ليس هناك أصعب من التكهن بالمستقبل، أو المراهنة على ولادة أو استمرار أشياء بعينها بسبب قانون (الصيرورة) الذي يحكم قبضته على الوجود.
توقع هتلر أن يصمد الرايخ الثالث لمدة ألف سنة (1) وتوقع (شهود يهوه ZEUGEN JEHOVAS) نهاية العالم في الثمانينات من هذا القرن (2) وتنبأ الشاعر (فيلكس دان FELIX DAHN) في أحد أيام عام 1889 م بالقيامة في اليوم التالي وعلى وجه الدقة عند الساعة الثانية عشر ظهراً (3) وانتظر الشيعة عبثاً خروج الأمام الثاني عشر المختفي في السرداب، وانتشرت مقالة في العالم الاسلامي تفيد بأن العالم يؤلف ولايؤلفان، وتوقع جورج أوريل وقوع العالم في قبضة ديكتاتورية مرعبة لاخلاص منه عام 1984 م، وأعلن الشيوعيون في روسيا نهاية جدل التاريخ وصراع الطبقات، وراهن فرانسيس فوكوياما على نهاية التاريخ عام 1991 م مع نموذج الرأسمالية الأمريكية كشاطيء رست عليه السفينة الانسانية (4) وتوقع السياسي الأمريكي (صمويل هنتجتون) بدء صراع ضاري بين الحضارات.
انهار الرايخ الألماني في مدى 12 سنة، ولم يأت المسيح كما توقع شهود يهوه، ولم يخرج الإمام من السرداب، وانهارت الشيوعية في أقل من جيلين، وتنهار الديكتاتوريات اليوم في العالم وتنتشر الديموقراطية، وتتحول الكرة الأرضية الى قرية الكترونية ونادي للنقاش الديموقراطي مع زحف الانترنيت.
غروب شمس القرن العشرين
يوم السبت الثامن من فبراير عام 1997 م وعند منتصف الليل بالضبط قام فريق من الخبراء في مركز العلوم بباريس (CITE DES SCIENCES) بحساب الوقت الذي كان يفصلنا عن القرن الواحد والعشرين فكان (91,238,400,---) ثانية (واحد وتسعون مليون ثانية و.....) في لحظة مفصلية بين توديع القرن العشرين واستقبال الواحد والعشرين، مما يجعل مراجعة الأفكار في مثل هذه اللحظات، ولكن بفاصل مائة سنة الى الخلف، فيها الكثير من المتعة والإثارة والإفادة في المقارنة، عن تصورات الناس وهم يودعون القرن التاسع عشر واستقبال العشرين.
ومرت اللحظات ودخلنا القرن الواحد والعشرين بكارثة مع أحداث سبتمبر واحتلال أفغانستان والعراق وتوديع بوش عهده بحذاء الصفعة في العراق؟
وفي مطلع القرن العشرين راهن العلماء عليه باعتباره بداية عصر للتقدم لانظير له، وبشر المصلحون بظهور مجتمعات بدون طبقات، وذهب القيصر غليوم الثاني الى اعتباره العصر الذهبي للشعب الجرماني.
المتفاءلون ذهبوا الى حدوث كل هذا بشكل ثابت الى الأحسن حتى تتحول الكرة الأرضية الى جنة خضراء طيبة الثمرات باردة الشراب.
في عام 1894 م عرض الكيمياوي الفرنسي (مارسيلين بيرثيلوت MARCELIN BERTHELOT) في محاضرة له عن أهمية الكيمياء عام 2000 م صورة العالم على شكل خلاب بانتهاء عصر الزراعة التقليدي، وتكوين الغذاء صناعياً، والاستفادة من الطاقة من فرن باطن الأرض، وتحرر الانسان من الكفاح اليومي لتحصيل خبزه، وأما الحروب فستصبح موضة قديمة للذكرى لايزيد.
