قتلى وجرحى في القاهرة والجزائر. حرائق متنقلة ومطاردات. تظاهرات في مدن العالم وتظاهرات مضادة. من بدأ مشوار التحريض، من استجاب له؟ ليس السؤال في محله، لقد كان التحريض موجوداً. ثمة من يسألون بإلحاح وقسوة: إذا كان ما يجري جزءاً من مجريات اللعب، فكيف تكون الحروب؟
سيكتب الكثيرون في الاعتراض على ما جرى. وسيصرح الكثيرون معتبرين ما جرى ويجري عملاً من أعمال الغوغاء. الغوغاء، لماذا تعشش في كل مكان؟ على اي حال، إذا تطاولنا على المشاعر الوطنية العارمة التي تدفع اي مشجع كروي لرشق لاعبي ومشجعي الفريق الخصم بالحجارة وضربهم بالعصي، يمكننا ان نسأل علام يتحمس هؤلاء؟ في الأصل والأساس تقام المباريات الرياضية بين الفرق القومية لتخفيف حدة الاحتقان السياسي بين الدول نفسها. نحن نلعب معاً، ونرتضي بالنتيجة التي يعلنها الحكم، هذا يعني اننا نستطيع ان نتعايش. وقوانين اللعب، حتى في بلادنا التي لا تحب الالتزام بالقوانين، تكاد تكون مقدسة. لا أحد يمكنه ان يغير في النتائج حتى لو اثبت ان الهدف الأول او الثاني او الثالث لم يكن صحيحاً مئة بالمئة. ما يجري في الملعب يبقى في الملعب ولا يتجاوزه إلى اي مكان. انت وحظك، قد لا يرى الحكم اللاعب المتسلل او الذي تعمد ضرب المهاجم الخصم بكوعه، وعليك ان تقبل بالحكم. ذلك ان قانون اللعبة مقيد بوقتها ومكانها وظروفها. لكننا نريد للعبة ان تخرج على قوانينها، وان تتحول سياسة وشعوراً قومياً، وانتصارات حربية. في الحروب يفترض بالأمة التي تحارب أمة أخرى ان تسعى لعدم امتلاك خصمها القوة ما أمكنها ذلك. في اللعب يفترض بالأمة التي تلعب ان تقبل بتنامي قوة خصمها، لأنه حين يكون ضعيفاً لا يعود ثمة سبب للمباراة. لكننا نحول اللعب حرباً فنرغب بسحق الخصم تماماً.
في اللعب ثمة جمهور يفترض به ان يتواجد مشجعاً، هازجاً عند الربح ومطرقاً عند الخسارة. الجمهور ضروري للفريقين، لكننا نريد ان نخفي جمهور الخصم. المصريون يتفوقون على الجزائريين في السودان لأن بلدهم أقرب إلى الملعب. الجزائريون سيذهبون بالطائرات لتشجيع الفريق. لكنها في ما يبدو ليست لعبة على الإطلاق إنها فقط سياسة بوسائل أخرى. طيب، والحال على ما هي عليه، لماذا يصبح اهل السياسة من المشجعين؟ الأرجح ان السياسي الذي لا يملك الخيار في ان يؤيد فريق الخصم اصلاً، يعرف ان اللعبة باتت حرباً مفتوحة، وان ما يجري في الملعب لا قيمة له. حتى حين يخسر فريقنا نلوم احد ما: كنا قادرين على الربح، لكن احدهم خدعنا وتخاذل. وحيث ان ثمة في اللعب دائماً رابح وخاسر، فإن اللعبة تفترض ان يخسر الأقوياء أحياناً. هذا جزء من قانون اللعبة ومركوز في اصل بنيتها. في الحروب لا يخرج منتصران ابداً، وكثيراً ما يخرج منها مهزومان. واقع الامر ان ما جرى في القاهرة وما سيجري بعد ايام في السودان يثبت ان هذه اللعبة قد يخرج منها خاسران. ذلك أن الجمهور يعتقد انه يخوض حرباً ولا يلعب. هذه حرب على ما يصرح الجميع. طيب، من ذا الذي ما زال يعتقد ان الامر لعبة؟