(العالم العربي مهدد مرتين بالتحول السرطاني داخلياً بالاستبداد أو من الجوار بالانتشار السرطاني الصهيوني)

في الطب تقسم الأورام إلى نوعين فإما كانت انتفاخاً سليماً لا يخشى منه ويدعى ورماً حميداً (BENIGN) وإما كانت ورماً خبيثاً ويسمى سرطاناً (CANCER) يجب استئصاله على وجه السرعة وجذرياً أو معالجته بحيث نقتل فيه طبيعة الخبث.
وهذه الكلمة جاءت بسبب أذرع هذا الحيوان البحري الذي أصبح اسمه مقترناً بالرعب في عالم الطب والمرض.
وحالة إسرائيل في العالم العربي هي مرض من هذا النوع.
وحتى يعرف الأطباء أن الورم هل هو من النوع الأول أي الحميد أم من النوع الثاني أي الخبيث (MALIGNANT) فإنهم يهتدون إلى ذلك إما بالدراسة المباشرة، من عينة تؤخذ من المكان المشبوه، أو من المحفظة (CAPSULE)التي تغلفه.
فإذا كان الورم مغلفاً بقميص ذي حدود واضحة ومعزول عن الجوار بهذا الغشاء اعتبره الأطباء حميداً غير خبيث لا خوف منه مؤقتاً؛ ما لم يحمل كمونية انقلابية للمستقبل.
ولذا درج الأطباء على مراقبة كل نمو غير عادي بعين الريبة حتى تنكشف هويته؛ فإذا امتدت منه الأذرع إلى الجوار ومزق المحفظة كان إنذاراً بشعاً بالموت، ولو بعد حين، في فترة تزيد وتنقص لأن السرطان لا يرحم صاحبه في العادة.
فهذه مقدمة طبية مهمة كمدخل فلسفي لفهم الصراع العربي الإسرائيلي وظاهرة التورم الصهيوني.
ومع أن السرطان يقضي على نفسه في النهاية عندما يهدم الجسم الذي أمده بالبقاء، أي أنه يقوم بعمل أحمق، يشبه القرد الذي قطع الغصن الذي يجلس عليه، ولكن السرطان يعبر عن تمرد على قوانين الجسم وطبيعة جريان سنن الله في خلقه.
وهذا (الإنذار Prognosis) هو الذي سيسلم إسرائيل إلى نهايتها التاريخية، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
وقدر التاريخ في الوقت أنه ليس كما نبصر، وما لم يقرأ المرء التاريخ جيدا فهو أمي، ولو تسلح بالرياضيات العالية المتفوقة.
إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.
ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا.
ودولة إسرائيل هي ورم سرطاني وجسم غريب، زرع في المنطقة بأيدي أجنبية، وبدأ يمد أذرعته إلى الجوار، من خلال الاعتراف به ومنحه الوجود الشرعي، تحت دعوى السلام الذي لن يكون سلاماً في يوم من الأيام.
ومتى يمكن للسرطان أن يصطلح مع الجسم الذي يقوضه؟
إن الإجابة هي في ثلاث مسارب؛ فإما تفوق الجسم على الورم، وإما قضى السرطان على الجسم وما حوى، وإما تعدلت بنية السرطان بمعالجة متقدمة كيماوية وشعاعية وجينية.
ولله في خلقه شؤون.
ومعالجة معقدة من هذا النوع لتغيير طبيعة الورم هي بالتدخل إلى بنيته الأساسية في النواة، من خلال تغيير الشيفرة (Code) الوراثية.
وهذا يعني بكلمات علم الاجتماع، تعديل العقيدة الصهيونية، في بناء دولة إسرائيل. وما أسهلها من مهمة؟؟ ثقلت من حملها الجبال والسموات والأرض وأشفقن منها وحملها بنو صهيون؟
وإذا كانت منظمة التحرير قد حذفت بند تدمير دولة إسرائيل فإن إسرائيل تعلم أطفالها حدود دولتها التي ليس لها حدود مثل أذرع السرطان.
وإذا حدث هذا بتعديل الكود الوراثي الصهيوني، كان معناه تعديل جوهري في بنية السرطان الصهيوني، وبداية تحوله إلى ورم حميد قابل للذوبان والاندماج مع العضوية، أمام مظاهر ارتكاس البدن الحادة ضده.
وهذا يعني بكلمة أخرى نهاية حلم بني صهيون!!
وإذا تغيرت بنية العقيدة الصهيونية لتتحول إلى دولة ديمقراطية، كان معناه أن كل ما فعلته العقيدة الصهيونية، أصبح باطلاً وقبض الريح كما في تعبير داوود الجامعة في التوراة.
