، إلا أن النظام الراهن، يظل هو صمام الأمان في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، الذين يرون أنها تتبنى سياسات تمييزية ضد الأقباط، وتُطلق عليهم صفة الذميين أو المواطنين من الدرجة الثانية، والتي تحرمهم من شَغل بعض المناصب السيادية الحساسة، في الاستخبارات، والأمن القومي، والمركزي. وقد سبق ودعا مرشد الإخوان الراحل (مصطفى مشهور) إلى طرد الأقباط من الجيش المصري، باعتبار أنه جيش مسلمين خُلّص.
وقد ازداد الاعتقاد بمعادة الأقباط رسوخًا، بعد أن حقق الإخوان انتصاراً سياسياً غير مسبوق في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وفازوا بـ 20 % من مقاعد مجلس الشعب. كما أن المفكر الإسلامي محمد عمارة المحسوب على الإخوان المسلمين، يذكرنا دائماً في أحاديثه التلفزيونية، أن الكنيسة القبطية تحوّلت إلى دولة داخل دولة، وإلى حزب سياسي يؤيد بقوة السلطة القائمة.
-4-
الكنيسة القبطية في مصر، التي يدين لها الأقباط في الداخل والخارج، بولاء شديد، وطاعة متناهية، تقف موقفاً مخالفاً من الناشطين الأقباط، الذين يكتبون بشكل دوري في quot;إيلافquot; عن مشاكل الأقباط في مصر، ويشكون للرأي العام العربي والعالمي السلطة المصرية، وتصرفاتها حيال الأقباط. وهنا، أصبح المتلقي العربي والعالمي والقاريء لهذه المقالات الشاكية الباكية، في حيرة من أمره، واختلط عليه الأمر.
فالكنيسة القبطية، تقف من نظام حسني مبارك والسلطة في مصر موقف المؤيد، والداعم بصراحة، وبكل وضوح. ورأس الكنيسة القبطية البابا شنودة، صديق مُقرّب، وحبيب دافيء وودود للرئيس مبارك، وللسلطة في مصر. وهناك وزراء أقباط يشتركون في الحكومة وفي السلطة المصرية، منذ مجيء مبارك إلى السلطة 1981. ورجال الأعمال الأقباط يعملون في مصر، ويدفعون بالاقتصاد المصري في عهد مبارك إلى الأمام. ولا نرى أي نقد سلبي للسلطة المصرية في داخل مصر وخارجها إلا من هؤلاء الكتّاب، وربما كان هناك نقاد سلبيون آخرون في المهجر في وسائل أخرى، لا نعرفها.
-5-
المثقفون والكتّاب الأقباط في الخارج، لا يفتأون هنا في quot;إيلافquot; وفي غيرها من الوسائل الإعلامية، يسخرون من الإسلام ونصوصه، من خلال نصوص فقهاء الإخوان المسلمين (الذين هم وحدهم من يعتبروا الأقباط أهل ذمة) ومن خلال بعض الفتاوى الجاهلة، و (العبيطة) التي تصدر من مصر والسعودية من حين لآخر، ولا تُلزم أحداً غير قائلها. وبعض المثقفين المسلمين، هاجموا، وانتقدوا، بشدة هذه الفتاوى الصبيانية، قبل أن ينتقدها أي كاتب قبطي، ويسخر منها، ويُسخِّرها للسخرية من الإسلام. ولكن الكتّاب الأقباط لا يوفرون فتوى أو مناسبة لمهاجمة الإسلام، علماً بأن الإسلام يعترف بالمسيحية في كل طوائفها، وعلى اختلاف توجهاتها، ويؤمن بالسيد المسيح، ويُكرّمه في القرآن الكريم، ويُكرّم أمه السيدة مريم أكثر مما يُكرّمهما أي كتاب مقدس آخر، رغم أن المسيحية بمجملها، لا تعترف برسالة محمد عليه السلام، وتنكر وجوده، وبالتالي تنكر على المسلمين إسلامهم. بل إن بعض الأقباط المهاجرين في كندا، قاموا بإصدار قرآن جديد للسخرية، أطلقوا عليه quot;قرآن رابسوquot;، وأنتجوا فيلماً عن زوجات الرسول، وأطلقوا عليه فيلم quot;الحرملك النبويquot;، كما أطلقوا على النبي محمد عليه السلام (الرسول العاشق). وهناك من الكتّاب الأقباط في quot;إيلافquot;، من يذكرنا دائماً ببعض الفتاوى (الهبلة) كفتوى بول البعير، وفتوى إرضاع الكبير(علماً بأننا لا نُذكِّر هؤلاء بلبن الحمير الذي أوصت الكنيسة ورجال الدين المسيحيين بإعطائه للمصابين بالسعال الديكي، ولا نُذكِّرهم بالفتوى المسيحية بجلد الذات للمصابين بأمراض الطاعون، كما لا نُذكِّرهم بأن الكنيسة كانت ترد بعض الأمراض إلى كثرة الذنوب)، ومجازر الإسلامويين المتشددين في رمضان ضد القبط (كُتب مقالٌ بهذا الخصوص معدداً حوادث قتل الأقباط في رمضان، ونُشر في quot;إيلافquot;، وفي الجريدة المصرية quot;البديلquot; في بداية شهر رمضان quot;كتهنئةquot; قلبية خالصة للمسلمين). وهؤلاء يسخرون وينكرون مثل هذه الفتاوى. ولكنهم لا يذكرون، أن الغالبية من مثقفي المسلمين، قد استنكروا هذه الفتاوى، وسخروا منها قبلهم، حتى أن شيخ الأزهر نفسه، قام بطرد من أفتى بذلك من الشيوخ. ورغم هذا، لا يفتأ هؤلاء المعلقون من الإخوة الأقباط، أن يذكروا هذه الفتاوى (الهبلة) في كل مناسبة، ويكرروها بين حين وآخر للسخرية من الإسلام البريء من هذه الفتاوى الصبيانية المضحكة. كما لا ينكر أحد، بأن الأديان جميعها مليئة بمثل هذه الهرطقات، وعلى رأسها المسيحية.
