-1-
أصبحت القمم العربية، التي تُعقد في كل عام، مناسبة فضائحية، لنشر غسيلنا العربي القذر أمام العالم. فبدلاً من أن ننشر هذا الغسيل القذر بسرية تامة، من خلال الرسائل، والمكالمات الهاتفية، واللقاءات الثنائية، أصبحنا نجمع كل سنة هذا الغسيل القذر، وننشره على أسطح العالم وإعلامه، لكي يكون المُصاب مُصابين، وتكون الكارثة كارثتين: كارثة الغسيل القذر، وكارثة نشره على أسطح إعلام العالم.
وهل أصبحت القمم العربية جداراً سنوياً، لحكِّ وهرش ظهر العرب، لما يتجمع عليه وفيه خلال السنة، من بثور ودمامل؟
-2-
لقد أصبحت القمة العربية، في السنوات التي تُعقد فيها، مناسبة للعرب لكي يضحكوا فيها على أنفسهم، ويؤلِّفوا فيها النكات، والقفشات السياسية، ولا شيء غير ذلك. فمنذ بدأت كرنفالات وأعراس مؤتمرات القمة، عام 1946 في انشاص بمصر، لم نقرأ أو نسمع قراراً قُممياً من قرارات القمة المهمة، ما عدا قرارات مؤتمر قمة الخرطوم، بعد الهزيمة العسكرية الكبرى عام 1967، التي قرر فيه العرب اللاءات الثلاث (لا صلح، ولا تفاوض، ولا اعتراف). ولكن هذه اللاءات، لم تلبث أن لُحست، وتفاوض، وتصالح، واعترف جزء من العرب الكبار والصغار بإسرائيل، مما هزَّ أركان هيكل القمة، ونقله من القاهرة إلى تونس.
-3-
الدليل على تفاهة مؤتمرات القمة حتى الآن، أن الأمور العربية (ماشية على ما يرام) بمؤتمرات القمة، وبدون مؤتمرات القمة. وسواء كان الحضور في مؤتمرات القمة على مستوى القمم أو على مستوى القواعد، فالنتائج تكون واحدة: تبويس لحى، وتبادل ابتسامات صفراء، وربما نشوب مشاجرات، وإلقاء تُهم، وسباب على مواضيع جانبية تافهة، وإصدار قرارات إنشائية، لا تُسمن، ولا تُغني من جوع.
فـ quot;النهضة العربية المباركةquot;، لم تتوقف حين توقفت مؤتمرات القمة عن الانعقاد، أكثر من 20 مرة منذ عام 1966 إلى الآن.
-4-
فا quot;التنمية العربية الشاملةquot; لم تتعثر نتيجة لعدم انعقاد مؤتمرات القمة في الأعوام 1966، 1968، 1970، 1971، 1972، 1975، 1977، 1982، 1983، 1984، 1986، وكذلك طيلة عشر سنوات متتالية (1991-2000). بل لقد شاهدنا أن الخصام بين الأنظمة العربية يشتد، أثناء وبعد انعقاد مؤتمرات القمة. فهل يُلام بعضهم حين أطلق على مؤتمرات القمة quot;مؤتمرات الحضيضquot;؟
فالعرب لم يلتفتوا إلى مؤتمرات، ولم يأخذوها على محمل الجدِّ، منذ انعقد المؤتمر الأول للقمة في انشاص بمصر 1946، بعد أن قامت بريطانيا بدفع العرب إلى تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، وكانت الغاية من هذه الجامعة أن يقوم الزعماء العرب بشتيمة بعضهم بعضاً أمام صحافة وإعلام العالم. وهذا ما حصل تماماً في قمة الدوحة الأخيرة يوم الاثنين الماضي. ولهذا لم يتم عقد القمة خلال العشرين سنة الأولى (1945-1966) غير مرتين فقط، كانت للسلام، وتبويس اللحى، وشرب القهوة المُرَّة.
-5-
لو كان الزعماء العرب جادين غير هازلين، وكرماء غير بخلاء، وصادقين غير كاذبين، وأسوياء غير دجالين، وعقلانيين غير مشعوذين، لقاموا في السنوات الماضية، بالبدء فوراً في تشكيل صندوق عربي، لإنشاء آلاف المدارس الحديثة، ومئات المستشفيات العصرية، واستصلاح آلاف الأفدنة من أجل زراعتها بالقمح والحبوب الأخرى الضرورية في العالم العربي الفقير. وإعطاء سعر خاص لبرميل البترول للدول العربية الفقيرة، أو دعم سعر البترول على الأقل. فلا يجوز أن يظل هذا التفاوت الكبير بين مداخيل الدول الغنية والدول العربية الفقيرة، الذي ولّد الآن حقداً دفيناً، والذي سيولّد غداً ثورات الجوع الذي بدأ يكتسح مناطق كثيرة من العالم العربي. فعندما يرى العربي في الدول الفقيرة أن معدل دخله السنوي لا يزيد عن ألف دولار، بينما معدل دخل الفرد في جيرانه من الدول العربية الغنية يزيد على 15 ألف دولار سنوياً، دون تعب، أو شقاء، أو جهد، أو علم، أو معرفة، أو بحث، وإنما هي هبة السماء، فسيثور. وليس هناك ثورة أعتى وأقسى من ثورات الجياع. وتذكروا ما حصل في فرنسا عام 1789.
السلام عليكم.