جاء كتاب محمد حسن عوَّاد quot;خواطر مُصرَّحةquot; في عام 1926 عشية بدء العهد السعودي في الحجاز، والوضع العام في الحجاز ملائماً، ومهيئاً للنقد المرير، نتيجة الانفلات السياسي والاجتماعي والأمني والديني في عهد الهاشميين، الذي انتهى بانتصار السعوديين على كل الحجاز كافة بداية عام 1926، وهروب الهاشميين إلى سوريا والأردن. وهذا التوقيت لصدور الكتاب مهم ومُلفت. كما كانت الأفكار الجريئة التي جاء بها هذه الكتاب، عشية بداية العهد السعودي في الحجاز عام 1926 بعد الفوز السعودي في جدة في يناير 1926، وفي المدينة المنورة في ديسمبر 1925 بعد أن تم الفوز بمكة المكرمة في 1924، بمثابة تذكرة للقيادة السعودية بضرورة إصلاح ما لم يُصلحه وما عجز عنه العهد الهاشمي في الحجاز (1916-1925). كذلك فقد كانت الأفكار التي طرحها كتاب quot;خواطر مُصرَّحةquot; فيما يتعلق بالتعليم، والاقتصاد، وحقوق المرأة، بمثابة quot;مانيفستو ليبرالي حجازيquot; وكدليل للعهد الجديد لكي يهتدي به، ويتعرّف من خلاله على ما ينادي به الحجازيون (السعوديون منذ 1932) وعلى مطالبهم، وآمالهم.

quot;خواطر مُصرَّحةquot; مرآة للواقع
إذن، فقد جاء هذا الكتاب صدى واضحاً ومرآة مجلوّة للواقع المزري الذي كان عليه في عهد الهاشميين. وبلغ يأس العوَّاد من الحال المقرف والمتأخر في العهد الهاشمي، أن دفع العوَّاد للتمنّي أن تكون جده على شاكلة quot;أسمرهquot; الحبشية، أو quot;السويسquot; المصرية أو quot;بورسودانquot; السودانية، (quot;خواطر مُصرَّحةquot;، ص 11). وكلها مدن صغيرة متخلِّفة، وتعيش كما كان الناس يعيشون في القرون الوسطى، أو أكثر تخلفاً. كما كانت أماني العوَّاد البائسة، هذه نتيجة للفلتان الأمني في الحجاز في ذلك الوقت، الذي تمثَّل بقُطَّاع الطرق واللصوص، الذين كانوا يهاجمون طرق الحجيج، والمعتمرين، والقوافل التجارية. كما كان نتيجة للاضطهاد الاجتماعي والثقافي.

ضرورة مرارة النقد
إلا أن ميزة العوَّاد الفكرية والثقافية إيمانه العميق بالنقد الذاتي، وهو يردد في كتابه quot;خواطر مُصرَّحةquot; قول: quot;مرارة النقد أجمل من حلاوة الغش.quot; كما يستشهد بقول الكاتب الليبرالي المصري سلامه موسى: quot; إن أكبر مهام الأدب والمحور الذي يدور عليه، هو نقد الحياة، وذلك لأن أحرى الموضوعات، وأجدرها بدراسة الإنسان، هو الإنسان نفسه.quot;
وهذا ما عبَّر عنه الكاتب السعودي من جيل العوَّاد، عبد الوهاب آشي، في مقدمته لكتاب العوَّاد quot;خواطر مُصرَّحةquot;، حين يقول:
quot;رأيت الأديب (العوَّاد) ذهب مذاهب شتى في خواطره، بين نظرات في الحياة الأدبية، ودروس في الاجتماع، ومواعظ لكبح جماح الأمة عن غوايتها، وهو في كلها حر الفكر، صريح الرأي، شديد اللهجة. أعجبني الأديب (العوَّاد) كثيراً في جرأته الأدبية، فلقد مُنيَّ الحجازُ، بل أبناؤه، أحقاباً طويلة بداء الخنوع، والمسالمة، والسكون على مضض حتى الموت. وهناك أيضاً روح جديدة بالنسبة إلينا نمرُّ عليها في الكتاب مغتبطين، ألا وهو البحث في حقوق المرأة وواجباتها لدينا. أما أسلوب أديبنا (العوَّاد) فأسلوب من يفكر فيما يكتب، لا من يفكر في كيف يكتب.quot;

