quot;إخوان بريدةquot; لا يستعملون الكهرباء، وquot;الآميشquot; لا يركبون السيارات!

باديء ذي بدء، أود أن أعتذر من القراء الكرام على الخطأ الذي تمَّ في المقال السابق، عندما ذكرت ndash; جهلاً وتسرعاً ndash; أن منصور النقيدان انتمى إلى quot;جماعة الإخوان المسلمينquot;، فيما عُرف بـ quot;إخوان بريدةquot;. وقد نبهني أحد القراء المعلقين إلى أن quot;إخوان بريدةquot; لا علاقة لهم - تنظيمياً- بجماعة الإخوان المسلمين. وإنما هم مجموعة، ربما لا يتجاوز عددها 300 عنصر من المتطوعين السلفيين المتشددين، أقصى التشدد، وأقساه.


هناك متطرفون في كل الأديان
واليوم، سوف نتعرف على هذه المجموعة/الطائفة الدينيةCULT ، ونرى أنه من غير المستغرب، ولا المستهجن، أن تظهر مجموعة دينية كـ quot;إخوان بريدةquot; في منطقة القصيم. فمثل هذه المجموعة الدينية ظهرت في أماكن كثيرة من العالم وبأسباب مختلفة. وكان أشهرها مجموعة الآميش AMISH التي ظهرت في أمريكا، بؤرة التنوير الغربي، وقمة الحضارة الغربية. ورغم هذه ظهرت هذه الجماعة، واعتزلت الحياة العامة الأمريكية. وكان لها حياتها الخاصة، وطقوسها، وتفاصيل أيامها، المختلفة كل الاختلاف عن ما قائم في أمريكا.

quot;إخوان بريدةquot; وهابيون ولكنهم مسالمون
أوضح منصور النقيدان في لقاء مع برنامج quot;إضاءاتquot; الذي بثته فضائية quot; العربيةquot; في 15/9/2004، أن مفهوم quot;إخوان بريدةquot; وهي الجماعة التي كان ينتمي إليها مصطلح يعبر عن جانب من الحركة الإسلامية في السعودية.
وأصحاب هذه الحركة، هم المؤتمَنون على المذهب الوهابي. فلم تكن لديهم أفكار تتعلق بالقتال. كما أنهم ليسوا تكفيريين، وأبعد ما يكون مذهبهم عن تبني أفكار العنف الرائجة اليوم. ومذهبهم الفكري يميل إلى العزلة والبعد عن الفتن، بما يتفق مع منظور السلف الصالح. وهؤلاء لا يرون علماً إلا علم السلف (ما قبل الإمام أحمد بن حنبل الذي عاش في القرن الثالث الهجري). كما أنهم لا يتلقون هذا العلم بواسطة مدارس الدولة، بل بواسطة مدارسهم الخاصة، التي أنشأوها كرد فعل على التعليم الرسمي، الذي وجدوا فيه مخالفات شرعية كثيرة، حسب منظورهم. ومن أبرز قيادات quot;الإخوانquot;، الشيخ محمد الصالح المطوِّع، والشيخ صالح الخريصي. وكان بعض أفراد quot;إخوان بريدةquot; ndash; وهم اليوم قلة قليلة - كالشيخ عبد الكريم الحميد، يحرمون ركوب السيارات، واستخدام الكهرباء، والمخترعات الحديثة، باعتبارها من quot;صنع الكفارquot;. كذلك فهم يسكنون في بيوت بسيطة من الطين. لكن الأهم من هذا، ليست هذه المظاهر الحياتية التي لا تختلف عن المظاهر الحياتية للصوفيين الزُهَّاد البسطاء في حياتهم، وفي مأكلهم، وملبسهم، وأدوات استعمالهم، ولكن المهم في حياة quot;إخوان بريدةquot; أنهم مجموعة دينية ذات فكر ومنهج واضح. وهم كما قال عنهم النقيدان: quot; يؤمنون بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يحمل دعوة فكرية إصلاحية. ويعتقدون أنها تحمل الإسلام النقي الخالص.


الاعتزال في عصر الفتن
وكون quot;إخوان بريدةquot; يتمتعون بنزعة أكثر انعزالية وأكثر انكفاءً وأكثر تصوّفاً، ليس بالأمر المستغرب أو المستهجن. إنه موقف فلسفي وفكري من الحضارة المادية، وعودة إلى الينابيع الأولية. والانكفاء والابتعاد عن المجتمع القائم ليس بدعة جديدة ابتدعها quot;إخوان بريدةquot;. فمثل هذه الرؤية كانت موجودة لدى كثير من أئمة المتقدمين من السلف وغيرهم. وملخصها أن المؤمن في عصر الفتن، عليه أن يعتزل الفتن، وأن يكون بعيداً عن مواطن الشبهات. والعصر العربي الإسلامي الآن عصر فتن وكوارث.

