مما يجلب الانتباه كثرة الكتابة والتصريحات المتتالية عن إيران في الغرب، كما في منطقتنا، مما يدل على محورية القضية الإيرانية، من النووية وإلى الممارسات والمواقف الإيرانية في المنطقة، ويبدو لنا أن ثمة توجها إيرانيا استثنائيا لكسب المزيد من الأقلام الخارجية لتلميع النظام الإسلامي، وتقديمه كنظام منفتح لحد ما داخليا، ولا يحمل نوايا عدوانية وتوسعية، وأن النظام ليس شموليا، والشعب الإيراني ملتف حوله. ما يجري هو دعوات إيرانية لبعض الصحفيين الأميركيين والعرب ليكتبوا من طهران عن الأوضاع الإيرانية، ولكن ما يكتبونه لا يعكس بدقة وموضوعية حقيقة ما يجري داخل إيران كما نعرفه من عشرات الشهادات والدراسات والوقائع التي ثبتت صحتها، سواء عما يدور في المجتمع المدني الإيراني، أو مواقف نظام الفقيه وممارساته في المنطقة.
إن المثال الصارخ أمامنا سلسلة مقالات الصحفي الأميركي اليساري، روجير كوهين، وهو من محرري نيويورك تايمس والهيرالد تريبيون الدولية. السيد كوهين دعي لإيران، وأرسل من هناك عدة مقالات، وعاد ليواصل.
في 5 فبراير المنصرم كتب الصحفي المذكور من طهران أنه إذا فشل أوباما في التفاهم المباشر مع إيران، فلن تبقى أية مصداقية لما ورد في خطاب التنصيب عن quot;العهد الجديد من السلام.quot; إن المطلوب في رأيه تطمين النظام الإيراني بأن الهدف ليس تغييره واستبعاد حل القوة نهائيا، أي مهما تطورت الأوضاع وتدهور الموقف السلبي الإيراني. الكاتب يرفض أيضا تشديد العقوبات، فالعقوبات كما يقول، تعتبرها إيران عدوانا عليها من دول كبرى، ويقول أيضا إنه إذا كان خامنئي لا يتخلى عن النووي، فهناك احتمال أن تتغلب عليه الحكمة في الموضوع، كما فعل خميني حين وافق على وقف الحرب مع العراق بعد رفض وعناد، وإن على أوباما تذكير خامنئي بذلك المثال. مقال آخر نشره الكاتب من طهران هو عن quot;تفهم خامنئي من داخل إيرانquot;، حيث يرى الكاتب أنه إذا لم يكن خامنئي هو السلطة المطلقة والوحدانية، فإن بيديه القرار، وله حق الفيتو، وإن همومه الكبرى بحسب الكاتب هي:
1 ndash; الحفاظ على نظام الثورة الإسلامية؛
2 ndash; العدالة الاجتماعية؛
3 ndash; نصرة الشعب الفلسطيني وحل قضيته، وما دعم إيران لحماس وحزب الله إلا لهذا الغرض، وإذن فلتحل القضية الفلسطينية لتطمئن إيران!!، ولترفع عن حماس تهمة المنظمة الإرهابية. ويجب الاعتراف لإيران بحقها في التكنولوجيا والطاقة النووية.
نقول هنا: ومن لم يعترف لها بذلك يا أخانا روجير؟ المشكلة هي في مواصلة التخصيب وإنتاج الصواريخ بعيدة المدى، وحيث صارت إيران قادرة على إنتاج القنبلة النووية، كما صرح القائد العام لهيئة أركان الجيوش الأميركية. أما فلسطين، فلماذا يوافق الكاتب موقف النظام الإيراني، الذي يتصرف وكأنه هو الوصي على القضية الفلسطينية؟ أما عن العدالة الاجتماعية، فسوف نعود للموضوع عند استعراض المعلومات والحقائق الواردة في كتاب quot;رقصة الموتquot; عن الأوضاع الإيرانية، والفقر السائد، وطغيان أصحاب الامتيازات الضخمة، والفساد، ومظاهر تمرد الشباب، وتراكم السخط الشعبي، والتآكل التدريجي لسمعة الملالي، وتواصل حملات الإعدام...
