جاءتنى إبنتى ذات الستة عشر ربيعا وقالت لى أن مدرستها تحتفل بيوم المحاربين القدماء فى أمريكا وأن مدرستها طلبت من الطلاب أن يكتبوا نبذة عن أحد أقرابائهم أو أقربائهن الذين شاركوا فى الحياة العسكرية، وسألتنى إن كانت لى خبرة عسكرية، فقلت لها لى خدمة عسكرية ولكن فى الجيش المصرى حوالى ست سنوات، ولم أخدم فى الجيش الأمريكى، فسألت مدرستها عما إذا كانت خبرتى quot;كمحارب قديمquot; يمكن أخذها فى الإعتبار بالرغم من أننى قد خدمت فى الجيش المصرى ولم أخدم فى الجيش الأمريكى، فقالت لها المدرسة أنه لا فرق، المهم هو تكريم المحاربين القدماء، وبناء عليه قامت إبنتى بعمل تحقيق صحفى عن حياتى العسكرية وأعطيتها بعضا من صورى بالزى العسكرى، وقامت بتقديمها إلى المدرسة ونالت درجة عالية على تقريرها، ثم عادت وسألتنى: هل تعرف صديقتى (تامى) فقلت لها: طبعا أعرفها، فقالت لى: هل تعرف أنك كنت تحارب ضد والد (تامى) أثناء حرب أكتوبر عام 1973، وكان هو على الجانب الإسرائيلى وأنت على الجانب المصرى؟!! والآن (تامى) من أفضل صديقاتى، هل يعطيك هذا شعورا بالتفاؤل لمستقبل السلام؟ أن بنات أعداء الأمس أصبحن أفضل أصدقاء؟ فقلت لها: بالطبع هذا يعطينى أملا، لأن السلام هو الطبيعى والقاعدة وأن الحرب هى الإستثناء،وأن السلام يعنى الأمان والتنمية والحرب تعنى الدمار والقتل، وأن تحيتنا هى quot;السلامquot; عليكم كما أن تحية (تامى) وأبو تامى هى quot;شالومquot; وتعنى أيضا السلام، وقد ولدت (تامى) فى مدينة إيلات وهى على مرمى البصر من مدينة طابا المصرية، وهاجر والداها من إسرائيل تطلعا إلى حياة أفضل وأكثر أمنا، وتصادف أنهم أصبحوا جيرانا لنا نحن الذين هاجرنا من مصر، وتبادلت تامى وإبنتى الصداقة تخرجان سويا وتبيت تامى أحيانا فى بيتنا كما تبيت إبنتى أحيانا فى بيتهم خلال عطلات نهاية الإسبوع، ولم ألاحظ أن تامى تتآمرعلى إبنتى لتحويلها إلى عميلة صهيونية أو لتوظيفها فى الموساد أو وضع السم البطئ المفعول فى أكلها، كما لم تحاول إبنتى إدخال تامى إلى الإسلام أو تفجير بيتها بحزام ناسف!!
فهذا هو مفهومى للسلام، هو أن نعيش معا ونحترم معتقدانتا بالتبادل ونذهب معا إلى السينما معا وندعو بعضنا البعض لأفراحنا كما نشارك أتراحنا، السلام هو طريق ذو إتجاهين، ولكن عندما يعتقد كل طرف أن السلام هو طريق ذو إتجاه واحد (هو إتجاهه فقط) ساعتها لا بد أن يفشل السلام، وقد حفزتنى خطبة نيتنياهو الأخيرة لتوضيح موقفه من السلام لكى أبحث فى الفرق بين مفهوم السلام العربى والسلام الإسرائيلى.
معظم العرب المتطرفون من القومجية والإسلاموية يرون أن أفضل حل للسلام هو أن يرحل اليهود عن أرض فلسطين ويرجعون من حيث أتوا، وعندما تقول لهم أن هذا غير ممكن، لأن هناك أجيالا قد ولدت ونشأت وتربت فى إسرائيل ولا تعرف غير إسرائيل وطنا، وأن محاولة طرد خمسة ملايين يهودى من أرض فلسطين القديمة هو أمر خيالى، ولا يماثله فى الخيال سوى إسترجاع قرطبة عاصمة الأندلس، وأن هناك تغييرا حقيقيا فى ديموجرافية فلسطين، ولا سبيل إلى تغييرها، يقولون لك أن الصليبيين قد مكثوا فى بيت المقدس لأكثر من أربعمائة سنة حتى طردهم صلاح الدين الأيوبى، ونحن فى إنتظار صلاح الدين الأيوبى آخرلتحريرفلسطين لأنها وقف إسلامى!!