وبعد خمس عشرة عاماً في عام 1899 م توقعت داعية السلام النمساوية (بيرتا فون سوتنر BERTHA VON SUTTNER) أن القرن العشرين لن يمضي الى نهايته قبل أن يلقي المجتمع الانساني من يده منجل الحرب وحصاد القتلى واعتبار مؤسسة الحرب غير شرعية
ولكن الكاتبة النمساوية ماتت في يونيو من عام 1914 م قبل اندلاع الحرب الكونية الكبرى بخمس أسابيع فقط، وكان حجم الإجرام وكمية الدماء التي سالت الصورة المقلوبة للوقت الذهبي المبشر بالعقل والسلام، الذي ساد الفترة ماقبل الحرب، على النحو الذي عبر عنه الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) أن الحرب الكونية الأولى (5) كانت زلزالاً للفكر السائد ولم تكن الحرب على البال والحسبان، خلافاً للحرب الثانية التي كانت متوقعة وتحصيل حاصل ونتيجة منطقية لمعاهدة فرساي.
القرن العشرين كان متوقعاً له إذاً تدشين السلام وقهر الجوع ونشر المسرة في القلوب، فهل كان قرناً رحمانياً بحق أم قرناً دموياً؟
القرن الدموي
بقدر ماصاحب التفاؤل مطلع القرن العشرين بقدر ماكان دموياً، ففيه اشتعلت أعظم حربين شملت المعمورة كلها الا قليلا، وانتحر فيها في (ماسادا)(6) جماعية عشرات الملايين، في رحلة مطبقة الى الجنون الكامل.
وبقدر إغلاق ملف القرن العشرين بقدر تباين التوقعات للقرن الواحد والعشرين في موسيقى متنافرة وترنيمة نشاز ؛ فالطيف ينزلق الى حجم الكارثة البيئية، أو يرتفع الى جراحة الجينات، والتحكم بمد عمر الانسان بما يشتهيه المليونير العجوز.
مشكلة ثقب الاوزون من جهة، ومشروع البنك الأمريكي الخلوي (A.T.C.C. AMERICAN. TYPE. CULTURE. COLLECTION ) الذي يحافظ على الحياة في الخلية لفترة عشرة آلاف سنة، يظهر التناقض في الوضع الانساني، فبقدر زخم التدفق العلمي وانفجاريته وتسارعه، بقدر بروز وتضخم مشاكل تتطلب استنفاراً انسانياً لحلها بعمل مشترك.
فيض من المعلومات المتضاربة تخلق نوعاً من الشعور غير الواضح تجاه الدخول في الألف الثالثة الميلادية.
إذا كان السرطان يقضي على صاحبه في النهاية ؛ إذا لم يتدخل العلاج الثلاثي: الجراحي والكيمياوي والشعاعي أو حتى الجيني، فإن التخريب المستمر للبيئة من جهتين استنفاد الموارد وجنون الاستهلاك سيعمل بنفس آلية السرطان ؛ فيحدد شروط الحياة أو يقود الكون للكارثة.
بكل أسف ليس عندنا سوى كوكب واحد نعيش عليه.
هل يعرض الانفجار السكاني، وانتفاخ الكرة الأرضية بالبشر، وصدمة المناخ كوكبنا للغرق والغوص في الفوضى والمجاعة والاوبئة؟ أم أن أبحاث الجينات والزخم الالكتروني سيحملان الأدوية الشافية والأغذية الوفيرة والنظام المحكم؟
هل سينتهي العالم على الشكل الذي توقعه السياسي الأمريكي (صامويل هنتجتون SAMUEL HUNTINGTON) في صدام مروع بين الحضارات؟ أم سيتشكل العالم بنسيج الكتروني موحد يحول الكرة الأرضية الى قرية كبيرة موحدة، يتصل البشر بعضهم ببعض بشكل سلمي؟
ظلال التشاؤم عند الفيلسوف كيركيجارد
قبل 150 سنة حاول الفيلسوف الدانماركي سورين كيكيجارد (SOREN KIERKEGAARD ) تصور المستقبل فرأى الكارثة بعينها من رحم العلوم الطبيعية على وجه اليقين، ولامستقبل للأجيال القادمة zwj;!!! والعصرنة والحداثة تحمل في أحشاءها الهول لاأكثر!! وماسيحل بالجنس البشري هو من حجم كارثة لايحيط التصور بحوافها!!
