لا أدري لماذا اتفقت مع صديق على أن جائزة نوبل للسلام ستمنح لأوباما. هكذا التقى التوقعان، بدون تأمل طويل، وكأنما كان منح الجائزة له أمرا حتميا، لا مفر منه!
الأحلام الجميلة مطلوبة في عالم الحروب والإرهاب والظلم والفقر. الحلم الجميل يخفف عنا معاناة الواقع الأليم، وطاقة الحلم ضرورية لنا، حتى إن كانت مبنية أحيانا على أوهام، ولولا الحلم لما تحملنا الحياة.
قبل أوباما، حلم غيره بعالم بلا سلاح نووي، وقبله، ومن قديم الزمان، حلم المفكرون بجمهورية واحدة لكل البشرية، تسوسها حكومة الجميع. فيا لها من أحلام لذيذة! ويا لها من مثاليات تخفف عنا المعاناة وقسوة الواقع! ويبقى الواقع الملموس وما يجري فعلا على الأرض لا في الأحلام.
إن منح الجائزة للرئيس الأميركي يأتي بعد انفضاض اجتماعات جنيف، التي تمخضت عن ربح إيراني صارخ للوقت، ونجاح نظام الفقيه مجددا في التلاعب بالوقت والمناورة. النظام الإيراني لم يقدم شيئا ملموسا للمجتمع الدولي، وحتى تفتيش مفاعل قم، لا دليل على وجود اتفاق عملي حوله - أو هذا ما تكرره الصحف الإيرانية. أما عن الأنشطة النووية الأخرى، القديمة والمستمرة - عكس مفاعل قم الذي هو قيد الإنشاء - فلم نسمع عنها اتفاقا ما، ولا سمعنا اشتراطا بوقف التخصيب؛ بل، حتى التخصيب خارج إيران، لا يبدو وضوح ما حول ما تم الاتفاق عليه بشأنه.
غموض في غموض، سوى زيارة البرادعي، والتشبث الإيراني بالمفتشين الدوليين، لتعود الدورات نفسها منذ 2003، أي مباحثات مستمرة، وزيارات متكررة مع عراقيل وممانعات وخدع ndash; مباحثات وزيارات ستخفي خلالها إيران الكثير، وتقارير ربما سوف تخفي الوكالة الدولية أخطر ما فيها، كما اتهمت فرنسا بذلك الدكتور البرادعي، بشأن تقرير الخبراء عن قدرة إيران على صنع القنبلة اليوم، وقد أعادت النيويورك تايمز نشر محتويات ذلك التقرير المستتر بأمر الدكتور. وكما تقول الكاتبة هدى الحسيني، فإن اوباما لم يفعل غير quot;تأجيل الأزمةquot; مع إيران، بعد أن أرغم المجتمع الدولي على التراجع عن قرارات اشتراط وقف التخصيب أولا مقابل الحوافز. والغريب أيضا أن يجري الحديث عن أن الدولة الثالثة لتقديم يورانيوم منخفض التخصيب هي روسيا بالذات، التي يساهم علماؤها النوويون، وعلماء آذربايجان وتركمستان، في تقديم كل الخبر والمساعدات النووية لإيران.
هنا أراني متفقا تماما مع ما ورد في مقال أمير طاهري، المعنون quot;quot;مراقبة الجني يرقصquot;، قاصدا بالجني نظام الفقيه،[ الشرق الأوسط في 9 أكتوبر الجاري]. يقول طاهري: quot; بفضل أوباما، تحولت قضية البرنامج النووي الإيراني من قضية منع إلى قضية تفتيش. لم تعد لدى القوى الكبرى، بزعامة الولايات المتحدة، رغبة في دفع الجني الإيراني بالقوة للعودة إلى المصباح، وإنما بات كل ما تطلبه مشاهدة رقصة الجني المرعبة.quot; فالمباحثات صممت كي تستمر وتستمر، ووزير الخارجية الإيراني يتحدث عن قمة بين مجموعة 5+1 وأحمدي نجاد في وقت ما من عام 2011- أي، بعد أن تكون إيران قد صنعت أكثر من قنبلة.
هكذا تساهم مواقف وسياسة الرئيس الأميركي في تحقيق حلم عالم بلا سلاح نووي- أي بحصيلة زيادة عدد الدول النووية، وخلق سباق تسلح نووي في المنطقة.