وأنا هنا، لا أريد أن آتي بنصوص محددة من كتابات هؤلاء الإخوة الكتّاب الأقباط في quot;إيلافquot; وفي غيرها من الوسائل الإعلامية، لإثبات صحة هذا الكلام، فهي كثيرة، ولا تُحصى، وتملأ مجلدات كاملة، لو أردنا.
-6-
قلنا قبل قليل، أن المتلقي العربي والعالمي في حيرة من أمر الأقباط في مصر. فالأقباط في مصر ليسوا كلمة واحدة، وليسوا موقفاً واحداً، وخاصة تجاه السلطة المصرية، وعهد الرئيس مبارك. فبينما الكنيسة وهي المسيحية الرسمية، تقف بصلابة إلى جانب السلطة، وتؤيد تأييداً مطلقاً عهد الرئيس مبارك، نرى العكس في ذلك في موقف أقباط المهجر وكتّاب أقباط المهجر، فيما نقرأ في quot;إيلافquot;، وعلى مواقعهم المختلفة في الانترنت.
فبالأمس، أعلنت الكنيسة القبطية بلسان الأنبا مرقس، أسقف ضاحية شبرا الخيمة الشعبية، بشمال القاهرة، الذي يعتبر الناطق الرسمي باسم بطريركية الأقباط الأرثوذكس في مصر، إن الكنيسة القبطية ستؤيد نجل الرئيس حسني مبارك- جمال مبارك- إذا ترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة عام 2011. وقال الأنبا مرقس- وهو رئيس لجنة الإعلام في المجمع المقدس للبطريركية، التي تعتبر أعلى سلطة فيها، ويترأسه البابا شنودة الثالث-:
quot;لو أُجريت انتخابات، فأنا مع جمال مبارك، لأنه رجل اقتصاد، وتربَّى منذ صغره في بيت سياسي عريقquot;.
وأضاف الأنبا مرقس في مقابلةٍ نشرتها صحيفة quot;المصري اليومquot; (21/9/2008) بقوله صراحة:
quot;هذا هو رأي معظم أعضاء المجمع المقدس في السيد جمال مبارك، لما يظهره من نشاط ووطنيةquot;.
في حين أن الأخوة والأصدقاء من كتّاب أقباط المهجر، يرفضون التوريث في الحكم لجمال مبارك، وقد أعلنوها عدة مرات، هنا في quot;إيلافquot;، وفي عدة مواقع اليكترونية. ونحن الكتّاب أصدقاؤهم، حائرون بين (حانا ومانا).
فهل نقف إلى جانب الكنيسة القبطية الرسمية، أم إلى جانب هؤلاء؟
ربما يقول قائل:
- قفوا إلى جانب الحق.
فهل الحق هو، فيما يقوله الكتّاب الأقباط في quot;إيلافquot;؟
وهل ما تقوله الكنيسة القبطية، وما يقوله البابا شنودة إذن، هو الباطل؟
فإذا كان الأمر كذلك، فالكنيسة والبابا على باطل!
وإذا كان الأمر معكوساً، فما يكتبه الكتّاب الأقباط في quot;إيلافquot; وغيرها، هو الباطل!
-7-
وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2005) وقفت الكنيسة القبطية إلى جانب إعادة انتخاب الرئيس مبارك للمرة الرابعة أو الخامسة، وربما ستقف حتى المرة العاشرة، وإلى أن يصبح الرئيس مبارك (كركوبة) يتوكأ على عصا، وquot;حثّتquot; الكنيسة (والحثُّ هنا أمر الهي، باعتبار أن البابا يمثِّل المسيح عليه السلام، والمسيح هو كلمة الله، كما يقول الإنجيل المقدس) أتباعها في الداخل والخارج على انتخابه. وهذا quot;الحثُّquot; بمثابة موافقة كلية متقدمة من رأس الكنيسة - التي يدين له كافة الأقباط بالولاء والطاعة - لسياسة مبارك الداخلية والخارجية، ومنها موقفه وقراراته بالنسبة لأقباط الداخل والخارج. كما أن هذا quot;الحثquot;، يأتي من الكنيسة التي تحوّلت إلى دولة داخل دولة، وإلى حزب سياسي، كما أعلن البابا شنودة عام في حكم مجلس الدولة 1983، وكما كتب الأنبا متى المسكين في كتابه quot; الكنيسة والسياسةquot;. والدليل على ذلك، أن الكنيسة ndash; كأي حزب سياسي ndash; تحثُّ أتباعها على القيام بأنشطة سياسية معينة، منها الدعوة إعادة انتخاب حسني مبارك، وانتخاب جمال مبارك، ومعارضة المادة الثانية من الدستور المصري الحالي، وغيرها من المواقف السياسية.
فعلى أية قبلة نصلي مع إخوتنا الأقباط؟
هل نصلي على قبلة الكنيسة القبطية وخطابها السياسي؟
أم نصلي على قبلة ما يكتبه الزملاء من الكتّاب الأقباط في المهجر؟
وهل الصلاة على قبلة هؤلاء تعتبر خروجاً على الكنيسة القبطية ورأسها البابا الجليل، والحبر العظيم؟
السلام عليكم.