تعتبر اجتماعات قمة العشرين حدثا بارزا خلال هذه الأزمة مقارنة بما حدث في الأزمة السابقة للانهيار الكبير، عندما قرر المجتمع الدولي العمل المشترك في قمة quot;بريتون وودزquot; التي أسست لصندوق النقد والبنك الدوليين، في العام 1945 أي بعد عقد ونصف من اندلاع الأزمة. في ما يلي أهم نتائج قمة مجموعة العشرين الأخيرة، حسب البيان النهائي للقمة المنشور على الموقع الرسمي (www.londonsummit.gov.uk) وتعليقي عليها:

1.اعتماد سياسة إنعاش اقتصادي (أي التوسع في الإنفاق الحكومي) لبلوغ 5 آلاف مليار دولار بنهاية 2010
لقد بدأت إدارة الرئيس الجديد ببرنامج إنفاق حكومي بقرابة 800 مليار دولار، كما قامت حكومات الصين وبريطانيا واليابان باتخاذ إجراءات مماثلة. والهدف كما ورد في البيان هو رفع النمو الاقتصادي ليبلغ 4%. لكن السؤال يبقى عن إمكانية تحقيق هذا الهدف، وهو ما يقودنا إلى جدوى توسع الإنفاق الحكومي في إنعاش الاقتصاد.
تقوم الفكرة أساسا على المضارب quot;rsquo;Multiplierquot; بناء على تحاليل الاقتصادي البارز quot;لورد كينزquot; في فترة أزمة الثلاثينات من القرن الماضي. وتقوم هذه النظرية على فرضية أن رفع الإنفاق الحكومي بــمقدار 100يؤدي في نهاية المطاف إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من مائة لان إنفاق هذه الأموال في المرحلة الأولى سوف يشجع المؤسسات على استثمار جزء منها فيرتفع دخل المؤسسات التي تنتج لتلبية طلبات المستثمرين، كما أن دخل العمال الجدد الذين يتوجب تعيينهم يعزز الطلب على السلع والخدمات، مما يشجع المؤسسات المنتجة على مزيد الإنتاج والاستثمار. وتتواصل الحلقة إلى ما لا نهاية، مما يؤدي إلى نمو اقتصادي ما كان ليحصل لولا اتخاذ الحكومة للخطوة الأولى بالإنفاق في وقت عجز فيه القطاع الخاص على القيام بذلك.

حسب تقديرات بعض المتحمسين لهذه النظرية، يبلغ المضارب حوالي 1،5 في الولايات المتحدة الأمريكية، أي أن زيادة الإنفاق الحكومي بــ 100 يؤدي إلى زيادة إجمالية للناتج بحوالي 150. ومن المهم التنويه إن توقعات خلق 3.6 مليون وظيفة الذي أعلن عنه الرئيس اوباما يقوم على أساس أن 1% نمو يؤدي إلى خلق حوالي مليون وظيفة، كما أعلنت عن ذلك رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض البروفيسور quot;كريستينا رومرquot;، لكن السؤال الأهم هل سوف يؤدي إنفاق الحكومة الأمريكية 800 مليار دولار إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 3.6% الضروري لخلق هذه الوظائف؟
قد لا يكون الأمر كذلك. على سبيل المثال، يرى الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد quot;Gary Beckerquot; إن المضارب يقل عن 1 حسب نظره، أي أن زيادة إنفاق الحكومة بــ 100 يؤدي في النهاية إلى زيادة ناتج الدولة ككل بأقل من 100. وفي تقديري الشخصي إن المنادين بسياسات الإنعاش الحكومية يبالغون في حظوظ نجاحها لسببين. أولا، يكلف جمع الموارد المالية الحكومة حوالي 30% في الدول المتقدمة وأكثر من ذلك في الدول النامية، أي أن إنفاق الحكومة لمائة يكلف المجتمع حوالي 130(يتم انفاق الفارق على ادارة الضرائب). وثانيا غالبا ما تغلب الاعتبارات السياسية على توجيه الإنفاق الحكومي فتنعدم الجدوى، كما لا يوجد مبرر للإنفاق الحكومي على الأقل في المجالات التي يمكن للقطاع الخاص أن يساهم فيها بصفة فعالة مثل النقل والطاقة وخدمات الصحة والتعليم العالي... وبالمناسبة، لقد سبق أن اعتمدت الحكومة اليابانية على الإنفاق لمواجهة الركود خلال عقد التسعينات من القرن الماضي دون جدوى، ولا أرى من المحتمل أن تنجح الدول المتقدمة اليوم فيما فشلت فيه اليابان بالأمس.
2.اعتماد المصارف المركزية لسياسات نقدية توسعية، بما فيها ما يسمى بالسياسات غير التقليدية، بما أن المجال محدود لمزيد التخفيض في سعر الفائدة التي تقارب الصفر في الوقت الحاضر.
قد تكون مثل هذه السياسات أفضل ما هو متوفر حاليا إذ تعمل المصارف المركزية جاهدة على ضخ السيولة في مؤسسات هي في أمس الحاجة إليها، لكن توفر السيولة لدى المصارف قد لا يحل المشكلة عندما تتردد عن الإقراض نتيجة حالة عدم اليقين في استرداد الأموال أو عندما لا يكون هناك الطلب الكافي من الأفراد والمؤسسات.