وعلى الجانب الآخر يعتقد اليمين الإسرائيلى المتطرف ويمثله حزب مثل quot;شاسquot; وquot;إسرائيل بيتناquot; أنه لا عودة للاجئين الفلسطينيين وأنه على العرب الفلسطينيين الرحيل عن أرض الميعاد فهى وقف يهودى!!ويمكنهم الإقامة لدى إخوانهم عرب الصحراء أو عرب المياه أوعرب البترول!
ودائما وأبدا كانت كل محاولات السلام تتكسر على صخرة التطرف من الجانبيين وقد قتل التطرف الإسلامى أنور السادات كما قتل التطرف اليهودى إسحق رابين.
هذا عن الجانب الكاره للسلام فماذا عن الجانب المحب للسلام مثلى؟ أنا أحلم أن أرى سلاما بين العرب وإسرائيل مثل السلام وعلاقة الصداقة التى أراها بين إبنتى وبين (تامى)، ولكن هناك شرط هو أن يكون سلاما ذا إتجاهين بمعنى أن يحظى الفلسطينيون بحقوقهم فى الأرض كما أن يحظى الإسرائيليون بحقهم فى العيش بسلام. ونأتى هنا لتفسير كلمة الحقوق الفلسطينية وحق العيش بسلام لإسرائيل وتتلخص فى الآتى فى تقديرى (وهى إقتراحات قد لا تحقق رغبات كل طرف، ولكنها أفضل الممكن):
أولا: حصول الفلسطينيون على دولة مستقلة ذات سيادة، لها سيادة على أرضها وجوها وبحرها، دولة غير محاصرة كما أرادها نتينياهو فى خطابه الأخير.
ثانيا: حق المواطنة لجميع الفلسطينيون سواء فى المهجر أم فى المخيمات أم تحت الإحتلال.
ثالثا: حق العودة لفسطينييى المخيمات لمن أراد العودة، وتعويض من يرفض العودة ويقبل الحصول على جنسية بلد المخيمات مثل الأردن ولبنان.
رابعا: باقى فلسطينيى الشتات ومن يرغبون فى العودة والإستقرار فى فلسطين، يتم توطينهم فى فلسطين الجديدة والمستقلة.
خامسا: إنسحاب إسرائيل من كافة الأراضى الفلسطينية التى إحتلتها فى أعقاب حرب 1967 وإغلاق كافة مستوطنات الضفة الغربية، بإستثناء بعض المستوطنات الملاصقة لأراضى دولة إسرائيل، والتى يسهل ضمها إداريا وسكانيا وجغرافيا لدولة إسرائيل بدون تقطيع أوصال الضفة العربية.
سادسا: مقابل موافقة الفلسطينين على الإبقاء على هذا العدد المحدود من المستوطنات، يتم ضم شريط من الأرض لربط الضفة بقطاع غزة، لأنه لن تقوم لفلسطين الجديدة قائمة طالما ظلت الضفة منفصلة عن غزة.
سابعا: الإبقاء على القدس مدينة موحدة ويتم إدارتها تحت إدارة دولية، ويتم تخيير سكانها من العرب واليهود على السواء بالحصول على الجنسية الفلسطينية أو الإسرائيلية أو ربما يسمح لهم بالحصول على جنسية مزدوجة.
ثامنا: يمنع كلا من فلسطين الجديدة وإسرائيل من إعتبار القدس عاصمة لأى منهما، لأنها دولة موحدة تحت إدارة دولية.
تاسعا: يتم وضع قوات دولية بين حدود الدولتين لمراقبة تهريب أى أسلحة أو إرهابيين، وحتى إذا تمت أعمالا إرهابية من أى جانب، فيجب ألا نضحى بالسلام من أى أجل بعض المهاويس.
عاشرا: يجب عدم ربط حل القضية الفلسطينية بتحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل، لأن هذا قد يحدث فى القرن القادم، ولا أعتقد أنه من مصلحة الفلسطينيين الإنتظار حتى القرن القادم.
عاشرا: تقوم الدول الكبرى وفى مقدمتها أمريكا وحلف الناتو بحماية أمن وسلامة كلا من إسرائيل وفلسطين ضد أى إعتداء من أى نوع.
حادي عشر: التنمية والوظائف هما أفضل وسائل للقضاء على الإرهاب، وتحتاج الدولة الجديدة إلى مليارت الدولارات للتنمية...

وقد يأتى يوما يصطحب فيه إبن أو حفيد إسماعيل هنية إبنة أو حفيدة نتينياهو إلى سينما فى القدس الموحدة، ربما أكون حالما، ومن لا يصدقنى يأتى لمشاهدة إبنتى وصديقتها (تامى) عندما يذهبان إلى السينما سويا فى عطلة نهاية الإسبوع القادم.
[email protected]