تؤكد الدراسات المقارنة بين اقتصاديات النمور الآسيوية و باقي الدول النامية إن تعميم التعليم مع المحافظة على جودته و ملاءمته لمتطلبات المؤسسات الاقتصادية التي تعمل في بيئة تنافسية يمثل احد أهم العوامل التي تساعد على تحقيق تنمية مستدامة، أي نسبة نمو اقتصادي سنوي لا يقل عن 7% على مدى عقود طويلة.
في المقابل يعود فشل الدول العربية في تحقيق التنمية المستدامة إلى تخلف مناهجها التعليمية حسب تحليل نشرته مجلة quot;ذي ايكونوميستquot; المتخصصة في عدد 17 أكتوبر 2009 (تحت عنوان quot;المتخلفون يحاولون اللحاق بالركبquot; مع عنوان جانبي: quot;التعليم الذي يعتمد على النقل احد أهم أسباب الفقر المتفشي لدى العرب.quot;)
(Laggards trying to catch up: One reason that too many Arabs are poor is rotten education)

في ما يلي النص العربي للمقال:
quot;تم تخصيص عدد أخير من مجلة quot;ساينسquot; الأمريكية لنشر نتائج بحث حول كائن يشبه الإنسان يفوق عمره 4،4 مليون سنة، و هو المسمى quot;Ardiquot; أو quot;Ardipithecus ramidusquot; و الذي من المتوقع أن يساهم اكتشافه في فهم أفضل لتطور الإنسان. و تشير هذه الدراسات إلى أن الإنسان لم ينحدر من كائن قريب مثل quot;الشامبانزيquot; بل إن جذوره ضاربة في قدم التاريخ.
لكن تغطية البحث تمت بطريقة مختلفة في معظم الدول العربية، إذ جاء عنوان quot;المصري اليومquot; و هي واحدة من أهم الصحف المصرية المستقلة: quot;علماء أمريكيون يفندون نظرية داروينquot; كما نشر موقع قناة الجزيرة الخبر تحت عنوان: quot;أردي يدحض نظرية داروين.quot; و تبع ذلك ملاحظات عدد من القراء الذين علقوا على الخبر باعتباره ضربة للمادية الغربية و انتصارا للإسلام، مقابل ثلاثة ملاحظات يتيمة تحذر من أن التقرير المنشور (على موقع الجزيرة) لا يقدم بأمانة نتائج البحث المذكور.
و الحقيقة فان الرد على بحث quot;أرديquot; لم يكن مفاجئا، إذ لا تتجاوز نسبة المصريين الراشدين الذين سمعوا بداروين الثلث، كما لا تتجاوز نسبة الذين يعتقدون بوجود أدلة تدعم نظريته 8%. و ليس الوضع بأحسن حال بالنسبة لمعلمي المدارس. في استبيان للرأي شمل تسعة مدارس حكومية مصرية حيث تدرس نظرية داروين للتلاميذ الذين يبلغون 15 سنة، يعتقد واحد من ثلاثين معلما فقط تم استجوابهم بان النظرية صحيحة. و بجامعة خاصة بدولة الإمارات العربية المتحدة، فقط 15% من الأساتذة المستجوبين أجابوا بأنه توجد أدلة و براهين على صحة النظرية.
تفسر قوة الإيمان الديني عند العرب ترددهم في قبول الحقائق الخاصة بتطور الإنسان. لقد كانت المدارس الابتدائية بالمملكة العربية السعودية تخصص، حتى الإصلاحات الأخيرة، نسبة 31% من الوقت الإجمالي لدراسة العلوم الشرعية مقارنة بنسبة 20% فقط مخصصة لدراسات الرياضيات و العلوم، كما يتخصص ربع الطلبة المسجلين في جامعات المملكة في مجال الدراسات الإسلامية، و هذه النسبة تفوق نسبة مجموع المتخصصين في مجالات الهندسة و الطب و العلوم. و بالرغم من الإصلاحات الأخيرة في السعودية، تبقى مقررات الدروس الدينية واجبة خلال كافة مراحل الدراسة من الابتدائية و حتى الجامعة.
لمثل هذا الخيار تبعات لا تتوقف عند جهل داروين. تنفق الدول العربية حاليا نسبة من الناتج المحلي الإجمالي تفوق المعدل العالمي. و حققت هذه الدول نجاحات في مجال محو الأمية و رفع نسبة الطلبة الملتحقين بالجامعات و ردم الهوة بين الجنسين. لكن فارق جودة التعليم يبقى مخيفا إذا ما قارننا بين العرب و الشعوب الأخرى التي هي في نفس مستوى التقدم الاقتصادي. و هذا ما يفسر النسبة العالية للبطالة لدى الشباب العرب، كما ورد في دراسة أخيرة لمجموعة من الاقتصاديين المصريين بان الفشل في إخراج عدد اكبر من المواطنين من دائرة الفقر يعود أساسا إلى نقص الخبرات لدى اليد العاملة.