أما الكاتب الفرنسي (ي. م. سيوران E. M. CIORAN) المتوفي عام 1995 م أن يعدل من سوداوية الصورة ويرسمها في اتجاه آخر، أن التقدم الانساني حاصل ولكن بدون تحقيق تقدم فعلي، وكل خطوة ضئيلة في التقدم سنندم عليها فيما يقبل من أيام، وكل إنجازات الجنس البشري ستتوجه في النهاية ضدنا الى صدورنا؟zwj;!!
موسوعة علوم المستقبل
يتشكل اليوم تيار قائم بذاته في تأسيس علوم للمستقبل (FUTUROLOGY) وعلى الرغم من اهتزاز تصور المستقبل وعدم يقينه ؛ فإنه لم يفت في عضد الناس، وشكل لهم متعة خاصة بدءً من عرافة دلفي في اليونان قديما أو عرافو الجاهلية، على الشكل الذي نقلته لنا السيرة في قصة (شق وسطيح) فأما الأول فكان نصف انسان بذراع وساق، وأما الثاني فلم يكن جسمه يحوي العظام هكذا تروي كتب التراث، وانتهاءً بالمجموعات العلمية الجديدة.
علم المستقبل يحمل القدرة على التنبؤ، ومن مزايا العلم أو مايجعلنا نسمي أمراً ما علماً خضوعه للتنبؤ والتسخير ؛ فهذان هما شرطا العلم على الأقل، والقرآن لم يدين العقل ولم يتهم العلم، ولكنه سحب كل الثقة من الظن والهوى، وجمع القرآن هذا الأمران في نصف آية فقال (إن يتبعون الا الظن وماتهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) فكان الهدى والأيمان هذا المزيج المعطر الرائع من تعانق العلم والعقل.
علم المستقبل إذاً ليس رجماً بالغيب؛ بل تحقيقاً للعلم، على شرط أن يمضي في تحقيق آلياته في قناة علمية علنية مكشوفة خاضعة لسنة الله في خلقه.
لقد حاول المؤرخ النمساوي (هانس بيدرمان HANS BIEDERMANN) رسم تصورات من هذا النوع في كتاب خاص على شكل موسوعة مثيرة بعنون (الفنون السحرية LEXIKON OF THE MAGIC ARTS) حاول أن يجمع فيها الغريب والخلاب والاسطوري.
جدلية الخرافة والعلم
منذ العصر الحجري تطور ضرب من الرؤى يحاول اختراق سجف الغيب الكثيفة، ومعرفة ماتحمله رحم الأيام الحبالى، فولد بينهما ومنها الخرافة والعلم، الطب والسحر، التنجيم وعلم الفلك، الخيمياء والكيمياء، استخراج الذهب من العناصر الخسيسة والفيزياء الذرية، السجع وعلم الانثروبولوجيا والسسيولوجيا.
الخرافة اعتمدت سجع الكهان، وزمزمة العرافين، ورمي الأزلام، وقراءة بطون الحيوانات المبقورة، وقراءة الكف، والضرب بالرمل، والتنجيم والسحر الأسود، والتنصت للشياطين، والزعم بمعرفة الغيب وإخراج الشياطين من بطون الآدميين.
العلم أسس نفسه من منظور مختلف آخر على القدرة على التنبؤ والتسخير.
الخرافة تعتمد الصدفة والغموض والسرية والاحتكار وامتلاك قوة خارقة متميزة وموتها بموت صاحبها.
العلم يعتمد القانون والعلنية والتعميم، وتبادل المعلومات، وإخضاعها للنقد والتحليل، ووضعها تحت أي يد في أي وقت، والقدرة فيها على التنبؤ والتسخير، ونقلها وتطويرها عبر المؤتمرات والمجلات الدورية وعدم تعلقها بموت انسان أو حياته.
