إذا كان الانسان يرى وجهه في المرآة، وظله على الأرض؛ فإن المادة لها هذا الشبيه، ويقابلها في الوجود هذا القرين، في جدلية عجيبة ومن كلِ شيء خلقنا زوجين، فالشيء أي المادة لها زوجين، وتظهر في تجليين المادة MATERIAL) ) ومضاد المادة (ANTIMATERIAL).
المادة ومضادها كلاهما مادة، ولكن الكون الذي نعيش فيه يعج بالمادة فقط ولا وجود لمضاد المادة، هذا الكائن الشبحي النظيري القرين؟!
مضاد المادة ليس روحاً ولا ظلاً لا يمكن الإمساك به، ولا فراغاً معنوياً ميتافيزيقياً، بل هي مادة مثل المادة، في الأرض من شجر وحجر ومدر، ولكن بشكل متناظر، يرجع فيه التناظر الى البناء المقلوب للذرة.
كل ما في الوجود من معادن ونبات وحيوان وإنسان ينطلق في تركيبه من تضافر شبكة بناء محكمة من الذرات، لتشكل وحدات الحياة الممثلة في الخلية، وباجتماع الكم الرهيب من الخلايا تتشكل أعقد الأنسجة وأعظمها حيوية لبناء الأجهزة، التي تتراكب في وظائف متباينة وحواس مختلفة تشكل الكائن الحي، الذي يجلس على رأس هرمه الانسان العاقل.

ديموقريطس والنظرية الذرية
وحدة البناء الأصلية التي تحدث عنها الفيلسوف اليوناني القديم (ديموقريطس) باعتبار أن أصغر لبنة بناء في الوجود هي الذرة، تبين أنها بدورها تشكل الحد الفاصل مابين عالم يضم ذرات ذات هويات محددة تشكل طيفاً من العناصر يصل الى 92 عنصراً، من غاز وشبه معدن ومعدن، من أكسجين وكبريت وذهب، ومن عناصر دون ذرية، تنزل في التركيب الى ما تحت البناء الذري.
الذرة وحدة البناء الأساسية في الكون تمشي في موسيقى متهادية، ونغم محكم من البناء، من خلال ثلاث لبنات أساسية تشكل تركيبها، هي البروتون والنيترون والإلكترون، البروتون ذو شحنة إيجابية، والإلكترون ذو شحنة سلبية، والنيترون ذو شحنة حيادية. يزيد في الخلق ما يشاء..
تتشابه الذرة والنظام الشمسي الذي تدور فيه كرتنا الأرضية حول الشمس، وكل في فلك يسبحون.
كما تدور الأرض حول الشمس في فراغ سحيق، في رحلة مئات الملايين من الأميال عبر الملكوت، فإن الإلكترون يدور حول البروتون في ذرة متعادلة الشحنة متوازنة المزاج.
البروتون يقترب من حجم حبة الكرز في مساحة حقل ملعب كرة قدم، يطوف بحوافه الإلكترون، في غمامة رهيبة، من شحنة سريعة الحركة جمة النشاط...
وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم.
يشكل البروتون مركز النواة وثقل الذرة ووزنها المعتبر؛ فهو أثقل من الإلكترون قريبا من ألفي مرة (1836 مرة) ويجلس بجانبه النيترون بوزن (1839) كملاط واسمنت يجمع بين البروتونات ذات الشحنة الإيجابية.
الطبيعة بُنيت بشكل عجيب مدهش يتجاذب فيه المختلف، والمتشابه يتنافر، وبذا تتعادل الذرة بين شحنة الإلكترون السلبية، وشحنة البروتون الإيجابية.
كذلك تتشكل العائلة الإنسانية من الذكر والأنثى برباط المودة والرحمة، إن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون.
إذا كانت المادة مكونة من الوحدات الأولية في صورة ذرات، والذرة مكونة من ثلاث لبنات أساسية هي البروتون والإلكترون والنيترون، فإن مضاد المادة مكون على نفس الطريقة ولكن بشكل معكوس.
في مضاد المادة يصبح البروتون الإيجابي سلبي، والإلكترون السلبي إيجابي، في آية عجيبة وجدل متناقض، ووجود محير للألباب.
ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تتذكرون.

