قبل قرن من الزمان تقريباً، وفي عام 1926، وفي كتاب quot;خواطر مُصرَّحةquot; لمحمد حسن عوّاد، أحد رواد التنوير والدعوة الليبرالية المبكرة في السعودية، كانت المرأة وحريتها، وعلمها، وعملها، وحجابها، وأغلالها ndash; كما ما زال بعضها إلى يومنا هذا - من الموضوعات التنويرية الرئيسية، في كتاب العوَّاد.
وكان العوَّاد يؤمن - كما نؤمن نحن اليوم - بأن حرية المرأة ونزعها لحجاب الوجه والعقل، وتعلُّمها وتعليمها هي طريق الخلاص والحرية الأكيدة للمرأة.

نداء العواد التاريخي
فنادى العوَّاد المرأة، ودعاها إلى تحطيم قيودها، التي رسفت بها زمناً طويلاً، وطالب بخلع حجاب عقلها ووجهها، وقال لها صراحةً:
quot;حطمي قيوداً كنتِ ترسفين فيها من أمد بعيدquot; (ص 101).
كما قال لها في الجزء الثاني من quot;خواطر مُصرَّحةquot;، مردداً دعوة قاسم أمين لخلع حجاب المرأة:
quot;زحزحن بأيديكن الحجاب الدخيل على عادات العرب ومبادئ الدينquot;. (ص 113)، معتبراً الحجاب والنقاب، من آثار الجاهلية الأولى. وكانت المشكلة الرئيسية في الحجاز في العشرينات، وما قبلها وما بعدها وحتى عام 1959 - وهو العام الذي صدر فيه قرار فتح مدارس البنات لأول مرة رغم معارضة رجال المؤسسة الدينية المتشددين، كما شرح ذلك الباحث السعودي عبد الله الوشمي، في كتابه المهم quot;فتنة القول بتعليم البنات في السعوديةquot;- أن عدد الإناث اللائي يُجِدْنَ القراءة لكي يقرأن نداء العوَّاد، كان قليلاً جداً. كما أن نسبة الأمية كانت مرتفعة بين الآباء والأبناء. ولكن العوَّاد أراد أن يطلق هذه الصيحة في وجه المرأة والرجل كذلك، للحقيقة والتاريخ. فتناقلت نساء الحجاز ndash; آنذاك- هذه الصرخة، من واحدة إلى أخرى، وسرت بينهن سريان الريح بين الشجر. وعرف الرجال حقوق المرأة عليهم وواجبهم نحوها. وكان العوَّاد عليماً بطبيعة مجتمعه وبتركيبه الاجتماعي، وبالموانع والسدود الاجتماعية والدينية، من قبل quot;إسلام الفقهاءquot; و quot;الإسلام الشعبيquot;، التي كانت تقف أمام تعليم وتقدم المرأة. وهذا سبب خطابه للمرأة، ومطالبته بتحريرها. فالعوَّاد لم يغفل حقيقة شراكة المرأة للرجل في بناء المجتمع، ولا ينسى تذكير المجتمع بضرورة تعليم المرأة، وإفساح المجال لها وقوله:
quot;تعليم المرأة سُنَّة مدنية، يجب ألا يُهملها الشرقيون.quot;(ص 102-105).