اعتمد القرآن وجود عوالم خفية وكائنات غريبة وقوى مغيبة، وهو ماتشق الطريق إليه اليوم علوم (الباراسيكولوجيا PARAPSYCHOLOGY)(7) ولكنه رأى عدم التعامل مع هذه القوى الا من خلال العلم، في ضربة موفقة مزدوجة ؛ فهو فتح الطريق أمام العقل للنمو ؛ باعتبار وجود عوالم لانهائية، ولكن التقدم لاختراقها ومعرفتها والتمكن منها والسيطرة عليها وتسخيرها يتم بواسطة التقدم الثابت لخطى العلم.
شروخ في النظرية النسبية
الجني في مجلس سليمان عليه السلام استطاع أن يحضر عرش ملكة سبأ العظيم بسرعة طائرة عادية، على اعتبار وقت انفضاض مجلس النبي سليمان، ولكن الذي عنده علم (من الكتاب) أحضره بالقوة العلمية بسرعة الضوء أو على تعبير القرآن (قبل أن يرتد إليك طرفك) في شهادة واضحة لتفوق العلم على قوى الجن الخرافية.
قصة الذي عنده (علم من الكتاب) يفتح الطريق أمام عقولنا لإدخال (احتمالات) شروخ هامة على النظرية النسبية.
النسبية تضع استحالة رباعية أمام الانتقال المادي بسرعة الضوء ؛ فنستهلك طاقة لانهائية، وينضغط الطول الى الصفر، وتقفز الكتلة والوزن الى اللانهاية، ويتوقف الزمن في معبر الى الخلود.
هذا الطرح بدأ العلم يتحدث فيه الآن، كما سأتناوله في مقالة مستقلة ؛ عن ارتباك النظرية النسبية أمام طروحات جريئة حديثة تدخل الدوار الى مفاصل النظرية النسبية وصاحبها آينشتاين وعدم تماسكها (8)
لانريد أن نقوِّل الآية مالم تقل ؛ فهذا ليس من طبيعتها، ولكن العمق الفلسفي للتطور العلمي يقود الى هذا الاتجاه، وهي أن أي نظرية لن تستطيع بحال أن تقنص الحقيقة الحقيقية النهائية، فكما أطاحت وأزاحت النسبية فيزياء نيوتن، لتنزل بها اى الدرجة الثانية في سلم فهم الوجود، بدو ن حذف نهائي، فسينطبق هذا بدوره على النسبية، فلايمكن لشيخوخة آينشتاين أن توقفها أي قوة، وكذلك شيخوخة نظريته بعد حين.
المعروف في البيولوجيا أن شروخ الشرايين هي بداية التصلب الشرياني، وفي السدود بداية الطوفان العارم، وهي في العلوم بداية الانقلاب النوعي والثورة المعرفية ؛ كما أشار الى ذلك صاحب كتاب بنية الثورات العلمية توماس كون (9)
مافعله كل بناء وغواص من جن نبي الله سليمان، من تماثيل ومحاريب وقدور راسيات، يقوم (جن البشر) اليوم بإرسال المركبة (باثفايندر) الى سطح المريخ يندلق من أحشاءها عربة الكترونية أنيقة بوزن لايزيد عن عشرة كيلوغرامات، على ظهرها تتوهج مائتي حجرة ضوئية تقنص الطاقة، تزحف ببطء وحركة الدودة بسرعة 60 سنتيمتر في الدقيقة، تجس سطح الكوكب الأحمر لتقول: لاالريح ريح زرنب ولا المس مس أرنب، ترسل المعلومات بالصوت والصورة الملونة ذات الأبعاد الثلاثية بسرعة الضوء، يخيل الى خبراء ناسا وهم يعتمرون النظارات المفسرة للأبعاد الثلاثية، أنهم يعيشون حقاً في صقيع المريخ وأتربته الحديدية المؤكسدة، ويتدفق الى وكالة ناسا في باسادينا في اللحظة الواحدة شلال من المعلومات تلتهمها الكمبيوترات الجائعة هناك.