جمال المعادلات كدليل للحقيقة
في عام 1928 م جلس شاب بريطاني خجول المظهر قليل الاختلاط بالناس، عظيم الشغف بالرياضيات، مولع بالأبحاث الذرية الحديثة التي تفجرت مع مطلع القرن حول البناء الذري، ولكن عشقه انصب بشكل خاص على حركة الإلكترون، حتى وصل الى صياغة معادلة في غاية الجمال والأناقة، عن حياة الإلكترون الخفية، ولكن المعادلة بثوبها الجميل أظهرت تناقضاً محيراً يذكرنا بــ (الجاكيت) ذو اللونين، بين البطانة والظهارة، في لونين متناظرين، فيلبس الجاكت مرة من الخارج الى الداخل وبالعكس.
المعادلة تقول إن الإلكترون ذو وجهين، ويحمل إمكانية شحنتين، كما في الرياضيات، فضرب 8 بنفسها يعطي حاصل الرقم 64 سواء انطلقت عملية الضرب من ناقص ثمانية أو ثمانية تحمل علامة زائد (ـ 8 ... +8 ) فحاصل ضرب +8 في +8 هو 64 وكذلك حاصل ضرب ـ 8 في ـ 8 هو 64، كذلك كانت معادلة الإلكترون.
هذه النتيجة هزت العالم البريطاني (بول ديراك PAUL DIRAC) وسببت له ارتباكاً وإزعاجاً وقدراً من التثبيط والحزن، بعد كل الجهد الذي بذله في اوقيانوس المعادلات، وغوص لجج الرياضيات، واقتحام محيط الأرقام، ليصل متقطع الأنفاس الى قاع البحر؛ فيخرج الدرة النفيسة والصدفة العجيبة من معادلته الجديدة.
كانت العلوم في عصر (ديراك) كما تحدث بذلك العالم البريطاني (رذرفورد RUTHERFORD) الذي كان أول من كشف اللثام عن البناء الذري، والشحنة الموجبة للبروتون بواسطة تجربة لوح الذهب، يرى أن المعادلات تصاغ بعد التجارب وليس العكس، والشيء المثير في رحلة ديراك العقلية، والذي كان يومها لا يتجاوز 26 سنة، في عمل مثير عبقري، أنه قلب الآية وعكس المنهج، فالتجربة تحدث بعد المعادلة، والرياضيات النظرية المحضة تقود الى وضع اليد على واقع متقلب ديناميكي لا يرحم.
معادلة بول ديراك تقول بــ (وجود) عنصر (دون ذري) توأم للإلكترون وليس بتوأم، بل هو خلق مشابه له تماماً في الكتلة، مختلف عنه في الشحنة، في عالم آخر لا نعرفه، ولكن العقل ساق إليه، والرياضيات دلت عليه.
يقول ديراك عن تجربته مع الرياضيات العقلية:
quot;إن هذا الجمال في الكون والرياضيات يجعلنا نحدس الحقيقة ونراها بنوع من الرؤية الخفية الثاقبة، والحدس المتجلي، والرؤية الشمولية (الجشتالت Gestalt).
هذه المعادلة الجميلة متماسكة ومتناسقة ويجب أن لاتخطيء، ويعني هذا أن هناك بحر كامل من الوجود المادي الذي نعرفه، وفوق سطحه تماماً وعند هذه الحافة تماماً الى الأفق والسماء العلوية، جزيئات من نوع متناظر، ذو شحنة متقابلة وعالم موازي، ولكن كل الخطر فيه هو التماس والتداخل ففيه الفناء والاندثار المحققين.
هناك عالمان متناظران، ولكن محرم عليهما التلامس والاقتراب أو الاندماج. المسموح فيه فقط الحب العذري؟!

أكبر حماقة ارتكبها آينشتاين في حياته
بعد رحلة حزن نفسية عاشها الشاب الفيزيائي صمم أن لا يكرر حماقة آينشتاين مع معادلته الكونية، ففي الوقت الذي قادت فيه الرياضيات (آينشتاين) إلى تصور كون متحرك متمدد، قرر بغلطة اعترف فيها لاحقاً أنه ارتكب أعظم حماقة في حياته، عندما قرر إخراس وإسكات المعادلات الرياضية، وعدم الإصغاء الى حديث الأرقام المجرد من العواطف، فأدخل تصوراته الذهنية ورؤى المجتمع وضغط الثقافة على صرامة الرياضيات التي لا تحابي في العادة؛ فحوَّرها وبدل فيها؛ فأدخل بعنوة بين جدران الرياضيات المتماسكة إسفينا ضعيفاً من رؤى خاصة حول الوجود، سماه الثابت الكوني.
