البداية!
يعتبر الزواج من العقود عند الفقهاء، وهو بالتسمية الصريحة (عقد نكاح)، وللعقد هذا ألفاظه المعروفة في كتب الفقه، وأفضل صيغه المشهورة (زوجتكَ، أنكحتكَ، متعتكَ)، ويرى أبو حنيفة إن كل لفظ يفيد التمليك يجزي، كما في قولك: (بعتك، آجرتك، وهبتك، صدقتك) ولا تجزي الألفاظ التي لا تفيد الملكية مثل الرهن والاباحة، وقول الرجل: (قبلت التزويج، أو قبلت) يشكل الطرف الثاني من العقد، الأول هو الإيجاب، و الثاني هو القبول.
إن الألفاظ (الحنفية) ترسِّخ بكل وضوح ملكية المرأة، وسلعيتها الشهوية، فهي تبيع نفسها لتؤدي وظيفة، تلك امتصاص شهوة الرجل، تأمين إشباعه الجنسي، هي آلية مؤجّرة، ولكنها آلة لحمية ذات خصائص اشباعية، هي مؤجَّرة لذلك وليس لشيء آخر.
هذه الألفاظ أحيطت بأسرار كهنوتية ملهمة، فهي تخلق أو تنشيء النكاح ــ النكاح الإسلامي ــ ولست أدري إي إنشاء هو هذا؟ فهذه الالفاظ لا تنشي نكاحا بالمعنى الواقعي للنكاح، فالنكاح عملية بيولوجية لها أعضاؤها وخصائصها، سواء قلنا هذه الكلمات أم لم نقلها، نعم تنشؤه اعتباريا وليس واقعيا، وتفضي على النكاح صفة الشرعية كما يقولون، النكاح في هذه الألفاظ في سياق إنشائها وظروفها وكما نستفيده من مناسبات العقد المزعوم، وإرتكازات الحياة الاجتماعية يتعدى دس القضيب في الفرج إلى القبلة والاحتضان واللمس وغيرها من ممارسات شهوية لذائذية.

إنّه عقد نكاح!
فيه إيجاب: (زوجتك نفسي، بعتك نفسي، آجرتك نفسي)، وفيه قبول: (قبلت التزويج، قبلت النكاح، قبلتُ البيع...)، ويجب حضور المعنيين (الركن الثاني من العقد)، ثم ليترسخ العقد كان هناك المهر! والمُثمَّن هو شهوة حاضرة في كل وقت اللهم إلا ما ندر.

كيف نفهم هذا (العقد)؟
هذا هو المفهوم الأولي من ألفاظ العقد، أو العقد، خاصة في بعض صيغه التي يقترحها الفقيه أبو حنيفة، يفيد تجاريّة الزواج، ممّا يستدعي إعادة النظر بهذا التفسير لما يحويه من تصادم صارخ وموجع مع روح الإسلام وجوهر الإنسانية، وفي الحقيقة هناك نظامان يمكن أن نسلطهما على جسد هذه العقد لفهمه وتفسيره، كلاهما يدعي الإستمداد من ا لقرآن والسنة النبوية وتراث العلماء الفقهي والفكري.
النظام الأول:ـ
إن أبرز عناصر وأسس النظام الأول الذي يتبعه بعضهم في فهم هذا العقد، تلك الألفاظ سواء كانت بلفظ التزويج أو لفظ البيع، هي على وجه الاختصار وليس التفصيل ما يلي: ـ
أولا: الزوجة إمرأة وبالتالي هي أحد الضعيفين!
ثانيا: يجب على الزوجة أن تستجيب لطلب الزوج الإشباعي في كل الاحوال الا ماندر، ولا يجوز لها التخلف عن ذلك.
ثالثا: ليس للزوجة أن تجبر الزوج على مقاربتها، وحتى لو قيل بحقها في المقاربة فذاك في كل أربعة أيام مرّة (الغزالي)، أو في كل أربعة أشهر مرة (الفقه الشيعي) أو مرّة واحدة طوال مدة زواجها...
رابعا: لا يجب على المرأة غسل الثياب وطبخ الطعام، بل حتى إرضاع الطفل، ويحق لها أن تأخذ أجرا على حليبها الذي ترضعه طفلها المسكين!
خامسا: لا يجور للمرأة أن تخرج من بيتها إلاّ بإذن زوجها.
سادسا: يستحب حبسها في البيت الا لحاجة ضرورية وبموافقة الزوج.
سابعا: يقابل نكاحها واللعب والاستمتاع بجسدها وكل جزء من أجزاء جسدها مقابل الإطعام والإكساء والإسكان.
