-1-
بدأ quot;عرس الدمquot; الذي أقامته quot;حماسquot; في غزة، ينفضُّ شيئاً فشيئاً. ونلاحظ ذلك هنا في quot;إيلافquot; من خلال تدني عدد ردود القراء، على مختلف المقالات، التي تتحدث عن عرس الدم، في غزة. فقد بدأ السامر كما يقولون ينفض، وبدأت حماس تلملم كراسي العرس، وتطفيء الأنوار. وكما قال خالد مشعل، فقد انتصرت حماس في معركتها العسكرية، وبدأت الآن معركتها السياسية، وأبرز أعلامها، وأكثرها ارتفاعاً، وخفقاناً، تلك التي رفعها خالد مشعل من دمشق، وهو تكوين مرجعية جديدة للفلسطينيين، تكون بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية الحالية، رغم أن محمد نزّال، ومحمود الزهّار، ينكران ذلك، ويبررانها ويشرحانها بلغة هيروغليفية غير مفهومة.
-2-
من المعروف أن باني منظمة التحرير الفلسطينية، وقائدها، ورجلها الأول، والممثل، والنجم الوحيد، على المسرح السياسي الفلسطينيShow One Man كان الديكتاتور ياسر عرفات، الذي كان الكلمة الأولى، والطلقة الأولى والأخيرة، في منظمة التحرير الفلسطينية. وهو المُعلِّم، والختيار، والقابض على مفاتيح الخزنة. وهو أبو عمار، الكل في الكل، والجزء في الكل، والكل في الجزء، وهو ربُّ فلسطين على الأرض. وكان يحلو للشعب الفلسطيني، نتيجة لافتقاره للقيادة ولزعيم كبير، منذ أن رحل الحاج أمين الحسيني الذي لجأ إلى النازيين، أن يقدسوا عرفات، ويرفعوه إلى مصاف الأنبياء والمرسلين. وربما طغى بعضهم، ورمز له بالإله. وقامت رشيدة مهران، الصحافية والقصاصة التونسية، وعشيقة عرفات، والتي بسببها اغتيل رسام الكاريكاتير الأشهر ناجي العلي في لندن 1987 لرسمه كاريكاتيراً يسخر منها، كما قالت جريدة الأوبزيرفر في حينها، بتأليف كتاب عن عرفات بعنوانquot; quot;عرفات إلهيquot; تم توزيعه على كافة سفارات، وقنصليات، وبعثات منظمة التحرير، في أنحاء العالم.
-3-
وما أن رحل ياسر عرفات، ومات على فراشه، عام 2004، حتى لسع ثعبان الشبق السياسي قادة حماس ومنهم خالد مشعل، في ظل عدم وجود قائد (يملأ العين) بدلاً من ياسر عرفات.
فمحمود عباس، رغم أنه من أبطال ومهندسي أوسلو 1993، إلا أنه لا يتمتع بالكاريزما، التي كان يتمتع بها عرفات، ربما لأنه لا يملك الأموال الطائلة التي كانت بيد عرفات (بلغ دخل منظمة التحرير السنوي، نصف مليار دولار في التسعينات قبل اصطفاف عرفات إلى جانب صدام حسين في غزوه للكويت 1990 كما قال المرحوم عمر الخطيب في جريدة quot;الوطنquot; الكويتية). لذا فقد انتفض خالد مشعل، وقال أنا اليوم زعيمكم، بعد أن قضى الشيخ أحمد ياسين 2004، وتبعه وريثه عبد العزيز الرنتيسي في العام نفسه. وكان الرنتيسي هو الزعيم المؤهل، لقيادة حماس بعد الشيخ أحمد ياسين. وكانت مجموعة من الزعامات الفلسطينية الشابة كمروان البرغوثي، لا تزال في السجون الإسرائيلية. فكان عام 2004 عاماً مفصلياً في حياة خالد مشعل، حيث فرغت الساحة الفلسطينية من الزعماء المؤثرين، سواء من فتح، أو من حماس، واستفرد هو بحصان سبق فلسطين، وكان هو الجوكي الوحيد.
-4-
فهل انتهى عرس الدم، وعلينا انتظار المواليد بعد قليل. لا، فنحن لن ننتظر طويلاً، ونتائج الانتخابات الإسرائيلية يوم الثلاثاء الماضي تظهر فوز اليمين في إسرائيل المتمثل quot;كاديماquot; وquot;الليكودquot;، وحزب quot;إسرائيل بيتناquot; بزعامة ليبرمان. وهذه الأحزاب منذ زمن طويل، وحتى الآن تقول:
1- لا أرض مقابل السلام. فسلام العرب، لا يساوي قشرة بصل. ويكفينا السلام مع العالم كله، ومع دولة إسلامية كبيرة كتركيا.
2- لا مفاوضات، ولا اعتراف بحماس، حتى ولو تحققت المعجزة، واعترفت بإسرائيل. فالعالم كله يعترف بنا، ويمارس معنا كل الأنشطة المختلفة.
3- لا عودة مطلقة لستة ملايين لاجيء في الشتات لأرض 1948، فصحاري العرب الخالية والواسعة بحاجة لهم. أو ليبقوا في مخيماتهم ستين سنة أخرى.
4- لا تقسيم للقدس. فالقدس الغربية والشرقية، كانت مقسمة كبرلين الغربية والشرقية، فاتحدت 1967. ولا فكاك لها ثانية.
5- وأخيراً، فكما كان حصار الفلسطينيين وظلمهم، سبباً في الانتفاضة الأولى والثانية، وسبباً في دفع الفلسطينيين إلى انتخاب المقاومة 2006، والاستمرار في إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل، فكذلك أبعد ياسر عرفات quot;حزب العملquot; وزعيمه باراك، وأتاح لليكود الفوز في انتخابات 2000، بعد فشل كامب ديفيد الثانية، فقد أتاحت quot;حماسquot;، اليوم لعودة quot;كاديماquot; وquot;الليكودquot; وquot;إسرائيل بيتناquot; للحكم. وسواء كان مفتاح القرار الإسرائيلي أولمرت، أو ليفني، أو نيتنياهو، أو ليبرمان، فكلهم خرجوا من صُلب quot;الليكودquot; اليميني المتعصب. وهم عدة وجوه، لعملة واحدة. ولكن يمكن صرف هذه العملة، كما فعل السادات، والملك حسين، لو سلكنا طريق العقلانية السياسية.
وبذا يكون عرس الدم في غزة، قد انفضِّ بمجيء اليمين، واليمين المتطرف الإسرائيلي إلى الحكم، وتدمير غزة، وتشريد أكثر خمسة آلاف عائلة، تعيش الآن في العراء، إضافة لمئات الشهداء، وآلاف الجرحى.
ودامت أعراس الدم، في دياركم العامرة.
السلام عليكم.