الكون يتحرك ويتمدد ولكن (آينشتاين) أصيب بالهلع من أرض تميد تحت أقدامه، وكون يتمدد كبالونة تنفخها قدرة خفية.
وجد آينشتاين أنه من المريح أن يوقف حركة تمدد الكون، فيراه كوناً (استاتيكياً) جامداً، وليس ديناميكياً متحركاً متحرراً متمدداً.
آثر آينشتاين الرجوع الى قوى العقل (الآبائية) لإيقاف حركة الرياضيات، ولكن الرياضيات لا تقبل الرشوة أو الوساطة أو المحاباة كما لا تستجيب للأهواء.
في النهاية قذفت الرياضيات هذه الكوابح، وجاءت الدلائل من كل جهة عن طبيعة كون عملاق لا تعرف نهايته، في حالة تمدد بدءها قبل 13,7 مليار سنة، وهو ماض إلى أجل، وأجل مسمى عنده، ثم الذين كفروا بربهم يمترون.
جاءت الدلائل من الرياضيات والكوسمولوجيا، وتقنية التلسكوبات، والفيزياء مع فهم ظاهرة الزحزحة الحمراء، بتحليل الطيف اللوني للضوء.

لابد من كسر المسلمات والتخلص من التقليد
بول ديراك كان عنيداً أكثر من آينشتاين، فلم يستسلم لضغط الآراء السائدة، وأصغى بكل جوارحه للنداء الكوني وحديث الرياضيات. وحسناً فعل!!
إذا كانت المعادلة الرياضية تقول أن هناك (إلكترون) خفي يحمل (شحنة موجبة) فلابد من البحث عنه في جهات المعمورة الأربعة وأقطار السموات. وإذا كان هذا الإلكترون السحري الخفي لا نعرفه، فسوف يطل علينا برأسه ولو بعد حين.
هذا الحين لم يستغرق أكثر من أربع سنوات، ففي عام 1932 م استطاع شاب أمريكي فيزيائي طموح هو (كارل ديفيد اندرسون CARL DAVID ANDERSON ) في معهد كاليفورنيا التكنولوجي في باسادينا (CALIFORNIA INSTITUTE OF TECHNOLOGY IN PASADENA) وبتقنية خاصة من اصطياد ظل الإلكترون المستخفي بالليل السارب بالنهار.
تلقى بعدها ديراك الاعتراف العالمي للتجلي العبقري، وفوقها إكرام جائزة نوبل للفيزياء، كما نال صائد الظل المقلوب جائزة نوبل مثله جزاءً وفاقاً، وتم مسح الإلكترون الظل القرين باسم (البوزيترون POSITRON).
قال ديراك في حفلة تسلمه جائزة نوبل في السويد:
quot;من يدري لعل هناك عوالم كاملة هي نظيرنا حذو القذة للقذة، في صورة كوبي مختلفة، على شكل مقلوب جداً، فلم تبق المسألة عند الإلكترون الظل؟؟quot;quot;.
كان ديراك يعني بكلماته القليلة، أن الأمر لن يتوقف عند الإلكترون الحائر بين السالب والموجب، بل وجود كيان كامل للذرة على صورة معكوسة الشحنة.
إذا كانت نبوءة ديراك عن شخصية الإلكترون السلبي (البوزيترون) العجيبة المختبئة في تضاعيف الوجود احتاجت الى أربع سنوات لتحقيقها، فإن شخصية البروتون (سلبية الشحنة) استغرق 23 سنة، حتى أمكن الاهتداء إليه، وأعلن عنه رسمياً في جامعة كاليفورنيا في بيركلي عام 1955 م.