ثامنا: للرجال عليهن درجة، والدرجة هي القوة والسلطان والطاعة والإنقياد.
هذه بعض مقتربات هذا النظام، والآن يحق لنا أن نسأل عن معنى وجوهر العقد المذكور (زوجتك، أنكحتك، بعتك... نفسي على المهر المعلوم..../ قبلت التزويج، قبلت...).
إن تسليط هذا النظام على هذه المعادلة تكشف عن نكهة تجارية رخيصة، فهناك كائن بشري أسمه المرأة، عندما تدخل عش الزوجية، تكون قد تقلّدت وظيفة خاصة، تلك هي أن تكون كيسا فارغا لتلقي شهوة رجل في فرجها أو على بقية جسدها،، ذاك هو زوجها، حتى وإن كان أبشع ما خلق الله، وحتى وإن كان نهما بشكل مريع ودسم ومقزز!!
إذن حقا هو عقد، و عقد تجاري، مادته اللحم الأنثوي، ثمنه كسوة وخبزة ومسكن ربما متداعي، وشروطه الطاعة من طرف واحد، طاعة شبه مطلقة، ومن شروطه استعداد هذا الطرف المسكين لاستقبال الآهات والأنات الذكورية في ليل ونهار، بكل جسدها، بلا استثناء، لحمة جاهزة للقضم لا أكثر.
إن كل الفاظ (العقد) من لفظ (زوجتك َ) حتى لفظ (ملَّكتك) متساوية القيمة في ضوء هذا النظام الأعمى، لانها جميعا تعني خضوع المرأة جنسيا للرجل، هو يملك جسدها كله تقريبا.

النظام الثاني:
هذا النظام بالضد تماما من النظام السابق، إنّه يتشكل من عناصر وأسس أخرى، لا تمت بصلة إلى ما يتأسس منه النظام السابق.
أولا: المرأة إنسان، وإذا كان الرجل قوي العضل والعظم فهي قوية العاطفة والشعور، فتمتاز عليه بهذه (الدرجة).
ثانيا: المرأة مكملة للرجل في أفق تأسيس ذات الوجود الإنساني، فهي ليست حاجة لإشباع الشهوة أو إفراغها، بل هي أساسا الطرف الثاني من معادلة خلق الإنسان على الارض واستمرار وجوده (إنّا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل...).
ثالثا: إن كلا منهما مكمل للآخر، فالحاجة متبادلة وعلى نفس الدرجة و المستوى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهم).
رابعا: الزواج مؤسسة اجتماعية متعاونة ومتكافلة وليست هيئة هرمية في التحليل الأخير، والتشاور هو آلية صنع القرار الأسري (الرجل سيد أهله والمرأة سيدة بيتها) حيث هناك نوع اختصاص متبادل.
خامسا: أصل التعامل مع الزوجة هو (المعروف) كما يقول تعالى: (وعاشروهن بالمعروف)، والمعروف مفهوم واسع الطيف، ومن الخطأ تصوره عاطفة وصدقة ومنّة بل هو سلوك قائم على الاحترام والتقدير.
سادسا: أصل وجوهر العلاقة بين الاثنين هو المودَّة والرحمة (وجعلنا بينكم موّدة ورحمة)، الحب المتبا دل، والحنان المتبادل، وليس أصل العلاقة الزوجية حين تتأسس شهوة ذكورية مفرَّغة في جسد إ نثوي.
