جوهر quot;خطاب المحبةquot; ndash; Philia، في الفلسفة - Philo ndash; sophie، هو تبادل الكلام ndash; الحوار وصولا إلي quot; الحكمة quot; - sophie كما تقول quot;حنة أرندتquot;. أو قل أن محبة الحكمة، تقوم علي الحوار مع quot;الآخرquot; واحترامه في اختلافه، لا ان نقرر ما هو الحق والصواب نيابة عنه أو نتحدث بلسانه. لأن الفلسفة (الحكمة) هي ان نفكر معا، في اطار هذه المحبة - Philia.
وquot;الآخرquot; هو أهم اكتشاف عرفه الإنسان، وهو وسيط الخروج من الذات وطريقاً للعودة إليها، ومجالاً لاكتشاف النقص فيها وطريق امتلائها في نفس الوقت، وحسب quot;جاك لاكانquot;: quot;فإن الآخر هو البؤرة التي تتشكل داخلها quot;الأناquot; الذي يخاطب الآخر الذي يستمعquot;.

من هنا تقف الفلسفة دائما ضد العنف، الذي هو (عطل) في الاتصال كما قال quot; هابرماس quot;، أو يتعطل معه وبسببه كل حوار بين الأنا والآخر، وتبرز محله: القوة - الغلبة، أو الحيلة - التذاكي، أو التحريض - التعبئة، أو التهديد - الوعيد، أو التكفير - التخوين. ان العنف يضرب امكانية فهم آراء الآخر، ويلغي التبادل الحي للأفكار والرؤى، أو التساؤل الدائم حول معنى تلك الآراء والأفكار والمعتقدات وحول امكان أو عدم امكان الأخذ بها.
قد يتبادل اثنان (حلو الكلام) والمجاملات، أو الاهانات والاتهامات، لكن هذا ليس حوارا، لأن مفهوم الحوار أوسع وأشمل وأعمق، ويقوم علي quot; الاعتراف quot; المتبادل بآخرية quot; الآخر quot;، وحقه في الخطأ أيضا.
يقول الفيلسوف الكندي quot; تشارلز تايلور quot; في مقاله (سياسات الاعتراف): quot; ان الاعتراف ليس مجاملات يتبادلها أحدنا مع الآخر، لكنه quot; حاجة انسانية حيوية quot; تقوم علي أساس أن الحياة ذات طابع حواري، وأننا نعاين أنفسنا عن طريق الاتصال بالآخرين. وان الاعتراف الخاطئ يتضمن ما هو أكثر من عدم الاحترام، فهو يمكن أن يحدث جراحا خطيرة، ويثقل ضحاياه بكراهية معوقة للذات quot;. ولأن الحياة ذات طابع حواري، ولأنها تتطلب الاعتراف المتبادل، فإنها تقوم أساسا علي التسامح بين الأنا والآخر.

وحدد quot; إعلان مبادئ التسامح quot; الصادر عن اليونسكو فى سنة 1995، التسامح بأنه quot; ضرورة سياسية وقانونية وليس فقط مجرد التزام أخلاقى quot;. وما أراد إعلان اليونسكو التنبيه إليه هو: أن التسامح ليس تفضلا أو نوعا من اللياقة الأدبية التي نغلف بها الاختلافات الواقعية للآراء والمعتقدات المختلفة، وإنما هو ممارسة فعلية لهذه الاختلافات فى إطار تعاقدى، يزاول فيه المختلفون اختلافهم دون عنف أو فرض أو قهر.
وهذا يفسر منذ البداية أرتباط التسامح بالمعني الحديث، بفكرة المواطنة والعقد الاجتماعي ولعبة الديموقراطية، التي تحترم عملياً ثلاثة مبادئ أساسية: الأول هو quot; التسامح quot;، والمبدأ الثانى هو ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية. والمبدأ الثالث هو quot; المساواة والعدالة quot;. وهى مبادئ لا يمكن ضمانها إلا فى نظام تمثيلى برلمانى حقيقي.
بيد أن هذه المبادئ والأفكار، التي ظهرت منذ القرن السابع عشر، لم تكن لتنجح دون quot; إرادة سياسية قوية quot;، مما يؤكد أن quot; الحداثة quot; إرادة سياسة بالأساس، ناهيك عن الأمن المدني والسلام الاجتماعي. فقد دشن quot; فريدريك الكبير quot;: quot; سياسة التسامح الدينى quot; في أوروبا، واعتبرها quot; قاعدة الحكمة السياسية quot;. وكتب فى سنة 1740، رداً على حكومته، حول سؤال: هل بوسع الكاثوليكى أن يكتسب الحقوق المدنية؟، ما يلي: quot; أن كل الأديان جيدة بالتساوى، وحسب الناس الذين يعلنون إيمانهم بها أن يكونوا صادقين. ولو أراد الأتراك والوثينون أن يجيئوا إلينا ويقطنوا فى بلدنا لبنينا لهم المساجد والمعابد. فكل امرئ فى مملكتى حر فى أن يؤمن بما يريد وحسبه أن يكون صادقا ًquot;.
ويمكن أن نستخلص من هذه السطور السابقة، بعض الملاحظات علي quot; التسامح quot;، علي النحو التالي:
أولا: أن مفهوم التسامح بالمعني الحديث، جاء تلبية لحاجة وجودية وتاريخية ملحة، وهي الخروج من أتون حروب التعصب الدينى بين الكاثوليك والروتستانت، ولم يكن ذلك ممكنا (لا عن طريق الدين أو الأخلاق)، وإنما بإبتكار quot; معادلة عقلانية quot; - فلسفية سياسية - يحتكم إلى منطقها فى فصل المقال فيما بين الدين والسياسة من اتصال.
لقد أخذ مفهوم quot; التسامح quot; حيويته ومجاله فى الغرب سواء فى التنظير أو الممارسة، علي مدار أربعة قرون أو يزيد، وأصبح منظومة quot; حقوق quot; كاملة ومتكاملة، وليس مجرد قيمة دينية أو أخلاقية كما هو الحال عندنا.
ناهيك عن أن التسامح لم يكن أحد مقومات ثقافتنا العربية المعاصرة، علي مستوي اللغة أو عبر أنماط التفكير التي تعمل عبر هذه اللغة، فقد لاحظ (سمير الخليل) فى بحثه المعنون quot; التسامح فى اللغة العربية quot;، أن التسامح هو الفضيلة الغائبة عن معظم الايديولوجيات التى بهرت مخيلة الشعوب فى الشرق الأوسط خلال القرن العشرين، من القومية العربية إلى الأصولية الدينية إلى نزعة معاداة الامبريالية، إلى الشيوعية والاشتراكية العربية، والطائفية والشعوبية quot;.