نجح المالكي في انتخابات المحافظات نجاحا كبيرا لرفعه شعارات مدنية ووطنية عامة، ولإدانته، مرة بعد أخرى، للطائفية ونظام المحاصصة الطائفية.
لقد برهنت مواقف وممارسات هذا الإتلاف الحاكم منذ قيامه، على الفشل في إدارة الدولة، وانتشار الفساد خلال حكمه في كل المفاصل وبمختلف الأشكال، وهدر المليارات، ووصول الفساد حتى للجيش، كما صرح المسئولون العسكريون الأميركيون في أواخر الشهر الماضي بالقول نصا: quot; إن القوات العراقية تضم آلاف الجنود الوهميين.quot; ومع هذا الإتلاف، وفي عهده، انتشر التقوقع المذهبي، بالمذهبين السني والشيعي، وتوسع النفوذ الإيراني ليشمل كل المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والدينية، وصارت الشركات الإيرانية صاحبة النصيب الدسم من العقود، وآخرها عقد بمبلغ 40 مليون دولار في كربلاء باسم ترميم ما يحيط بالمراقد المقدسة، كما منحت عقود البناء في البصرة وعقود بناء المدارس العراقية، ألخ. وإيران راحت تفتح قنصلية بعد أخرى، من كردستان لبغداد والبصرة والنجف وكربلاء، وتحت ضغوطها يجري التضييق المستمر على مجاهدي خلق في معسكر أشرف خلافا لاتفاقية جنيف. العالم يضج إدانة للقمع الراهن في إيران، والذي هدد خامنئي للتو بتصعيده، منذرا المتظاهرين بقوة، فنفذ وعيد، مغرقا ساحات إيران بالدم. أما بعض المسئولين في المجلس الأعلى، فيصرحون: quot; إن إيران تفتخر لأنها غيرت عشرة رؤساءquot;، وكأن كل تلك الانتخابات كانت ديمقراطية!!؛ ويصرح وزير الخارجية بأن quot;عدم الاستقرارquot; في إيران موضع قلق العراق.
لقد خسر المجلس الأعلى كثيرا في الانتخابات الماضية لاستمراره في رفع الشعارات الطائفية، وراح بعض قادته يدعون بعد الانتخابات إلى شرعية quot;حاكمية الشيعةquot;، أي حاكمية أحزاب الإتلاف، كما قال القبانجي، الرجل البارز في المجلس المذكور.
إن مشروع إعادة وتفعيل الإئتلاف، ولكن ربما بتسميات جديدة، هو مطلب المجلس الأعلى بعد الانتخابات مباشرة لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة ولغرض العودة لاحتكار مفاصل الدولة، بينما كان المالكي واضحا في عزمه على تشكيل إتلاف وطني عام، يتجاوز الحدود المذهبية والعرقية، وكان موقفه هذا موضع ترحيب وطني عام، ولكن إيران بدأت تضغط بقوة لدعم مشروع المجلس، وجاء علي لارنجاني للعراق خصيصا لهذا الغرض.
لقد كان مأمولا أن يواصل السيد رئيس الوزراء موقفه، ولكن يظهر مع الأسف، [هذا إذا كانت قراءتنا للأخبار دقيقة]، بعد زيارة المالكي الأخيرة لطهران، بأن الأمور تسير في غير هذا المنحى، وها هو يستجيب لمشروع المجلس، ولكن بتعديلات وبشروط، ولكننا لا نعتقد أن ذلك سيجعل الإئتلاف quot;الجديدquot; جديدا تماما من حيث الأساس، لأن مؤسسيه هم نفس القوى الحزبية من المذهب الواحد، ونفس الشخصيات التي ساهمت في قيامه، مع احتمال ضم بعض الشخصيات الجديدة، أو حتى بعض المنظمات الصغيرة التي ليس لها النفوذ الكافي لتغيير الطبيعة الطائفية للتشكيلة الجديدة.
إن عودة الإتلاف لغرض الانتخابات القادمة تعني ترسيخ الطائفية السياسية، الشيعية والسنية على السواء، وتعني ضربة أليمة لشعارات المواطنة وسيادة القانون، وإضعاف الأصوات المنادية بنبذ المحاصصة، والمطالِبة بوجوب اعتماد معايير الكفاءة والمهنية والتجربة والحس الوطني في التعيين والترقية؛ وهي الشعارات والمطالب التي التف حولها المواطنون في الانتخابات الأخيرة، فنكون أخيرا وquot;كأننا لا رحنا ولا جينا!quot;
إن ما يحتاجه العراق هي نقلة سياسية نوعية كبرى نحو الخيار الوطني الديمقراطي، وقيام الاتفاقات السياسية على أسس بعيدة عن التحيز والتقوقع المذهبيين والعرقيين.
إن العراق مقبل على مرحلة جديدة بعد الانسحاب الأميركي، قد تكون شديدة الدقة أمنيا بسبب وجود شبكات للقاعدة وفلول صدام، واستمرار التدخل الإيراني المؤهل للازدياد مع الانسحاب فيما لو ظلت نفس السياسات الممالئة لإيران والخاضعة لضغوطها.
نعم، العراق بحاجة إلى انتخابات برلمانية لا تخضع للمعايير نفسها التي تمت بها الانتخابات البرلمانية السابقة، وإلى قيام حكومة وطنية لا تقوم على المحاصصة، بل يتم اختيار أعضائها على أسس الكفاءة، والولاء التام أولا للعراق ووحدته وسيادته وللمبادئ الديمقراطية.
إن السيد المالكي مدعو للتأمل جليا في هذه القضية الشائكة جدا والحافلة بالمخاطر، وإلى رفض الضغوط الإيرانية، والبحث عن دعم القوى الديمقراطية وكل القوى العلمانية والمجتمع المدني، كما هو مدعو لعدم المبالغة في قدرة القوات العراقية على القضاء على الإرهاب لوحدها، وبدون القوات الأميركية، وأن لا يجعل من خروجها من المدن quot; انتصاراquot; وطنيا باهرا، فهذه القوات حليفة القوات العراقية، وإن أطراف الإتلاف، وكل أطراف الحكم، مدينون لتضحيات الجنود الأميركيين بالتحرر من صدام وبلوغ السلطة/