أعلن السيستاني موقفه الصارم من قضية الحكم في العراق عندما صرح بكل وضوح، إن الحكم في العراق يخضع لمعايير الأكثرية السياسية وليس الطائفية أو العنصرية، وبهذا يكون السيد علي السيساني قد أرسى لبنة جديدة في صرح العملية السياسية العراقية على أساس ديمقراطي واضح وسليم، يتجاوز نغمة التصنيف الطائفي والقومي، مؤكدا دور الفرد كمواطن أولا، في نطاق الحفاظ على الوحدة الوطنية، والتماسك الاجتماعي ، وهو موقف يعد ضربة موجعة لدعوات التشضية والتقسيم والتصديع الاجتماعي بحجة وأخرى.
هذا الموقف من المرجع الديني الشيعي الأعلى حسب تصنيف (الأكلورسية) الشيعية لا ينفصل في الحقيقة عن مجمل مواقفه التي سجلها بجلاء في أكثر من مناسبة، وهو يجيب على الأسئلة التي توجه إليه من أتباعه ومقلديه في إيران والعراق والبحرين والكويت، حيث كان يرشح مبدأ الانتخابات والحراك الاجتماعي المتواصل مع الآخر (السني، المسيحي، المندائي، العلماني hellip;)، مما يركز ويشيد لمجتمع مسلم متطور، يتماشى مع مباديء حقوق الإنسان بشكل عام، وهو الموقف الذي لا ينفصل كذلك عن رفضه لكل أشكال العنف في الرد أو معالجة ما يتعرض له أتباعه هنا وهناك، الأمر الذي جعل منه حقا رمز سلام واعتدال وعقلانية.
المجتمع المسلم اليوم يتعرض لعملية تشطير مذهبي مخيف، وسواء كان ذلك بتخطيط أو نتيجة جهل وتصادم مصالح وسوء فهم، أو بسبب كلا الأمرين، فأن الأمر يدعو حقا كل المخلصين من علماء الأمة وفقهائها أن يطرحوا هذه الحقيقة المرّة على طاولة البحث الجاد، والمنتِج، وممّا لا ريب فيه إن مثل هذه المهمة تستوجب حضور أصحاب التأثير الكبير في ضمير الناس، وقلوبهم، وعقولهم. والسيد علي السيستاني يمتلك حضوره المؤثر والواسع ليس في صفوف المسلمين الشيعة وحسب، بل في العالم الإسلامي كله، وعندما يزور أمين عام المؤتمر الإسلامي السيد السيستاني، كذلك ممثل عن حكومة البحرين، كذلك ممثل الأمم المتحدة المختص بشؤون العراق، ويستمزجون رأيه ومواقفه من قضايا كبيرة ومهمة، مثل مستقبل الوضع السياسي في العراق، وطبيعة العلاقات التي يجب أن تكون بين المسلمين جميعا، وغير ذلك، إنما هو لدليل الحضور العميق لهذه الشخصية.
ليس هناك أطروحة واضحة للسيد علي السيستاني في عمله الإصلاحي وقراره السياسي، ولكن يمكن أن نستشف الخطو ط العامة لذلك من خلال مواقفه وفتاواه السياسية وتصريحاته الصريحة والمقتضبة للمسؤولين ممن يلتقي به، بأن الرجل لا يؤمن بمشروع ولاية الفقيه، ولا يؤمن بحكم الأكثرية المذهبية، ولا يؤمن بتدخل رجل الدين في السياسة، وإن الوحدة الإسلامية مطلب ليس ضروريا، بل هم من صلب الإسلام، ويرفض منطق الأقليات، فالكل وطنيون، وبالتالي، يكون السيد علي السيستاني طرح مشروع الانفتاح على المسلمين السنة بشكل غير مباشر.
إني أدعو علماء المسملين فيالخليج ومصر والمغرب العربي وكل بلدان العالم السني إلى فتح قناة حوار جادة ونشطة مع السيد علي السيستاني، من أجل قراءة جديدة وواعية لحال هذه الأمة المبتلاة بالتجاذب والتنافر الطائفي، وذلك بسبب الجهل وانعدام الثقة المتبادلة تحت ضغط التاريخ الذي ولى ومضى، حيث برهن الرجل على نزعته العلمية الواعية في اتخاذ المواقف، وعلى حرصه الشديد تجاه وحدة المسلمين وبالتواصل مع كل أبناء الأديان الأخرى، بلا تمييز، وبلا تحيز، وبالتالي، هي فرصة ذهبية لأتخاذ مثل هذه الخطوة الجبارة، وإصرار الرجل على أن الحكم في العراق هو حكم الأغلبية السياسية التي تحددها صناديق الأقتراع، وليس حكم طائفة حتى وإن كانت هي الأكثرية، إنما دليل وعي سياسي وديني واجتماعي بل وانساني، وهي تنم عن روح منفتحة، وعقلية جاهزة للتواصل مع الآخر على طريق معالجة هذه المفارقة الموجعة، أقصد مفارقة سنة وشيعة حيث يبدو إنها في الطريق إلى التصاعد والتوتر أكثر!
لقد عقدت الكثير من المؤتمرات بين السنة والشيعة تحت شعار الوحدة الاسلامية، ولكن لم تثمر مثل هذه اللقاءات نتائج كبيرة، وييدو أن من أسباب ذلك هو نوعية ووزن الحضور، فيما لو كان الحضور يمثل ضمير المسملين بعمق وسعة لكانت هناك نتائج أخرى.
أعود لأقول إن السيد علي السيستاني مشروع وحدوي، فما على أهل الحل والعقد سوى الاستفادة من هذه الفرصة الثمينة.