حسب نتائج المنافسة الدولية في مجال الرياضيات و العلوم (TIMSS) لم تحصل دولة عربية واحدة على المعدل من بين مجموع 48 دولة مشاركة، و الاسوء لم تحصل إلا نسبة 1% من تلاميذ 12 دولة عربية مشاركة في الفئة العمرية 12 ndash; 13 سنة على علامة متقدمة في مادة الرياضيات، مقارنة بنسبة 32% في سنغافورة و نسبة 10% في الولايات المتحدة الأمريكية. و كان الاستثناء العربي الوحيد دولة الأردن التي حصلت على نسبة 5% و هو ما يفوق المعدل العالمي.
تشير المؤشرات الأخرى لنفس خطورة الوضع التعليمي في الدول العربية. إذ لم ترد جامعة عربية واحدة ضمن الترتيب السنوي الأخير لأفضل 500 جامعة في العالم، مقارنة بمجموع 3 جامعات من جنوب إفريقيا و 6 جامعات إسرائيلية. كما يصنف منتدى دافوس الاقتصادي العالمي مصر في الرتبة 70 من ضمن مجموع 133 دولة في سلم التنافسية العالمية، بينما تأتي هذه الدولة في المرتبة 124 فيما يخص جودة التعليم الابتدائي. و تأتي ليبيا في المرتبة 128 رغم معدل دخل سنوي يفوق 16 ألف دولار أمريكي، أي في درجة اقل من دولة فقيرة مثل بوركينا فاسو.
لقد أدى الوعي بهذه الحقيقة الدول العربية لاعتماد إصلاحات المناهج الدراسية و تدريب المعلمين. و آخذت بعض الدول الطريق الأقصر بتشجيع القطاع الخاص، الذي قفزت حصته من 30% في سنة 1999 إلى 60% في سنة 2006، في دولة قطر، على سبيل المثال. و قامت سوريا بمنح التراخيص لعشرين جامعة خاصة منذ سنة 2001، لكن عدد الطلبة الملتحقين بهذه الجامعات لا يقارن بعدد 200 ألف طالب مسجلين بجامعة دمشق الحكومية وحدها. كما قامت بعض الدول النفطية في الخليج بالإنفاق بكثرة لجلب الجامعات الغربية لكن فروعها تجد صعوبات جمة في الحصول على الطلبة المؤهلين.
في هذا الإطار، تم افتتاح جامعة الملك عبدا لله للعلوم و التكنولوجيا في المملكة العربية السعودية بوقف قيمته 20 مليار دولار. و حتى تكون هذه الجامعة واحة للتميز الأكاديمي فهي تتمتع بمجلس إدارة مستقل و هي أيضا الجامعة الوحيدة المختلطة في المملكة. قد يمثل هذا خطوة جيدة بالنسبة للنخبة لكنه لن يساعد كثيرا على الارتقاء بالتعليم العام في السعودية. و تعرضت هذه الجامعة الفريدة إلى التهجم من طرف المتدينين المحافظين، مما تبعه إقالة رجل دين من منصبه عندما أدان الاختلاط بالجامعة و طالب بان يتم مراجعة مناهجها التعليمية من طرف علماء الدين.quot; انتهى

قدم مقال quot;ذي ايكونوميستquot; فكرة واضحة عن واقع التخلف التعليمي في الدول العربية لكنه لم يتطرق إلى سبل الإصلاح التي يجب أن تركز على إصلاح طرق التعليم الأساسي و الثانوي، مع استعمال اللغة الانجليزية كوسيلة لتدريس الإنسانيات (مثل تاريخ الحضارات و الفلسفة الغربية) و المواد العلمية. أما على مستوى الجامعات، فمن الضروري إنشاء مؤسسات بحثية - على نموذج جامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز - و الأفضل أن تكون تابعة للقطاع الخاص (بعد الفشل الذريع للقطاع العام في هذا المجال)، كما يمكن التملص من هذه المهمة بفتح الباب لكبرى الجامعات البحثية العالمية، و هو ما سبقت في تنفيذه ماليزيا عندما جلبت كبرى الجامعات البريطانية و الاسترالية إليها.

كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
[email protected]