معهد دلفي الجديد وسحرة العصر الجديد
إذا ذهب عرب الجاهلية لسماع اقوال العرافين وأهل أثينا الى عرافات دلفي، المجلس النسائي في البارسينا، فإن الجمهوريات الحديثة ولَّدت من رحم العلم أداتين مهمتين:
الأولى لفك التاريخ القديم مهما امتد وتطاول، واستنطاق نصوصه الخفية، ماكتبت بحروف أو تركت آثارها الحياتية بدون حروف، فأوراق كهف كمران في الأردن روت القصة المروعة للشتات اليهودي، وكهف شيدار في كردستان العراق روى الحديث الانثروبولوجي لانسان نايندرتال، وتسع جماجم كشفت في مستنقع كاترينا بورج، روت المذبحة الرهيبة لعائلة القيصر نيقولا الثاني آخر حكام روسيا قبل الثورة الشيوعية.
الثانية: شق بطن المستقبل لرؤية الجنين المتشكل فيه.
موضوع دراسة المستقبل لم يعد نوادر للحكاية بل تحول الى دراسات ومعاهد ؛ فمنذ مطلع التسعينات احتشدت مظاهرة ضخمة مرتين في ألمانيا، مكونة من 900 تسعمائة عالم وتقني في دراسات أطلق عليها (دراسات دلفي DELPHI - STUDY) تقليداً لمؤسسة دلفي للعرافة اليونانية قديما، بالتعاون مع معهد (فراون هوفر FRAUENHOFER - INSTITUTE) المختص بتقنية الأنظمة وأبحاث التجديد في مدينة (كارلسروهه KARLSRUHE) في الجنوب الألماني، تم درج 130 مائة وثلاثون مشروعاً (PROJECTS) في ثماني حقول معرفية، حيث أظهر قسم (تسجيل الأفكار IDEAS REGISTRATION) تجميع لمادة علمية تقترب من أفلام الخيال العلمي (SCIENCE FICTION) فمن جعبة المستقبل سيظهر أشياء من مثل:
1 ـ جهاز صغير يحمله كل واحد منا بحجم اليد هو جهاز يضم مجموعة من الأنظمة بنفس الوقت: تلفون دولي للكرة الأرضية يتكلم فيه المرء مع أطفاله وعائلته أينما كان على ظهر البسيطة وفاكس للمراسلة وكمبيوتر صغير وآلة حاسبة..الخ ونحن اليوم نراه؟
2 ـ مسابر موضوعة على الجلد تقيس بانتظام وبشكل ماسح دوري نظم القلب (10) وطبيعة الدوران ونشاط المعثكلة وإفراز السكر وحرقه وضغط الدم. كذلك النشاط الجنسي وقوته، ونشاط الغدة الدرقية بسهر لايعرف النصب واللغوب... الخ
3 ـ وجود أعضاء صناعية ليس من النوع الذي اعتدناه بل مطور من خلال صناعة الجينات والاستنساخ، فأطراف تستجيب للنداء العصبي، وخرفان بدماء انسانية ؛ فبعد النعجة دوللي جاءت النعجة الجدية (بوللي) فالأخيرة أمكن استيلادها مع إدخال جينات بشرية إليها، بحيث يمكن مثلاً تصنيع الدم البشري فيها، الخاروف خاروف حيواني، والدم دم انساني، فكل خاروف يذبح للأكل يؤخذ دمه لبنوك الدم مايشبه شلالات دم متدفقة بغير نفاد، أو قلوب بشرية من ثيران، أو صوانات آذان مستنبتة من ظهور جراذين، أو عروق دموية بكل المقاييس من الأبقار وهكذا، مصانع مرعبة حيوية لاحدود لمدها للمشافي وقاعات العمليات الجراحية.
4 ـ الاعتماد على طاقة الشمس كطاقة نظيفة، أو إنشاء محطات تنظيف مثيرة باستخدام الهيدروجين لامتصاص غاز الفحم المنطلق الى الغلاف الجوي، أو حتى ترقيه ثقب الاوزون بإبرة ووشيعة كهربية وقماش من حقل كهرطيسي.
