لا تفصل غير بضعة أيام عن الأحد الدامي، فإذا بحكومة المالكي تنتقل للمطالبة بعودة النشاط النووي العراقي.
كل المشاكل حلت: الخدمات، تصفية الفساد، تشخيص المسئوليات عن جرائم الأربعاء والأحد الداميين تشخيصا نزيها، بدل مساعي تصفية حسابات سياسية وشخصية.
بالطبع، إن لكل دولة الحق بالطبع في مشروع نووي سلمي. لكن ليست هذه هي مشكلتنا اليوم في العراق. فدماء الضحايا لم تجف بعد، والصراع على قانون الانتخابات مستمر، والخدمات متدهورة، والفساد يضرب في قلب العملية الأمنية، والأحزاب الدينية الحاكمة داخلة في صراعات كسر العظم.
لأية ناحية نلتفت ونحن بصدد أسباب التدهور الأمني؟
هاهو تقرير المفتش العام لوزارة الداخلية نفسها يؤكد تفشي الفساد في قوات الشرطة والجيش، ويثبّت ما سبق لمسئولي البنتاغون أن أوردوه عن وجود آلاف الجنود quot;الوهميينquot;، [quot;الأشباحquot;]، في الجيش. هناك عمليات ابتزاز عناصر من الشرطة والأمن للمواطنين لأسباب مالية، أي كالفدية، وانتشار ظاهرة سجناء يطلق سراحهم بالرشوة. وقائد فرقة بالجيش يسرق 34000 دولار من إجمالي 41000 دولارا مخصصة للطعام. وخلال النصف الأول من العام الحالي فقط وقعت سرقات بقيمة 122 مليون دولار. أما القوانين لمحاربة الفساد، فهي تعطل في البرلمان، فيما المالكي يهدد من طالبوا بمحاسبة وزير التجارة السابق بكشفquot;كل ملفات الفسادquot;!
يقول الجنرال أدويرنيو، قائد القوات الأميركية في العراق: quot;ربما لا يزال الفساد المستوطن في النظام العراقي ndash; ليس في القوات الأمنية وحدها، وإنما في النظام بأكمله- المشكلة الكبرى أمام العراق.quot;
إن الوضع الأمني هش لأن الوضع العراقي كله مضطرب، مليء بالألغام والقنابل المؤقتة، وبالصراعات الحامية. الوضع هش بسبب استمرار التدخل السوري والإيراني ورعايتهما للإرهاب المتعدد الرؤوس: من بعثيين صداميين، وقاعدة، والتنظيمات المسلحة العميلة لفيلق القدس الإيراني، لاسيما في الجنوب، وفي البصرة بالتحديد. في البصرة ترتفع أصوات الاحتجاج الصاخبة ولغة التهديد لأن القوات البريطانية تنوي وضع جدارية لشهدائها في العراق، الذين أرخصوا الدم لتخليص الشعب من النظام الفاشي المنهار، ولكن في البصرة نفسها كانت صورة خميني الكبيرة مرتفعة فوق رأس المحافظ قبل سنوات، ولا ندري الوضع اليوم. ومؤكد لو كانت القضية إقامة جدارية لخميني، لسارعت الأحزاب الدينية الحاكمة للتأييد بكل حماس.
قبل أيام، أدلى الفريق الركن علي غيدان، قائد القوات البرية العراقية، بتصريحات مهمة ورد فيها أن الإرهاب يصدّر من الخارج، وأن الإرهابيين الذين تم اعتقالهم تدربوا في سوريا وإيران، وأشار إلى أن مخابئ الأسلحة التي تم العثور عليها في الجنوب ثبت أن تلك الأسلحة مصدرها إيران. من قبل هذه التصريحات، وكما نعرف، كان وزير الدفاع قد أعلن أن الأسلحة التي استخدمت في تفجيرات الأربعاء الدامي مصدرها إيران. إذن، لماذا لا يتهم المالكي إيران كما يتهم سوريا عن حق؟؟!
لا نعتقد أن حكومة المالكي وأجهزتها مؤهلة للكشف عن الأطراف المسئولة عن جرائم الأحد والأربعاء الداميين، بل لابد من لجنة دولية محايدة وبمشاركة أكثر من طرف عراقي ومن ممثلين من القوات الأميركية.

لقد سبق وأن نشرنا الكثير عن تغلغل مليشيات وعناصر الأحزاب الدينية في أجهزة الجيش والأمن والشرطة، ولابد من أن نتذكر المقال المثير للصحفي الأميركي quot;ستيفين فنسينquot; في 1 أغسطس من عام 2005- وهو مقال كلفه حياته، إذ خطف واغتيل بخسة في اليوم التالي من نشر المقال في نيويورك تايمس. في ذلك المقال أورد حقائق ووقائع مذهلة عن استيلاء الأحزاب الدينية الشيعية على قوات الشرطة، وضرب الأمثلة، كما أشار للمليشيات الشيعية في جامعة البصرة وتجاوزها على الطالبات والطلبة.
المشكلة الأمنية لا تحل حلا جذريا إلا بتطهير القوات المسلحة من المتسللين والفاسدين، ومن جميع المنتسبين للأحزاب الحاكمة ويتلقون أوامرها منها. والأمن لا يضمن حقا بغير محاربة الفساد، والتفرغ لحل مشاكل الخدمات، ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة والأيتام والأرامل. إنه غير مضمون بوجود هيمنة الأحزاب الدينية على مفاصل الأمن وتفرعاتها. غير مضمون مع الانتشار الإيراني على أوسع نطاق، وإطلاق سراح ضباط المخابرات الإيرانية حالما تعتقلهم القوات الأميركية. إن مشكلته لا تحل والجميع منهمكون في موضوع الانتخابات والمصارعة على قانونها. باختصار، إنه مرتبط بإجمالي الوضع العراقي، وسياسات الحكومة، وطبيعة تشكيلاها، والركض وراء منصب رئاسة الوزراء. وهو مرتبط طبعا بالتدخل الإقليمي المتعدد الأطراف. فهل سوف تنقذنا مفاعلات نووية ونحن في هذه الحال؟! أم إن الانتخابات، لو جرت، سوف تأتي بمعجزة إنقاذ العراق من الظلمات؟!