وهكذا بدأت ملامح صورة العالم الخفي (مضاد المادة) تتكامل وتسعى الى الظهور تدريجياً، وتحمس العلماء تحت ضغط فكرة بسيطة، بإنتاج مضاد البروتون والبوزيترون مثل الملح والسكر، ومزجهما ببعض ليتم ولادة أول ذرة هيدروجين، التي تمثل أبسط بناء ذري في الوجود، من خلال التحام البروتون (السلبي) مع الإلكترون (الموجب) ولكن الرحلة لم تكن بهذه البساطة، ولم تسلم الذرة أسرارها بسهولة، فمازال الطريق طويلاً أمام كلمة السر افتح يا سمسم.
كانت المشكلة في التقنية المتطورة، وتطوير أدوات جراحية جبارة تعمل على الجزيئات دون الذرية، للامساك برقبتها مثل الجن الشارد، وتطويعها في ممرات مغناطيسية، وفرملتها بكوابح من حقول كهرطيسية.
في مستوى دون الذرة لا توجد مشارط وعدت تشريح لقطع الذرة، فعمد العلماء الى ضربها ببعضها مثل الجوز لتكسيرها وتشطيرها واستخراج الجزيئات دون الذرية منها، في مفاعلات تعتمد تسريع الذرة الى قريب من سرعة الضوء.
كان التحدي في خروج مضاد البروتون، في سخونة مرعبة وسرعة كلمح البصر أو هو أقرب، ويحتاج إلى كوابح تقنصه وتحافظ عليه، فتم اختراع جهاز حصار له أخذ اسم)(لير LEAR = LOW ENERGY ANTIPROTON RING) أي حلقة مضاد البروتون منخفض الطاقة.
تم تركيب ما يشبه (مصائد الفئران) لالتقاط البروتون السلبي، وزجه في زواج مع البوزيترون، يعتمد الترغيب في هذا الاقتران، لتوليد الذرية الجديدة.
ولكن عشرات السنوات انقضت، ومئات المحاولات بذلت، بدون نجاح يذكر، في الاحتفال بهذا الزواج الميمون.
كانت الجزيئات تظهر تمنعاً عجيباً، وزهداً غير مفسر في هذا الزواج، وإعلان صارم للرهبنة والعزوبية.

الأطباء يستفيدون من البوزيترون في فهم الدماغ المفكر
وفي الوقت الذي آثر الفيزيائيون طريق الشقاء الطويل، وكيلومترات الأوراق من الحسابات المملة، لأجهزة تصم الآذان بطنينها المتجدد، كان الأطباء أكثر حظاً، في الاستفادة من التقنيات الجديدة؛ فهرعوا إلى (البوزيترون) يستفيدون من أسراره، فأمكن تطويعه في تقنيات متقدمة، للكشف عن وظائف الدماغ وأورام المخ والجملة العصبية عموماً، فمع حقن السكر الذي يحمل ذرة الكربون المشعة، يتعرض (نظير المادة) إلى التحلل وإطلاق (البوزيترون) الإلكترون الموجب، الذي يفاجئ بغريمه وظله المقابل الذي يتربص به الدوائر، فيهرعان للنزال والطعان، بثمن مخيف من اندثار الاثنين في الصدام الموحش، والعنف المتبادل.
وطوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض.
أظهرت الفيزياء النووية حقيقة مروعة عن التقاء المادة ومضادها، في تجلي فلسفي عصي!!
إذا اجتمعت المادة وضدها أو جزيئاتها، حصل ارتطام مروع قضى على الاثنين، وأفنى الطرفين باندثار مرعب ومحرقة مهولة، مع انطلاق طاقة خيالية من أشعة جاما في صورة فوتونات طاقة.
قال الأطباء: حسناً رب ضارة نافعة، هذا التتالي من الانفجارات الصغيرة في الدماغ بارتطام البوزيترون بالإلكترون سيعطينا النبأ اليقين عن أمكنة النشاط في الدماغ، حيث يتم استهلاك أكبر قدر من السكر، أو تقوم بعض الأمكنة في الدماغ بفعاليات خاصة عند النطق والتعبير، أو مع تألق الذهن وفيض التأمل ونشاط الكتابة ولحظات الإبداع، أو الانتشاء بالموسيقى وحضور الذهن بإصغاء السمع.