وكان معناه أن كل ما خطط له آباء العقيدة أضحى حراثة في قاع المحيط، ونقشا على الهواء، ورسما على جداول شلالات نياجارا!!
إن هيكل إسرائيل زراعة غريبة، في جسم يرفضه، يتم ترويضه بالقوة لقبوله، وهذا لن يحدث ما لم تتغير طبيعة الأشياء.
ولذا فإن المشكلة الأساسية هي وجود إسرائيل في المنطقة سواء كان بعد أو قبل عام 1948م، وما يفعله السياسيون الكذابون من المناداة بالسلام، هو ضحك على ذقون العرب وذقن إسرائيل، وإسرائيل تعلم والسياسيون العرب يعلمون. والكل يعلم أنه يكذب بقدر جبل!!
وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون.
الحكام يمارسون دبلوماسية النفاق، ويعلمون أنهم كاذبون أفاقون مارقون، ولكن الشعوب أصدق لهجة، في التعبير عن نفسها ببراءة وصدق.
ولكن علينا أولا أن نفهم أمورا في غاية الأهمية؛ فدولة إسرائيل زرعها الغرب لعدة اعتبارات؛ وهي دولة تمتاز بعدة مزايا؛ فهي مصرف عبراني على حد تعبير النيهوم. وهي تكفير عن الهولوكوست الغربي. وهي خندق غربي متقدم، وبارجة مدججة بالسلاح المتفوق.
كما أنها دولة عصرية تجمع نخبة من المفكرين والتقنيين، أهم ميزة فيهم أنهم يعرفون آخر ما وصلت إليه التقنية الغربية.
وهي مجتمع يضم الأحرار المقاتلين الجاهزين للقتال في كل لحظة، فكل شاب صهيوني عنده أسلحته الخاصة الجاهزة، وتدريبه الدائم في كل سنة، ورقمه الخاص على جثمانه إن مات..
إنهم يشبهون اسبرطة القديمة في اليونان، ومجتمع المجاهدين من الصحابة الأقدمين، ولو غضب الأصوليون الحجارة عندنا من هذا التعبير.
إنها دولة ديمقراطية في داخل أحشاءها لأبنائها، وهي جدا سمية عدوانية في جلدها الخارجي، مثل الأفعى المرجانية أو عنكبوت البحر الصغير الذي تكفي لدغة منهم لقتل عشرة رجال فحول.
إنها تذكر بالآية شارون ومن معه؛ رحماء بينهم أشداء على الفلسطينيين، تراهم يخضون رؤوسهم عند حائط المبكى مخضلة لحاهم من الدموع يبكون!!
عندهم تجتمع كل الحكومة في غرفة صغيرة متواضعة، مقابل قاعات ضخمة لوزرائنا، في سرر مرفوعة، وزرابي مبثوثة، ونمارق مصفوفة، وكنبات عملاقة متباعدة، لوزراء لا يزيدون عن ديكور لحمي على ديكور خشبي؟ تقول أن كل وزير يعيش لوحده. ترفدهم صحافة كذابة مرتزقة تقوم بتخدير وعي وشعب مخدر بالأصل.
إنها دولة قومية عنصرية، ارتبطت نشأتها ببزوغ فكرة الدول القومية في أوربا في القرن التاسع عشر؛ ولذا فهي من هذا الجانب دولة ولدت متأخرة عن موعدها قرناً من الزمن، كما يحصل مع الحمل المتأخر، ويعرف الأطباء خطورة هذا، فيلجئوا إلى التحريض المبكر؛ فتلقيه الأم كما جاءت في قصة سليمان جسدا هامدا على كرسي.
وكذلك ولدت إسرائيل ميتة منذ نشأتها..
إن الحمل المتأخر يقضي على الجنين، فيولد الجنين طرحاً ميتاً كما يعرض الأم إلى انحلال الدم الخطير.
وكذلك ولدت إسرائيل، فألقيت على كرسي سليمان جسداً لا حياة فيها. إنها موضة قديمة، كما في الملابس والموسيقى، دلفت إلى القرن الواحد والعشرين وهي تلبس ملابس رجال العصور الوسطى وكأنها في حفلة كارنفال؟
ولكن لا نستعجل!!
فصراعنا معها ضاري طويل ممض مؤلم قاسي، مثل أي مخاض في غير موعده.. ولتعلمن نبأه بعد حين..