إنه إنجاز رائع حقا يحققه أوباما، تلميذ كارتر ومريده. وقد سبقت لنا الإشارة لمقال في صحف فرنسية عن quot;أوباما وأعراض كارترquot;، الذي كان ، كما يقول طاهري، quot;مفعما بمشاعر الإعجاب والانبهار تجاه الخوميني. وكتب خطابات إلى آية الله أثنى عليه خلالها أشد الثناء. كما وعد باستئناف مبيعات الأسلحة إلى إيران، ومساعدتها على التحول إلى حلقة وصل كبرى في quot;الحزام الإسلامي الأخضرquot;، المصمم بهدف خنق الاتحاد السوفيتي السابق حتى الموت.quot; وكانت النتيجة هذا الكابوس الذي ينشر الإرهاب والموت والطائفية في أفغانستان والعراق ولبنان واليمن وغزة والصومال، وحيث أصبح قتل المعارضين وتعذيبهم هواية ونهجا لهذا الجني الراقص على الأشلاء. فهل يستحق شعب إيران المناضل، العظيم، ذو التاريخ المجيد، هذه النتيجة؟ وهل تستحق منطقتنا تأجيج الإرهاب والطائفية، كما تفعل إيران والقاعدة؟ وهل المنطقة والعالم بحاجة للمزيد من الدول النووية؟
أوباما هو الآخر يتهالك ويستميت لتحويل إيران إلى صديق وحليف وشريك، رغم كل ما يبديه قادتها من تعنت وتلاعب، ومن قمع وحشي لشعب، لم يمنح أوباما من دعم لنضاله وتضحياته غير بضع كلمات ثم الصمت المطبق، علما بوجود قرار بالعون الإعلامي للمعارضة الإيرانية، اعتمده مجلس النواب الأميركي.
ترى، هل سيستمر هذا الموقف اللين المتردد؟ أم أن الواقع ومصالح الأمن القومي الأميركي، ونصائح المجربين، سوف تجبره على الحزم والتصعيد، لا بالكلمات، بل بالإجراءات الرادعة؟ وبهذا الشأن، نشر quot;نيكولاس بيرنزquot;، وكيل وزير الخارجية للشؤون السياسية في عهد بوش، مقالا في quot;النيويورك تايمسquot;، وطبعتها الدولية، بعنوان: quot;لقد حان وقت التصعيد.quot; إنه يكتب أنه، ما دام أوباما قد مد يده بغصن الزيتون، فعليه اليوم أن يبرهن على الحزم والتصلب. وهو يذكّر بتجربته مع النووي الإيراني، قائلا إن إيران لاقت بالأذن الصماء عرض إدارة بوش بالتفاوض، وكان عرضا شارك فيه هو شخصيا، كما يكتب. وهذه معلومة أخفتها الإدارة الحالية، وجميع أعداء بوش، ممن طرحوا القضية كما لو أن quot;تشنجquot; بوش العدائي ورفض التفاوض هما سبب تعنت النظام الإيراني. ويعيد بيرنز ما سبق له أن قاله في ندوة تلفزيونية مع قناة quot;العربيةquot; عام 2006، في التذكير بأساليب الخداع الإيراني النووي منذ 1988.
فهل سيعدل الرئيس الأميركي نهجه؟!
المؤلم أن الرئيس الأميركي لم يستطع حتى اليوم تحقيق أي من تعهداته في السياسة الخارجية: أفغانستان تزداد التهابا وثمة خلافات بين مستشاري أوباما والقيادة العسكريين في الميدان. قضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لم تخط خطوة عملية واحدة رغم عشرة شهور من جولات ميشيل، وذلك لأن الإدارة الأميركية طرحت القضية من الفرع، أي وقف الاستيطان، الذي هو برغم أهميته الكبرى، ليس جوهر القضية، وهذا مما أدى لتعنت الطرفين معا، بدلا من الجلوس لاستعراض الاتفاقات السابقة، ومحاصرة إسرائيل لتفي بتعهداتها وفق كل الاتفاقات السابقة وخارطة الطريق، وهو ما التزمت به عام 2007 .
المؤلم أكثر، أن أوباما لم يستطع حتى تحقيق مشروعه النبيل، والضروري، عن التأمين الصحي لجميع الأميركيين، ولعله سوف يزداد تشبثا بهذه الورقة لوقف تداعي شعبيته، التي وصلت، بالكاد، 50 بالمائة.
إنه لوضع غير مريح للرئيس الأميركي، وهو وضع جعل مراسلة الفيجارور من واشنطن، quot; لور ماندفيلquot; أن تكتب مقالا في الجريدة الفرنسية، عنوانه: quot;عزلة الرئيس الأميركي الكبرىquot;،[ عدد 8 أكتوبر الجاري]. وهي تقصد وحدته الموحشة، وعزلته،لاصطدامه بصخرات الواقع الدولي والداخلي المعقد، ولأنه تعهد بتحقيق أحلام بعيدة المنال، وسلك الطرق غير المدروسة نحو تحقيقها، بسبب قلة خبرته، وتضارب آراء مستشاريه، وكثرة العراقيل في طريقه.
إنها لوحدة، أو عزلة، ربما عانى مثلها الرؤساء من قبله، ولكنهم كانوا أكثر واقعية، باستثناء جيمي كارتر في موقفه من ثورة خميني. رغم ذلك كله، فإن الرئيس الأميركي جدير بالجائزة من زوايا أخرى - نعني بث الأحلام الجميلة، المثالية، في عالم من الكوارث والحروب الإرهاب والقمع والفقر والجوع؛ عالم قد تسرّي فيه الأحلام عن المصائب والمعاناة والفشل. ومن هذه الزاوية، فإن أوباما يستحق الجائزة، وقد جاءته في عزلته السياسية لتخفف عنه الوحدة السياسية القاسية. فله كل التهاني.

9 أكتوبر 2009