كذلك طالما كانت الأورام الخبيثة نشيطة خلوياً فيمكن الكشف عنها على هذه الشاكلة، من الحركة والوظيفة لتفجرات البوزيترون المتتالية، فيخرج علينا الورم بتألق ونبض على شكل يوحي بم يحدث فيه، خلافاً لبقية الأنسجة الهادئة، خارج صخب وأمواج وعنف الخلايا الورمية الخبيثة النشيطة.
اعتمد الأطباء جهاز إصدار البوزيترون الماسح الذي يرمز له (PET POSITRON EMISSION TOMOGRAM) للكشف عن المشاكل المرضية بقصد العلاج للإنسان، ولكن لعاب العسكريين سال الى شيء مختلف.
قال العسكريون:
هل يشكل ارتطام البوزيترون مع ظله، أو البروتون مع ضده، طاقة يعتد بها وتصلح للاستخدام العسكري، كسلاح استراتيجي حاسم؟
إن ما عرف عن قوة الانفجار بين المادة وضدها شيء مهول يفوق كل خيال، وهو لحسن الحظ غير متوفر، وبين العالمين المادة ومضادها برزخ لا يبغيان.
إن الحريق الأعظم الذي حصل في غابات سيبريا في منطقة (التايجا TAIJA) عام 1908 م مع مطلع القرن العشرين، أهلك آلاف الكيلومترات المربعة من الغابات الكثيفة، في أفظع حريق عرفته الكرة الأرضية، لم يعثر على تعليل له حتى اليوم، فلم تظهر الأرض بقايا ارتطام نيزك أو مذنب صدم الأرض، فليس هناك أي حفرة تشهد على هذا الارتطام.
وتذهب بعض التحليلات اليوم الى أن خلف هذا الحريق تماس الأرض من سحب من نوع مضاد المادة، لمست المنطقة فأدت الى هذا الحريق المروع.
إن القرآن يروي لنا مظاهر تفجر البحار وانشقاق السماء وتفتت الجبال، في تصوير خلاب لا يقترب منه إلا ارتطام المادة بمضادها، كصورة من احتمالات نهاية العالم، في عملية فناء لا تبقي ولا تذر؛ فلمسة رأس سكين لنظيره من مضاد المادة، يفجر حريقاً من حجم مائة قنبلة هيدروجينية، تمسح مدناً عامرة بملايين السكان.
يروي لنا صاحب كتاب (سجناء العالم الذري) أوبنهايمر، أن الروس عندما اجتاحوا بعض معسكرات الاعتقال بعد اجتياح الرايخ الثالث وسقوط ألمانيا عام 1945 م، عثروا على عالم فيزيائي مهووس بالرياضيات كان يحسب كمية الطاقة، التي تكفي لنقل الكرة الأرضية من مدارها عبر الملكوت، حين نفاد طاقة الشمس، لنقلها لمدار شمس صالحة لمد الأرض بالطاقة والدفء والنور.
المشكلة كانت في العثور على طاقة كافية لرحلة من هذا الحجم؟zwj;!
نعرف اليوم أن أجزاء من الغرام (0,147) غ من مضاد البروتون، يكفي لحمل مركبة فضائية الى المريخ بدون توقف.
وبضعة كيلوغرامات من هذه المادة السحرية تكفي لمد الطاقة على ظهر الأرض عبر القرون؟!
حاول العسكريون وضع يدهم على هذا السلاح المثير الفريد، ولكن تبين أن إنتاج بضع ملغرامات من هذه المادة السحرية، يحتاج إلى كل مخابر العالم المتقدمة من مستوى (فيرمي لاب FERMILAB في واشنطن وسيرن CERN في أوربا) تعمل ليل نهار ولمدة 150 مليون سنة؟zwj;!
هذا على الأقل حسب المستوى العلمي السائد حالياً..
ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون.
كان الأطباء أكثر حكمة من العسكريين، بين وظيفة الإحياء والإبادة، وما يستوي الأحياء ولا الأموات، ولا الظل ولا الحرور. ولا الظلمات ولا النور.

ويبقى السؤال عن بداية خلق مضاد المادة وأماكن وجودها؟
تذهب نظرية الانفجار العظيم التي ترى أن الكون بدأ من لحظة رياضية متفردة، حيث تنهار كل قوانين الفيزياء، وينعدم الزمان والمكان، وتختفي القوانين، ولا أثر للمادة أو الطاقة.