هل كان العوَّاد quot;ابن المقفَّعquot; السعودي؟
في بعض أبواب كتاب quot;خواطر مُصرَّحةquot; يستعمل العوَّاد الإسناد في القول إلى الخيال والأسطورة، خشية من بطش الهاشميين، في العشرينات من القرن العشرين، كما استعمل ابن المقفع في quot;كليلة ودمنةquot; إسناد القول إلى الحيوانات خشية من بطش الخليفة المنصور. فيقول على لسان الجنيّة الساحرة (هزازة) المبدعة، بعد أن جاءته لتوقظ أفكاره: إنه استفاد مما حملت (هزازة) إليه من هدية. فقد كانت تحمل هزازة في يد مشعلاً نارياً، وفي الأخرى سيفاً مسلولاً، فاختار المشعل لأننا في ظلمات، وسيف الحرب لأننا في بدء تكوين ثورة فكرية. هي ثورة الجديد على القديم، والحرية على التقليد.quot;
ويُعلق الباحث السعودي سحمي الهاجري في بحثه quot; الصفا والمروة شرارة التنوير الأولىquot; على لجوء العوَّاد إلى الأسطورة لتمرير مقولاته وطروحاته:
quot;إن النار بصفتها أحد الأقانيم الأساسية التي بنى العوَّاد كتاب quot;خواطر مُصرَّحةquot; عليها تقوم بفعل مزدوج (الإنارة/ والحرق)، فالسيف المسلول في يد هزازة يُبرق ويُضيء، ولكنه في نفس الوقت يُرسل شرراً. ومشعل النار مرفوع باليمين - لأننا في ظلمات- ومهمته الإنارة والكشف في الظلمات. أما في الضوء فإنه يأخذ معنى آخر، كشعلة احتفالية مثلا.quot;

التعليم أساس التنوير والتقدم الحضاري
وهنا تبدو أفكار الحداثة واضحة في رأس العوَّاد، فيما لو اعتبرنا أن الحداثة ثورة على القدامة، وثورة المتحوّل على الثابت، وثورة الحرية على التقليد، وثورة الإبداع على الابتداع.
وحين تعرّض العوَّاد في عام 1926 لقضايا مجتمعه كمثقف ملتزم، كان على رأس هذه القضايا التعليم، باعتباره أساس التنوير والتقدم الحضاري، كما هو اليوم، في العالم العربي، وفي الجزيرة العربية بشكل خاص، وبعد أكثر من ثمانين عاماً من تاريخ صدور quot;خواطر مُصرَّحةquot;.
فالعوَّاد لا ينتقد في كتابة قلَّة المدارس في الحجاز، ولكنه يتعدى ذلك إلى أساليب ومناهج التعليم. فينتقد ضيق أفق الإطلاع، ويدعو إلى التفكير بحرية، واستعمال العقل كدليل للحياة، وتربية هذا العقل عن طريق البحث عن الحقيقة وعدم قبول الأشياء على علاّتها كما قال العوّاد (ص 71-72).

التفكير والحرية أهم القيم الإنسانية
وفي quot;المنافيستو العوَّاديquot; (فلسفة الحياة العصرية) ومن خلال quot;خواطر مُصرَّحةquot; نقرأ أن قيمة العمل قيمة كبيرة من قيم الحضارة، ولكنها تأتي في المرتبة الثالثة، بعد التفكير والحرية (ص75). والعوَّاد لكي يحدَّ من أثر القبيلة والنسب الإيديولوجيا كذلك، شدد على أن الوظائف يجب أن تُمنح للكفاءات والمستحقين والجديرين بها، وليس لأبناء القبائل الشهيرة، ذات الحسب والنسب. كما يجب أن لا تُمنح لطائفة أو لمذهب ديني معين. وهذا جزء واضح من شريعة حقوق الإنسان.
شكراً للمهتمين والمتابعين لهذا البحث، والمطالبين باستمراره. فالبحث مستمر.
السلام عليكم.