مقال روجير كوهين الثالث من إيران، المنشور في 25 فبراير الماضي، معنون quot;صديقنا الذي في طهرانquot;. من يقرأ العنوان يتصور أن المعنيِّ هو خاتمي، أو فلنقل رفسنجاني. كلا؛ فالمقصود هو أحمدي نجاد، وخلاصته أن نجاد رجل قوي ومرتبط بالمرشد الأعلى، وهو الذي وجه رسالة تهنئة لأوباما، وهو أول رئيس إيراني يزور دولة الإمارات ويشارك في اجتماعات مجلس الخليج العربي. إن نجاد اتخذ خطوات لا يجرؤ على اتخاذها أي رئيس قادم، ومن ثم يجب التفاوض معه الآن، وكانت جريدة لوموند الفرنسية اليسارية قد كتبت quot; إيران قد مدت يدها للغرب.quot;
ليست القضية عندنا موضوع الشروع بالاتصالات الأميركية مع إيران في عهد نجاد، فإذا اجتهدت أميركا أن جلوسها مع نجاد أو غيره سيقنع إيران بالتراجع عن مواقفها فالأفضل الشروع بذلك فورا، وبلا انتظار انتخابات حزيران، وبشرط أن يكون للمفاوضات سقف زمني محدد، وأن لا ينتهي بصفقة انفرادية تصدع الموقف الأوروبي الغربي، وهذا ما ورد في مقالاتنا السابقة.
الكاتب يقول إنه توجد في إدارة اوباما مدرستان حول إيران: الأولى تريد الاكتفاء بمسألة التعاون حول أفغانستان، وهذا موقف مرفوض في نظر روجير كوهين، مشيرا لتصريحات هيلاري كلينتون. أما المدرسة الثانية، فهي التي تعترف لإيران بدور مركزي في المنطقة، ومن ثم يجب رفض سياسة quot;العصا الغليظة والجزرةquot;، وهو موقف دينس روس كما هو معروف..
إذن ليست القضية عندنا هي في التفاوض الأميركي مع أحمدي نجاد، بل في تزكية الصحفي للسياسات الإيرانية، وتنزيهها من النزعات والممارسات التوسعية، والتدخل في شؤون الدول العربية، كذلك في محاولة الكاتب لعرض إيران كدولة منفتحة داخليا وخارجيا، كما يكتب في مقاله ليوم 2 مارس الجاري، ومحاولة نفي كون النظام الإيراني شموليا بدليل الانتخابات، وانتشار الانترنيت، وبعض المظاهر الشبابية الجديدة في المدن الكبرى، والتي تدل على أن الجو ليس خانقا. يقول أيضا إن إيران لم تشن حرب توسع لتوصف بالدولة الشمولية، ناسيا استمرار احتلال جزر الإمارات وتجدد المطالبة بالبحرين، والتدخل في شؤون الدول العربية عموما، ومنها البحرين والمغرب، والكاتب يشير إلى أن أحمدي نجاد كان أول رئيس إيراني عرض التقارب مع مصر، فإنه ينسى الحملة الإيرانية الصاخبة الجديدة ضد مصر.
نرى أن المقالات المذكورة تعكس، لحد معين مواقف فريق داخل الإدارة الأميركية، أو لعله موقف يسار الحزب الديمقراطي، دون نسيان الاندفاع الشخصي الملحوظ للكاتب المذكور لتلميع نظام ولاية الفقيه، ولاعتبارات يفهمها هو!
لقد سبق وعبرنا عن الرأي في أنه يبدو أن سياسة الإدارة الجديدة في التعامل مع إيران لم تتبلور نهائيا بعد، وأن ثمة بلبلة ما، وأن تجاذب المواقف والآراء والاقتراحات متواصل، وثمة تساؤلات حول ما إذا كانت أولوية واشنطن هي المشروع النووي أم مجرد التعاون حول أفغانستان، وهي تساؤلات نعتقد أن كلا من كلينتون وبايدن قد أجابا عنها، وخصوصا بادين الذي كان قد صرح بأن على إيران ليس فقط وقف سباقها النووي، بل أيضا وقف دعمها للإرهاب.
إذا تركنا السياسة الخارجية جانبا، فهل صحيح أن في إيران اليوم انفتاحا اجتماعيا وسياسيا وعدالة اجتماعية، وان النظام الإسلامي ليس شموليا؟ ما هي وجهة نظر المؤلفين مهدي دادستان وجانيو في الموضوع، وماذا يقدم كتابهما من دلائل وحقائق تدحض ما ينشره الكاتب الأميركي من محاولات تلميع، وما راح ينعكس أيضا، ولحد ما، في تقارير عربية تكتب من طهران، ونشرت في بعض الصحف واسعة الانتشار هذه الأيام؟
هذا ما سنعود له في مناسبة أخرى.