كل الكون كان مضغوطاً في حيز أقل من بروتون واحد، ثم انفجر في أقل من سكستليون من الثانية (عشرة مرفوعة إلى قوة 36) فبدأ المكان في التشكل، والزمان في الحركة، والقوانين في العمل، والمادة في الظهور، والطاقة في التألق.
عندما تشكلت وحدات الكون الأولى كانت من نوعي المادة ومضادها، ولكن التقاؤهما كان يعني الفناء المتبادل، الذي ترك أثره حتى اليوم، فيما يعرف بالإشعاع الأساسي، الذي كشف عنه عام 1965 م كل من آرنو بنزياس وروبرت ويلسون (ARNO PENZIAS amp; ROBERT WILSON) ونالا على ذلك جائزة نوبل في الفيزياء، ويبدو أن جزءً ضئيلاً من المادة قد كتب لها النجاة من هذه المحرقة الكبرى؛ فشكلت كوننا الحالي الذي ننتسب إليه.
ويميل البعض كما هو في نظرية العالم السويدي (هانيس الفين HANNES ALFVEN) الفائز بجائزة نوبل الى نظرية (صينية المقلاة) حيث يرى أن إلقاء قطرة ماء على سطح الصينية لا يجعل القطرة تتبخر فوراً، بل تتعرض للاهتزاز والتراقص بسبب تشكل سطح حامي لها عن السطح الساخن، قبل تأثرها بالحرارة وتبخرها النهائي.
هذا الحاجز هو الذي يقي عالمنا عن عالم مضاد المادة.
هذا على الأقل ما يطرحه العلم ولكن المفاجآت أكبر من الخيال، ويرى بعض الفيزيائيين أن كوننا المتمدد ليس كل الكون، فكما يلعب الطفل بنفث فقاعات الصابون، فتخرج بالونات وفقاعات مختلفة سابحة في الأفق تتصاعد الى السماء قبل أن تنفجر، فهناك عوالم أخرى لا يعلمها إلا هو، ومنها عالم مضاد المادة، وهي النظرية التي ترى أن الكون متعدد (POLYVERSUM) وليس وحيد (UNIVERSUM).
هل هناك مجموعة شمسية نظيرة مثلنا، وأرض تشابه كرتنا، وبشر يقابلوننا في الأشكال في تلك العوالم المخفية، مثل عالم الجن الواعي المغيب عنا؟zwj;
أم هل أن أمواتنا يتحركون إلى هذا العالم الموازي، بحركة انتقال الطاقة فقط، التي لا تنعدم، وتأخذ تشكلا ماديا موازيا لنا..
وإن الآخرة لهي دار الحيوان لو كانوا يعلمون؟؟
البعد الفلسفي في رؤية الكون من هذا النوع، أن الوجود أعقد مما نتصور، وأبعد عن إحاطتنا العقلية، وأدعى للتحدي لفهمه، كذلك هوأقرب رحما.
مهما يكن من أمر فإن عالماً جريئاً هو (فالتر اوليرت WALTER OELERT) في معهد سيرن للفيزياء النووية في جنيف، أسعفه الحظ عام 1996 م، والتقنيات المتفوقة، والطموح الجريء، والصبر والعناد في البحث، وتخصيص الأموال اللازمة، أن يصل الى تركيب أول ذرة هيدروجين من عالم مضاد المادة. وهو ما حاولته تجربة سيرن اللاحقة خريف عام 2008م التي لم تكلل بالنجاح لاستحداث حرارة خرافية على وجه الأرض بمقدار 2 بليون بليون درجة، والوصول إلى مضاد المادة، والمادة المعتمة، وهذه لها حديث مختلف، وكذلك جزيء هيجز المختفي من أربعين سنة؟
نجح أوليرت في تصنيع مضاد المادة ولكنه لم يرها مباشرة، وإنما مرت كالشبح الهارب واللص المحترف، فأمكن ضبط آثارها، التي لم تزد عن عشرين جزءاً من المليار من الثانية الواحدة.
مؤشرات التقدم العلمي كلها باتجاه تحطيم الجغرافيا، وزحف عارم للانترنيت، وتجاوز العنصرية والدولة القطرية، ودخول الإنسان أفق العالمية والثقافة المشتركة.
ويقولون أحق هو؟ قل أي وربي وما أنتم بمعجزين...