وفي الوقت الذي يميل العالم غالى تشكيل الوحدات الكبيرة، كما في الوحدة الأوربية، واتحاد أمريكا الشمالية من كندا حتى المكسيك؛ جاءت إسرائيل على غير موعدها، بموضة الدولة القومية، من مخلفات القرن التاسع عشر، في الوقت الذي دفنت أوربا الدول القومية والأديان والمذاهب المحلية التي ولدت فيها وتنفست، وشكلت أعظم اتحاد إنساني عادل في تاريخ الإنسان، كعادة أوربا في التفتق العبقري.
هذه المرة اتحدت أوربا ليس بشعار ألمانيا فوق الجميع بل ألمانيا مثل الجميع، وهذا سيدوم أكثر من السلاح الذري البئيس، ومدرعات جودريان ومدفعية نابليون وبحرية نيلسون، لأنه بالحق جاء و به نزل، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا,,,
إن إسرائيل ولدت ميتة، وبذرتها وضعت في أرض صخرية ليست للحياة.
الغرب زرع إسرائيل لأنه أراد بضربة مضاعفة التخلص منهم، والتظاهر بالإحسان إليهم، عن فظاعة ما جرى لهم في ظروف الحرب العالمية الثانية، على يد النازيين، بكرم غير مشهور عنهم، و به جرى على حساب مائدة آخرين، وجاء هذا الإحسان الغربي على حساب العرب كما يقول الألمان (WIEDERGUTMACHUNG) أي الإحسان تعويضاً عما جرى لهم.
ولكنها كانت ضربة ذكية على حساب معاناة اليهود والعرب معاً وكما يقول المثل (اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين). فهم تخلصوا من إزعاجاتهم وسيطرتهم في أوربا ففرَّغوها منهم، وشحنوهم إلى الشرق، مثل فعلة الثعلب إذا ضاقت فروته بالبراغيث عفوا من التعبير، فحمل العرب أثقالاً مع أثقالهم.
وهكذا بنيت إسرائيل، بذراع البطش، وتحت شعور الرعب بالفناء، في حركة استيطان من جهة، وتفريغ للسكان الأصليين من جهة، مذكراً بنهاية الهنود الحمر، أو تدمير حضارة الازتيك في المكسيك، ولكن العرب غي الهنود الحمر والانكا والازتيك، فكان حظهم سيئا في القدوم إلى أمة الشهادة.
وفي أرضهم ستقبر الصهيونية ويرتاح منها اليهود والعرب معا!!
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إن فيلسوف التنوير اليهودي (اسبينوزا) انتبه إلى معضلة اليهود منذ القرن السابع عشر، أنهم (لا يعيشون بشرا ممن خلق الله)، فكلفه هذا طعنة سكين في الرقبة، ولعنة المجمع اليهودي أن تشمله اللعنة في نهاره وليله وأن لا يقرأ أحد مما جرى به قلمه وأن لا يقربه أحد مسافة أربعة أذرع.
هكذا ولدت (إسبارطة) الشرق الأوسط كما جاء في كتاب (خيار شمشون SAMSON OPTION) الذي وضعه (سيمور هيرش).
روى لي زائر عربي دخل إسرائيل أن كل مواطن إسرائيلي خاضع للتدريب كل سنة، بوقت يزيد وينقص، وكل واحد عنده صندوقه العسكري الخاص به، برقمه السري، بما فيها بقاياه بعد موته، للتعرف عليه سواء بقرص معدني يعلق في الصدر، أو بختم سري على حذاءه. أو أرقام خفية في أماكن سرية من جسمه؟!
وروى لي أن كل إسرائيلي جاهز خلال خمس دقائق للانقلاب إلى اسبرطي، يحمل سيفه ودرعه (وكلاشنيكوف من نوع عوزي) ليتحول كل ما يدب على الأرض إلى ثوب عسكري، وكل سيارة إلى ناقلة عسكرية، تحمل جنود صهيون إلى الهيعة وكما في تعبير الألماني (NIE WIEDER AUSSCHWIETZ) بمعنى لن تتكرر مذابح اليهود في معسكرات الابادة في آوسشفيتز.
وهذه المقارنة تفتح عيوننا على وضع الجيوش والقبائل العربية الأمنية الخايبة، حتى نفهم لماذا مد الله في عمر إسرائيل نصف قرن، مع أنها ولدت كي لا تعيش.
إسرائيل صنعها الغرب على عينه، وجاء موسى بنسخة مزيفة هذه المرة، على قدر من التاريخ كما في قصة المسيح الدجال.