لا خلاص إلا بسلطان
وقد تبع ذلك، قيام مجموعة من شيوخ نجد الدينيين المتشددين بإصدار عدة فتاوى، تمنع تعليم المرأة. ولكن القرار السياسي المهم والتاريخي، الذي صدر عام 1959، بفتح مدارس للبنات، كان أقوى بكثير من هذه الفتاوى. كذلك كان الحال بالنسبة للتعليم المختلط في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية quot;كاوستquot;، والقرار الذي أصدره الملك عبد الله بإقالة الشيخ الشتري (عضو هيئة كبار العلماء) الذي أفتى بمنع التعليم المختلط. ومن هنا نقول دائماً، بأن الحداثة والليبرالية تحتاج إلى قرار سياسي. وهذا ما حدث في نفس الفترة تقريباً من عام 1956 في تونس عندما قرر الرئيس بورقيبة اعتماد quot;مجلة الأحوال الشخصيةquot; والعمل بموجبها بمساعد الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، والتي تعتبر نموذجاً تاريخياً لتحرير المرأة المسلمة والعربية من داخل الإسلام وليس من خارجه. وهذا ما قاله الخليفة عثمان بن عفان: quot; إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآنquot;.
فشيوخ الدين حين اعتبروا quot;الإجماعquot; من أصول الفقه، واستقروا على أن الإجماع هو إجماع العلماء فقط، فأصبحوا بذلك أوصياء على النص المقدس وعلى الإنسان أيضاً المُطبَّق عليه هذا النص، كما قال الباحث التونسي نادر حمّامي في كتابه quot;إسلام الفقهاء، ص70quot;.
والمرأة السعودية والعربية بشكل عام، ليست هي وحدها المضطهدة كل هذا الاضطهاد الذي نشاهده اليوم. فاضطهاد المرأة تم في الحضارات الإنسانية كلها. وظلت النظرة الفقهية من قبل فقهاء كافة الأديان للمرأة، نظرة دونية للأسف الشديد. ولولا فلاسفة الأنوار، وقادة الإصلاح في العالم والعالم العربي من سياسيين ومثقفين، لما استطاعت المرأة السعودية والعربية، أن تصل إلى ما وصلت إليه الآن، رغم أن الطريق أمامها ما زال طويلاً وشاقاً.

أهمية الشعر للعواد للتنبؤ في المستقبل
وفي انشغاله بالقضية النسوية وانهماكه بحرية المرأة الحيوية، كان العوَّاد يتأمل المرأة الحجازية ndash; آنذاك - ويتخيلها تعمل في جدة، في مصنع للزجاج، وفي الزراعة، وفي الفلك، وفي مختلف الوظائف. وإن لم يكن هذا قد تحقق للمرأة الحجازية قبل وفي 1926، فقد تحقق معظمه الآن 2009 في السعودية، ونالت المرأة قسطاً كبيراً من التعليم، كما نالت - رغم قيود المجتمع الصارمة - قسطاً كبيراً من فرص العمل، وأصبحت في أعلى المناصب الوزارية السعودية، ورئيسة لجامعة في الرياض، ومديرة لبنك تجاري وعالمة من العلماء المجددين.. الخ.
ولعل صحة رؤية العواد التنبؤية بمستقبل مشرق ومهم للمرأة السعودية، وصواب تفكيره، قد جاء من كونه شاعراً من الشعراء المجددين في الثقافة السعودية. ورؤاه كشاعر أمكنته من هذا التنبؤ لمستقبل زاهر للمرأة السعودية. فالشاعر متنبيء، ويقرأ المستقبل جيداً، وتوقعاته من أكثر توقعات المثقفين صحةً ووقوعاً. لذا، نرى أن ما دعا إليه العوّاد في العشرينات من القرن العشرين، قد تحقق جزء كبير منه اليوم، بالمقارنة مع أصوات الليبرالية تجاه المرأة التي كانت خافتة وخائفة في الماضي من الدعوة إلى تعليم المرأة وإتاحة فرص العمل لها، بحيث أدت إلى سجن عبد الكريم الجهيمان رئيس تحرير جريدة quot;أخبار الظهرانquot; حين نشر عام 1955 مقالاً بعنوان: quot;نصفنا الآخرquot;، قال فيه: quot;لا نزال نرى كثيرا من مواطنينا يتهيبون من تعليم بناتهم، ويذهبون في تهيبهم هذا إلى حالات هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة. ويتركون بناتهم أشبه ما يكنّ بالببغاءquot;. وكان سجن الجهيمان بسبب دعوته إلى تعليم المرأة، ومخالفته عدة فتاوى دينية، صدرت بمنع تعليم المرأة، وهو ما أكده الوشمي في كتابه المذكور.