العودة إلى عهد quot;الكتاتيبquot;
لكن quot;إخوان بريدةquot; ليسوا بعيدين عن التطرف. بل هم مجموعة دينية متطرفة في عقيدتهم ومناهجهم. فهم يعتقدون بأن العلم الحقيقي هو العلم الشرعي فقط، ولا علم غيره. وطلب العلم من الكتاب والسُنَّة، ومن تراث السلف الصالح فقط. وبناءً على هذا، يعتقدون بأن العلم الحقيقي لا بُدَّ أن يُتلقّى في المسجد على طريقة الأولين الذين لم يعرفوا المدارس النظامية الحديثة. فكان لهم ردة فعل تجاه المدارس النظامية، وتجلّت ردة الفعل هذه، عن مجرد ابتعادهم عن المدارس النظامية الحكومية التي يرون في مناهجها الكثير من المخالفات الشرعية. لذا، فقد كان لهم مدارسهم الخاصة، ذات المناهج الخاصة. ومنها quot;المدرسة العلمية الأهليةquot;، وهي مدرسة مشهورة في بريدة، ولم تكن تخضع لوزارة المعارف.
ويقول موقع quot;الساحة العربيةquot; السلفي، على الانترنت أن quot;إخوان بريدةquot;، امتداد لمدرسة علماء quot;آل سليمquot;، ولهم زعامة علمية وقضائية وشعبية منذ نصف قرن في القصيم. ومن أشهر علمائهم محمد بن عبد الله السليم، وعمر بن محمد بن عبد الله السليم، وهو الذي التف عليه quot;الإخوانquot;، وجمع بين العلم والإيمان، والعمل، والاحتساب. وتحلَّقت حوله مجموعة كبيرة عرفوا فيما بعد بـ (الإخوان المتطوعين). وكان لهم دور في الأمر والنهي.

quot;إخوان بريدةquot; و quot;آميشquot; أمريكا
يقابل quot;إخوان بريدةquot; في سلوكياتهم اليومية طائفة دينية في أمريكا تُعرف بـ quot;الآميشquot;AMISH ، وهي طائفة تعيش طراز حياة القرن التاسع عشر. بعيداً عن كل مخترعات وانجازات القرن العشرين وما تبعه. ويبلغ عددهم نحو 200 ألف، ويتوزعون في عشرين ولاية أمريكية، ويوجد منهم عدد قليل في إقليم اونتاريو في كندا.

يركبون الحنطور بدلاً من السيارات والطائرات
وquot;الآميشquot; لا يستعملون التليفون، ولا يستعملون كل اختراعات وآليات العصر الحديث، لاعتقادهم أن التكنولوجيا الحديثة تتنافى وتعاليم المسيح. ومثلهم في ذلك مثل quot;إخوان بريدةquot;. كما أنهم لا يركبون السيارات، ويركبون (الكارو) أو (الحنطور) فقط. ويرفضون التصوير والصور. ويشاركهم quot;إخوان بريدةquot; في كل هذا. ويدافع بعض المعلقين في rlm;المحطات الإعلامية الأميركية عن حق أتباع هذا المذهب في اختيارهم لنمط حياتهم. بينما لا يجد quot;إخوان بريدةquot; غير السخرية والهُزء والاستنكار لاختيارهم نمط حياتهم المميز. ولعل ما بعث على السخرية والهُزء والاستنكار من quot;إخوان بريدةquot; اعتداؤهم على الآخرين ودعوتهم لفرض أسلوب عيشهم على الآخرين مما حمل منصور النقيدان مثلاً، إلى حرق محلات بيع أشرطة الفيديو. في حين أن quot;الآميشquot; قوم مسالمون، لا يستعملون العنف في حياتهم. بل هم يحرِّمون اقتناء الأسلحة النارية.

لا للمدارس النظامية
وquot;الآميشquot; مثلهم مثل quot;إخوان بريدةquot; في رفضهم للتعليم الحكومي الأمريكي. فلهم مدارسهم الخاصة ومناهج تعليمهم الخاص. وملابس النساء والرجال quot;الآميشquot; كملابس quot;إخوان بريدةquot; من حيث أن النساء ترتدي الثياب المحتشمة والطويلة. وتقوم نساء quot;الآميشquot; بقص الشعر rlm;وربطه خلف الرأس. أما الرجال والصبيان فيرتدون البدلات الداكنة اللون rlm;والمعاطف والقبعات السوداء. ويطلقون اللحى الطويلة المتدلية، كما يفعل اليهود الدينيون المتطرفون (السكناج)، وكما يفعل كذلك quot;إخوان بريدةquot; وشيوخ الصحوةquot; المتطرفينrlm;. وهو ما يدل على أن التطرف في الأديان السماوية الثلاثة واحد، ومن منبع واحد، لا يخلو منه دين من الأديان.

السلام عليكم.