وظن الغرب كما فعل الثعلب مع البراغيث على ظهره أن يتخلص منهم فيدفعهم إلى دولة واحدة، عسى أن يكون مدفنهم الأبدي في المشرق إلى غير رجعة، ولكن اليهود كما يقول (جيفري لانج) في كتابه (الصراع من أجل الإيمان) إن اليهود يمتلكون حاسة خاصة، أن الأقدار قد تنقلب عليهم في أي وقت وما خبر النازيين عنا ببعيد.
وهو يذكر ملاحظته هذه عندما بقيت زوجته بعد الطلاق تحمل اسمه لفترة طويلة، وكانت يهودية، كي يكون لها برقعاً، ولذلك ندر من الاسرائيلين من لا يحمل أكثر من جنسية.
والغربيون يعرفونهم من أسماءهم فكل ماله صلة بالذهب يهودي حتى يثبت العكس، مثل جبل الذهب (جولد بيرج) أو من يسحب الذهب (جولد تسيهر)، وهكذا يمسك اليهود بالعصا من المنتصف؛ فالمعاناة في التاريخ علمتهم الكثير، وهي ضدهم وبسببهم، كما في تداخل السبب والنتيجة.
الغرب زرع إسرائيل وهو يحمل هذه المسؤولية التاريخية، وهو الذي سهل لها الحصول على التقنية النووية، والغرب يراهن عل حصان طروادة هذا في الشرق الأوسط، وهو مازال يمدها بأسباب الوجود المالية والمعنوية.
ويبقى اليهود طوائف فمنهم من كان بالخندق الأول عند جبل صهيون يكرر قول الأسفار: ليلتصق لساني بحلقي إن لم أذكرك يا جبل صهيون. ومنهم من يمد بالمال والنفوذ من أمريكا وكندا وفرنسا.
وهناك طوائف ترى قيام إسرائيل كله خطأ وخطيئة، وهم قلة ـ لأنها مرتبطة بقدوم المسيح.
وهذا مبدأ هام يعلمنا إياه القرآن أنهم (ليسوا سواء) وانه (من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون) وإن نماذج مثل (فينكل شتاين = حجر الزناد) أو (روبرت فيسك) أو (نعوم تشومسكي) يذكرون بعبد الله بن سلام.
إن المجتمعات تتسرطن إما داخلياً بتغير طبيعة الخلايا، وإما من خلال تسرب الخلايا السرطانية من مكان آخر بعيد، وهو المعروف بالانتقالات الورمية.
والعالم العربي اليوم مهدد مرتين بالتحول السرطاني الداخلي من خلال الاستبداد، عندما تتغير طبيعة الإنسان في جو الخوف إلى خبيث متعفن. كما هو حال جمهوريات الخوف والفقر والبطالة. ولا يختلف الأمر في الملكيات أو الجملوكيات إلا أنها دول قرون أوسطية، تدين برفاهيتها لصدفة جيولوجية بحتة أكثر من عرق الجبين، واحترام الوقت والإنسان والقانون والدقة والإتقان، بل إن نظافة شوارعهم يرجع فضلها لملايين البنغاليين من العمال الكادحين، فإذا انطفأت شعلة البترول تحولت إلى سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء..
والعالم العربي هو مهدد ثانياً بالاجتياح السرطاني الإسرائيلي.
إن المحافظة على (كبسلة) الورم الصهيوني حيوي لضبط الورم أن لا تبرز منه أذرع سرطانية.
والامتداد السرطاني ليس بالاحتلال العسكري بل بالهيمنة الثقافية.
هذا مع العلم أن معالجة الأورام السرطانية من أشق المسائل عند الأطباء وأحفلها بالغموض والتحدي.
وإن غليان المنطقة هو صورة معبرة عن حيرة كل الأطباء في العالم أمام معالجة الورم الصهيوني السرطاني، لحين ولادة العقل العربي المبدع في معالجة هذا المرض المستفحل، وهو قادم بإذن الله...
إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون..
حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين..
إن قراءة التاريخ شيقة ومصير الحملة الصليبية الثامنة على القدس والتاسعة على بغداد ستنال نفس مصير من سبقها من الحملات السبعة التي دامت 171 عاما!!!!
هذه المرة قد ينضاف لها 71 عاما أخرى!!
ولكن الخلاص سيأتي أولا من الداخل، بالقضاء على الديكتاتوريات العربية، التي رعتها وأنشأتها أمريكا، وولادة الإنسان لعربي المحرر من علاقات القوة، مؤمنا موحدا حنيفيا خالصا من عبادة الأوثان الحية والميتة.
عندها سيأتي الدور على الورم الصهيوني..