ليس من شك في أن العراق قد خطا منذ العام المنصرم خطوات هامة في المجال الأمني، وفي بداية تنامي الشعور الشعبي النسبي ضد مخاطر الطائفية والمحاصصة، والإلحاح على أولوية خدمات المواطنين. كما شهد انفتاحا خارجيا عاما عليه، سواء من الدول العربية، أو من دول كبرى كانت ضد الحرب كفرنسا. أما الانتخابات المحلية الأخيرة، فقد كانت أهميتها في فوز الشعارات غير الطائفية والفئوية، ونعني فوز شعارات دولة القانون، وخدمات المواطنين.
هذه خطوات وتطورات هامة لا ينبغي التقليل من شأنها، ويجب النظر إليها إيجابيا بالمقارنة مع ما قبل 2008 فالأمور نسبية، كما لابد من التأكيد على الدور المهم والفعال للسيد المالكي فيما تحقق.
في الوقت نفسه يجب القول إننا أمام أشواط طويلة ينبغي على العراق اجتيازها لتحويل الشعارات لواقع وممارسات، أي لبناء دولة القانون، والتخلص من نظام المحاصصة، ومعالجة العقد الداخلية والإقليمية الكبرى التي تواجهنا، وينبغي أيضا تسجيل ان الانتخابات التي جرت ليست برلمانية وبنفس أهميتها، وأنها، رغم حريتها، قد همشت الأقليات.
من التحديات الكبيرة أمامنا، وكما كما نرى، هي التالية :
1 ndash; الأمن:
إن العراق لا يزال معرضا للأخطار بدليل تواصل التفجيرات، وفي الموصل خاصة، حيث مراكز لبقايا القاعدة، وبرغم كل تأكيدات الحكومة، فلا نعتقد أن القوات العراقية صارت حقا مؤهلة تماما لتولي كل المسئوليات الأمنية، وبدون الشراكة القوية للقوات الأميركية. إن الاختراقات مازالت قائمة، وما حدث في الموصل من عدوان على جنود أميركيين هو أحد الأمثلة، وأما جهاز الشرطة، فمعظم أفراده من عناصر مليشيا بدر، الذين يدينون بالولاء أولا لحزبهم، وكذلك لا ندري يعود الصدر وجيشه للتحرك من جديد، وهل تطهر العراق من المئات من عناصر فيلق القدس الإيراني والاستخبارات الإيرانية.
من هنا، فإن كل شعور بالرضا عن النفس والنفخ في الخطوات الأمنية المحرزة، يقودان لفقدان البصيرة، والانسياق نحو فخاخ الأوهام.
لقد أحسن أوباما بتعديل موقفه من الانسحاب، بالمقارنة مع تصريحاته الانتخابية الأولى، ولا شك في أنه صار يأخذ بآراء القادة العسكريين في تقييم الوضع العراقي، وليس من الصدف أن يكون بوش ممن استشارهم اوباما قبل الإدلاء بتصريحاته الأخيرة عن الانسحاب.
إن العراق يظل بحاجة لتواجد القوات الأميركية ربما بأبعد من الجدول الزمني للاتفاقية الأمنية، فمخاطر المصادمات والحروب الداخلية ليست مما لا يؤبه لها، وإيران تتصرف وكأنها ولي أمر العراق، وكأن العراق منطقة نفوذها بامتياز! خامنئي يحدّث كبار المسئولين العراقيين وكأنه هو quot;المرشد الأعلىquot; للعراق. إنه مرة يطلب منهم كتابة دستور إسلامي، ومرات يلح على وجوب انسحاب أميركي عاجل متذرعا بأن وجودها خطر على إيران، وها هو يكرر النغمة نفسها في لقائه برئيس جمهوريتنا؛ هذا بينما إيران راحت تحصد المغانم والعقود أكثر من أية دولة أخرى.
2ndash; انعكاسات الأزمة الاقتصادية وانخفاض سعر البترول:
هذا التحدي الخطير لا يجري الحديث عنه إلا لماما، ومن حسن الحظ أن بعض المسئولين المختصين قد أشاروا له مؤخرا.
الأزمة الاقتصادية، وقلة إيرادات النفط، مشكلة كبرى تتطلب الإسراع بإجراء الدراسات بين المختصين حولها والبحث عن الحلول الممكن إتباعها لجعل العواقب أقل إيلاما للاقتصاد العراقي، و لمستوى معيشة الجماهير، وهو مستوى متدهور أصلا.
إن من الممكن الاتفاق مع الاجتهادات التي ترى النهوض بالصناعة الوطنية، وبالزراعة، ومكافحة الفساد الذي بدد أكثر من 100 مليار دولار مكافحة حازمة وجادة، وإجراء تقشف عام في نفقات الدولة، وفي الرواتب العليا، وتقليص الوظائف quot;الاستثنائية كالعدد الكبير لمستشاري المالكي، وأفراد الحمايات، وتحميل المحميين جزءا من رواتب أفراد الحماية، ونعتقد إن البرلمان يجب أن ينهض لمستوى المسئولية في هذا الوقت العصيب باتخاذ قرارات تخفيض رواتب أعضائه وتحميل من يريد الحج منهم نفقات الحج. كل هذا مع النهوض حسب الإمكانات بالشرائح الاجتماعية بالأكثر حاجة، ومعالجة مشكلة البطالة، ومشاكل الأيتام والأرامل، والخدمات.
إن ترشيد الإنفاق ووضع خطة علمية عملية لمواجهة الأزمة الاقتصادية بأقل الخسائر، مهمات عاجلة وإن كانت في منتهى الصعوبة، ولكن الإرادة السياسية البصيرة، والاعتماد على الخبراء والتكنوقراط الأكفاء قادران على بلورة خطط معالجات ناجعة.
نعم، خطا العراق خطوات جيدة، ولكن المشاكل الكبرى باقية، والطائفية لا تزال وباء ينخر الجسم العراقي، والمحاصصة لا تزال قائمة، ودستورنا بحاجة ملحة للتعديل.
إن التحديات كبرى، وتستدعي رص الوحدة الوطنية وتعزيز الشعور بالمسئولية والولاء الوطنيين. الوقت ليس لصالحنا، والانتخابات النيابية ستكون المحك الحقيقي لمدى ترجمة الشعارات الوطنية والاجتماعية إلى واقع ملموس. فهل سيكون البرلمان القادم غير برلمان المحاصصات الطائفية والغياب المتكرر، وسفرات الحج الجماعية المجانية؟ هل ستكون خالية ممن يجهلون ألف باء البرلمانية الديمقراطية؟
نتمنى ذلك من القلب، ونرجو لكل القيادات الوطنية وللحكومة وللسيد المالكي شخصيا مزيدا من النجاح لصالح شعبنا ووطننا.
3 مارس 2009.