كل هذا وأكثر يشم منه المرء الرائحة، في تطوير جراحة الجينات، وعالم الاستنساخ، والزحف الالكتروني، والنادي الديموقراطي في الانترنيت، وديكتاتورية الخبراء، وضمور الدولة القطرية الى وظيفة موظف إداري تابع في المنطقة، وبروز شركات صغيرة جمة النشاط متقدة الفعالية بدلا، من ديناصورات الشركات العملاقة، الى انقلاب نوعي في السياسة الدولية، وبروز الانسان العالمي الثقافة الذي يتصل بالمعلومات، من خلال التقرير الذي ظهر عام 1996 م عن دراسات دلفي المستقبلية، لتطوير العلم والتقنية، ويمكن أن تكون هذه الأحلام حقائق ووقائع فعلية في العقدين الأولين من الألف الثالثة الميلادية.
قصة الذئب والثعلب والقيامة
هل يمضي الوجود الى الانهيار؟ والكون الى الاحتضار؟ كما دشنته بعض أقوال ثقافتنا بتعبيرها: تؤلف ولاتؤلفان، أم أن أي حضارة تحتضر تروي قصة الذئب والثعلب بإسقاط قدرها على مصير الذئب المحبوس في الفخ.
وقع الذئب يوماً في مصيدة لأحد الصيادين فتألم للغاية، وحاول الفرار وتقطيع الحبال فأعيته، وبينما هو على هذه الحالة مر به ثعلب شارد، فنظر إليه وتأمله متعجباً من حالته السيئة وجروحه النازفة، فحدق فيه الذئب بنظرات ضارعة وعين حولاء ثم سأله: يقولون أن القيامة أصبحت قريبة فهل هذا الكلام صحيح؟؟؟ فرد الثعلب: لاأعرف شيئاً عن القيامة فهي مغيبة لايجليها لوقتها الا هو، ولكن الشيء الأكيد الذي أعرفه أن قيامتك قد اقتربت.
في هذه الاثناء لمح الثعلب الصياد يقترب بحذر حاملاً بندقية معمرة فصاح وقفز: أو ربما قيامتي معك فلأنجو بجلدي، وفر لايلوي على شيء.
مراجع وهوامش:
(1) الرايخ الثالث الذي أعلنه هتلر يعنى بها الفترة الثالثة من الامبراطورية الألمانية وتوقع لها عمر ألفي سنة ولم تستمر أكثر من 12 سنة بين عامي 1933 من استلام هتلر الحكم و1945 مع انتحاره وانهيار الرايخ الكامل (2) جماعة (شهود يهوه) فرقة مسيحية منشؤها أمريكا ولها فروع نشيطة للغاية في أوربا، ويتصلون بكل قادم جديد الى مجتمعهم لاصطياد الاتباع، ونشرتهم في ألمانيا اسمها (برج المراقبة أو اليقظة WACHTURM) ويقفون في الشوارع الرئيسية أو محطات المترو لساعات يعرضون بضاعته الفكرية، ودخلت معهم أثناء وجودي في المانيا في مناقشات مطولة، ويعتمدون العهد القديم مع الجديد في مناقشاتهم، فعليهم ظلال من اليهودية، وفي أحد الأيام من مناقشتي مع أحد المتحمسين منهم في مدينة (زيلب SELB) وهي مدينة صغيرة قريبة من الحدود التشيكية حيث بدأت فيها رحلة اختصاصي قال لي: إذا لم يهبط المسيح الى الأرض عام 1980 فسوف اكفر بالانجيل؟ كان يتوقع هبوط وشيك للمسيح، ويأخذ معه الى الجنة مجموعة شهود يهوه ويطهر الأرض من كل البقية بما فيهم أنا. في الواقع استفدت منهم جيداً في تقوية لغتي الألمانية، ولم أكن قد باشرت في تعلمها أكثر من ثلاثة أشهر ؛ فهم كانوا يطمعون في كسبي الى صفوفهم، فصبروا علي وهم يسمعون تعتعتي بلغتهم، وأنا كنت بنفس الشعور في تحويلهم الى الاسلام؟! (3) مجلة الشبيجل الألمانية (DER SPIEGEL) العدد 7 \ 97 ص 186 (4) كتاب نهاية التاريخ ـ فرانسيس فوكوياما الأمريكي ذو الأصل الياباني (5) كتاب هل للانسان مستقبل ـ برتراند راسل (6) الماسادا قلعة على البحر الأحمر اجتمع فيها بقية اليهود عام 73 للميلاد بعد تدمير القائد الروماني تيطس (TITUS) للقدس والمعبد في أيلول سبتمبر عام 70 للميلاد، تم حصار القلعة لفترة طويلة على يد القائد الروماني (لوسيوس فلافيوس سيلفا LUCIUS FLAVIUS SILVA) فلم يستسلموا ولجأوا للمقاومة حتى إذا استيئسوا آثروا أن يقتل بعضهم بعضاً في انتحار جماعي ضم 900 انسان من الرجال والنساء والولدان، مازال يؤثر في الذاكرة الجماعية اليهودية الى اليوم راجع قاموس كرونيك البشرية ص 186 (7) الباراسيكولوجيا أو علم النفس الفائق يعتمد علوماً غريبة يشق الطريق إليها ويدرسها بطريقة علمية محضة مثل قراءة الأحلام المستقبلية أو الحادثة، والتليباثي التخاطر عن بعد، وتحريك الأشياء بقوة الإرادة، وقدرة رؤية الأشياء التي تحدث في أماكن أخرى، والتنبؤ لما سيحدث عبر الزمن القادم (8) هذا ماجاء في بحث حديث نشرته مجلة (P. M.) الألمانية عدد 10 \ 97 \ ص 58 بعنوان صدمة آينشتاين (EINSTEIN SHOCK) عن شروخات قد تقود الى انهيار كامل للنظرية، وبروز نظرية أشد تماسكاً، وهذه هي طبيعة العلم ؛ فرحلة سفينة العلم أنها ليس لها شواطيء ترسو عليها وتتوقف وتستريح ؛ بل ينمو العلم بدون توقف بفعلي الحذف والإضافة، وفوق كل ذي علم عليم، وقل رب زدني علما ويرفع الله الذين أوتوا العلم والمؤمنين (9) كتاب بنية الثورات العلمية له أكثر من ترجمة والمحور الأساسي في الكتاب فكرة (النماذج الإرشادية PARADIGMS) فالتحول المعرفي يتم من خلال تراكم نوعي خاص ؛ ليجعل فكرة علمية في حالة استعصاء، تعجز عن تفسير ظاهرة ما خلال إطارها الذي اعتادته ؛ فيحصل انقلاب كامل لتأتي نظرية مشعة مبدعة تحتوي في تفسيرها السابق واللاحق من كل الظواهر المطروحة أمامها (10) مات جراح انساني من ألمع جراحي العالم في زراعة الأعضاء يعمل في جامعة هانوفر هو رودولف بيشلماير (RUDOLF PICHLMEYER) أعرفه شخصياً من فترة وجودي في ألمانيا مات في إجازة في المكسيك في السباحة المبكرة، وعمره 65 سنة في 29 أغسطس آب، بسبب عدم انتظام في دقات القلب، وتطوير أجهزة من هذا النوع يمكنها إعطاء إنذار مبكر على شكل صفير بحيث يمكن اللجوء لأقرب مستشفى، كما مات قريب منه في وقت قريب عالم النفس الشهير فيكتور فرانكل صاحب مدرسة المعالجة بالمعنى (LOGOTHERAPY) الذي خسر زوجته ووالديه في أهوال معسكرات الاعتقال في آوسشفيتز (AUSSCHWITZ) ولكن الله أعطى الثاني عمراً مديداً فمات عن عمر 92 سنة شاهداً على فعل الجراحة في تقصير الأعمار؟zwj;!