3.إنشاء quot;مجلس الاستقرار الماليquot; للتنبيه من المخاطر التي قد يتعرض لها القطاع المالي ككل، وإعادة صياغة الرقابة في شان ملاءة رأس مال البنوك والحد من الاقتراض المفرط quot;Leveragingquot; وتوسيع الرقابة لتشمل صناديق لتحوط quot;هادج فاوندسquot;
لقد أثبتت التجارب أن هيئات الرقابة غالبا ما تفشل في مهمتها نظرا لقدرة المؤسسات المالية على الإفلات من القيود بطريقة أو بأخرى. لذلك فالأفضل اتخاذ إجراءات بسيطة وسهلة التنفيذ مثل رفع نسبة ملاءة رأس المال كلما زاد هذا الأخير، مما يحد من ظاهرة المؤسسات المالية العملاقة التي تهدد سلامتها سلامة القطاع المالي ككل. ويمكن أيضا فرض ضريبة على الاقتراض قصير الأجل مما يضطر البنوك إلى البحث عن موارد طويلة الأجل، تتناسب مع احتياجاتها في تمويل المشاريع الاقتصادية.
4.رفع موارد صندوق النقد الدولي إلى حدود 750 مليار دولار ومساعدة بنوك التنمية متعددة الأطراف كي تبلغ تمويلاتها للدول الأعضاء حوالي 100 مليار دولار.
لقد أثبتت التجربة أن حظوظ نجاح الإصلاح الاقتصادي تتحسن عندما تنطلق برامج الإصلاح من الداخل. لكن الظروف الاستثنائية الحالية تفرض وجود مثل هذه التسهيلات، والمأمول أن تخطوا الدول الخليجية الأخرى حذو السعودية بالمساهمة في زيادة موارد صندوق النقد الدولي بما في ذلك رفع مساهماتها في رأس مال المؤسسة، مما يزيد من حقوق التصويت لديها ويعزز قدرتها على المساهمة في اتخاذ القرار.

5.الالتزام بعدم اللجوء لمزيد الإجراءات الحمائية في مجال التجارة الخارجية وحركة رؤوس الأموال، خصوصا إلى الدول النامية، والعمل على إنجاح مداولات الدوحة في شان تحرير التجارة العالمية.

مثل هذا الالتزام ضروري إذ ان احد عوامل الانهيار الاقتصادي في الثلاثينات من القرن الماضي يتمثل في لجوء الدول إلى الحمائية. من أهم المقترحات القابلة للتطبيق الفوري ما ورد في quot;وول ستريتquot; بتاريخ 1 ابريل الجاري عن ضرورة فتح أسواق الدول المتقدمة لواردات الدول الفقيرة، ومن طرف واحد. للأسف ما يلاحظ حاليا لا يتماشى والالتزام المعلن. على سبيل المثال، أدى حظر الشاحنات المكسيكية من السير ببضائعها داخل الولايات المتحدة الأمريكية إلى رد فعل المكسيك برفع التعرفة الجمركية على 89 منتجا أمريكيا... كما ورد في تقرير أخير للبنك الدولي إن دول مجموعة العشرين قد انتهجت 47 سياسة من شانها تقييد التجارة الخارجية، مما يشكك في مصداقية إعلان لندن الأخير. وعلى الدول النامية أن تدعم موقف الرئيس البرازيلي بمناهضة أية دعوة إلى العودة إلى quot;الحمائيةquot;، كما يمكنها توحيد مواقفها عند العودة لمداولات الدوحة لتحرير التجارة العالمية.
كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي وخبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن
[email protected]