هذه بعض مقتر بات النظام الثاني، وفيما سلطنا هذا النظام الحيوي المشرق على معادلة العقد، وبلحاظ ألفاظه المشرّعة، سوف تسقط مباشر ة ألفاظ (آجرتك، وبعتك، ووهبتك)، لأن مثل هذه الألفاظ تطبع العلقة الزوجية بطابع تجاري بحت، ويكاد أن يُقزِّز، لأنه صِرْفُ علاقة شهوية، لا أكثر ولا أقل. ويعطي للألفاظ الأخرى مثل: (زوجتك، وأنكحتك، ومتعتك) معان تتعدى تلك العلقة الضيقة. حيث يوجب النظام المذكور صرف الزواج إلى معان مشبَّعة بالتكافل الروحي و المادي، ومترعة بالحب والتعاون والشراكة الحياتية الوجدانية، وما تلك العملية الليلية خاصة سوى جزء من نظام يشع بالقوة والخير والجمال، وليس هناك صعوبة في توجيه مادة (م، ت، ع) هنا باعتبارها تعني الزواج، ولذلك كانا لفظين متكافئين، بالمثل مادة (ن، ك، ح) حيث يعني النكاح الزواج كما في المعاجم، وبالتالي، فإن هذا (العقد) بمثابة إعلان عن حياة جديدة لكليهما، فالمرأة عندما تخاطب الرجل بقولها: (أنكحتك، أو متعتك) خاصة فيما إذا تقد م الرجل بالطلب مسبقا ـ وهو المألوف ـ إنما دعوة من المرأة إلى الرجل لإنشاء معادلة حياتية جديدة لكلا الطرفين، ومراجعة اللغة قد تفيد ذلك أيضا، فإن من معاني المادة (ز، و، ج) المخالطة، فهي دعوة الى المخالطة، أي التداخل والتكامل، وللعلم إن إطلاق لفظة (زوجة) على المرأة التي تقترن برجل ليس استخداما صحيحا، بل هي أيضا (زوج)! مما قد يشير إلى التكافؤ والتكامل على مستوى واحد أو متقارب على صعيد التأسيس، تأسيس هذه العلاقة الحميمية، والرجل لا يتزوج من إمرأة، ولا يتزوج أمراة، بل يتزوج بـ (إمرأة)، مما قد يشير إلى الانصهار والتذاوب المشترك، وفي لسان العرب الزواج يعني المخالطة، فالزواج ليس إجتماعا عرضيا، والزواج فيما فسِّر في ضوء المعنى الحرفي لتلك الألفاظ وبغياب هذا النظام لا يعدو كونه علا قة حيوانية، فيما موضوع النقطة الوردية جزء من نظام كامل!
إنّه عهد وليس عقدا.

تصحيح المسار!
النظام الثاني تعترضه جملة عوائق، منها: مسألة المهر، ولكن ا لجواب يسير، من خلال توكيد الشريعة على التساهل بالمهور الى أبعد حد اقصى، كأن يكون تعليم آية من القرآن الكريم، فهو بهذا المنظور يكشف عن معنى رمزي، بل هو اشبه بهدية التعارف، فليس هو لضمان حقوق المرأة المادية، ولا ثمنا للبضع، وإلاّ لشدد ولم يخفف، وقد سمَّاه القرآن صُداقا (وآتوا النّساء صدُقاتِهنَّ نحلة)، ولعل استحباب تقديم شي منه قبل الدخول يفضي إلى هويته الجميلة، أي كونه هدية رمزية، وحتى لو أُخذ بالمعنى المادي البحت، فهو تأمين للزوجة من الطوارئ المحتملة وليس ثمن وظيفة، وقوله: (أجورهن) لا ينصرف بالضرورة إلى المال، بل إلى المهر الذي لا صوروة مخصوصة له، ومن ثم يتحدد الموقف على ضوء ثقافة كل من الرجل والمرأة. ومنها: التفاوت بالإرث، وهو خارج موضوعنا، وتحمُّل الرجل النفقة يحلحل هذا الإشكال، ومنها: قضية الدرجة، ولكن يرى بعض الفقهاء إنّها تعني مسؤولية الرجل بالإيفاء بحقوق المراة، ومثل هذا التفسير يصب لصالح النظام الثاني، ومنها: كون الطلاق بيد الرجل، وللرجل حق الزواج من غيرها، وهنا يأتي دور المرأة نفسها في ترسيخ النظام الثاني، فلها أن تشترط أن يكون الطلاق بيدها، وأن تشترط أن لا يتزوج عليها، وبهذا الموقف الشرعي الإسلامي يمكن للمرأة بنفسها أن تساهم في تصحيح المسار، وترسيخ النظام الثاني كمفسِّر لماهية العقد وإنقاذه من نكهته التجارية اللحمية المقززة، ومنها حق المقاربة فإن إعفاء الزواج من نكهة التجارة ينسف هذا العسف المشين، وحسنا فعل الغزالي عندما أمضى حقّها في المقاربة كل أربع ليال مرّة، إنها ثورة فقهية رائعة حقا.
إن كل عنصر من عناصر النظام الأول يمكن تجييره وتأويله لصالح النظام الثاني، كما أن بعض مناشئ انتزاعه القرآنية والروائية فيها نظر، ربما اتطرق الى ذلك مستقبلا.
إنه مجرّد اقتراح أرجو أن أتوسع به قريبا، وبقي شي أقوله في النهاية، إن (نكاح المعاطاة) لو استقام وتسيّد، وهو جائز عند بعض الفقهاء، لأحدث ثورة جنسية هائلة، ثورة جنسية مقننة ومنقذة وهو آت.