quot;يا إلهي السرمدي! أي عالم هذا الذي أري انبلاج فجره، لماذا لا يسعني أن أغدو شابا من جديد؟quot; (إرازموس)

هذه العبارة هي لسان حال الكثيرين اليوم ممن تخطو مرحلة الشباب علي امتداد العالم العربي والإسلامي، وهم يتابعون (بإعجاب) كيف يتغير العالم ndash; خلافا لمعظم التوقعات - من حولهم، كيف تسقط الإيديولوجيات والسرديات الكبري والتابوهات، كيف يقود الشباب بفكره وأدوات عصره : مسيره النهضة والحداثة؟.
ما نشاهده اليوم في إيران عبر شاشات التلفزيون والكومبيوتر والمحمول أكبر من مجرد احتجاجات غاضبة علي نتيجة انتخابات، وأصغر من الثورة الشاملة علي نظام الملالي في إيران، حتي ولو ردد المتظاهرون quot;الموت لخامئنيquot;. إن ما نشاهده في تصوري هو بداية الفصل بين الديني والسياسي في منطقة الشرق الأوسط.
فإذا كان التداخل بين الديني والسياسي صبغ التجربة الإنسانية منذ آلاف السنين، قبل أن تضعه الحداثة الغربية موضع التساؤل والمساءلة، حسب quot;جورج بالانديهquot; في دراسته لعلاقة الدين بالسلطة، حيث quot;المقدسquot; حاضر دائما في صلب السلطة، فإن شيوع قيم الحداثة في عصر العولمة، التي تفصل ما هو ديني عما هو سياسي، أو بالأحري فإن (عولمة الحداثة) بفعل ثورة الاتصالات والإعلام، خاصة في العالم العربي والإسلامي، سلطت الضوء بقوة علي الموقف السكوني للتقليد الديني، الذي جعل المقدس حاضرا في هذه البقعة من العالم - ولم يبارحها أبدا - حضورا يتعالي علي العصر واستحقاقاته المتجددة، رافضا أن يلوث نفسه بالواقع وضروراته المتغيرة.
ويمثل العام 1997 ndash; في تصوري - بداية النهاية لهذا الزواج الكاثوليكي بين الديني والسياسي في إيران، بوصول الرئيس السابق محمد خاتمي للسلطة للمرة الأولي، بفوز ساحق علي مرشح المرشد الأعلى quot;علي أكبر ناطق نوريquot;، معبرا عن تيار عريض يدعو إلي الإصلاح وquot;التغييرquot;.
ويبدو أن فك شفرة ما يحدث الآن، وما سوف يحدث في المستقبل، يكمن في كلمة quot; الإصلاح quot; ذاتها، فطبيعة المعتقدات أو الدُوجمات هي طبيعة استاتيكية ساكنة وليست طبيعة ديناميكية ثائرة. وما يظن أنه دينامية ثائرة في نطاق المعتقدات إنما هو في الواقع حرب وتطاحن داخل المعتقد الواحد.
وحتى إذا انقسم المعتقد الواحد إلى شيع وطوائف، فإن ذلك لا يدخل في نطاق quot;الإصلاحquot; بل يدخل في نطاق الانقسام والفصل والاستقلال. فقد أدت ثورة رجال الإصلاح الديني في أوربا عصر النهضة أمثال: quot;مارتن لوثرquot; (1483 ndash; 1546) وquot; كالفن quot; (1509 ndash; 1564)، وquot;زوينجليquot; (1484 ndash; 1531)، وquot;سيرفيتوسquot; (1511 ndash; 1553)، وغيرهم، إلى الانقسام داخل العقيدة المسيحية الواحدة (الكاثوليكية = الجامعة) ولم يعمل ذلك على تقدم المسيحية وإنما عمل على إضعافها، وإلي تطاحن وحروب بين الكاثوليك والبروتستانت (المحتجون) في أوروبا.
كذلك فعلت الفرق الإسلامية منذ صدر الإسلام، وبدلاً من أن تكون العقيدة مصدرًا للوحدة والتعاون والتناغم، أصبحت مصدرًا للانقسام والتنازع والتناحر: quot;فقد أدى الاختلاف العقدي، في التاريخ الإسلامي إلى حدوث انقسامات سياسية مزقت وحدة المسلمين وأضعفت شوكتهم. فالانقسام الخارجي الشيعي في أواخر خلافة علي بن أبي طالب، والانقسام السني الفاطمي في العهد العباسي، وما تبعه من انقسامات سنية شيعية، ثم الانقسام السني الشيعي الاثنى عشري الذي خط الحدود الفاصلة بين الدولتين العثمانية الصفوية، وغيرها من الانقسامات التي عرفها تاريخ الإسلام السياسي أدت إلى إضعاف الأمة وتبديد طاقتهاquot; (1)
ما نشاهده اليوم، حسب بالانديه quot;، هو quot;عولمة الحداثةquot; التي أثرت على ما هو خاص و محلي لحساب ما هو كوني و عالمي، إذ أن العولمة هي بالأساس عولمة وسائل الإعلام ووسائل الاتصال، التي استخدمها الشباب الإيراني بمهارة (في المراوغة والتهديف) في شباك المحافظين، أو قل أن تكنولوجيا الاتصالات تلاعبت بالاستقرار المطمئن بين الديني والسياسي في إيران، مثلما تلاعب الإمام الخوميني بها منذ وصوله إلي السلطة عام 1979، وهو ما يقلب مفهوم laquo;السلطةraquo; ذاتها رأسا علي عقب، لتصبح (خاضعة للتكنولوجيا)، فاللغة الفارسية مصنفة على أنها رابع لغة تدوين علي شبكة الانترنت، ويوجد في إيران أكثر من مئة ألف مدونة تجري دراستها بدقة بالغة في مراكز الأبحاث العالمية، باعتبارها تعكس الوجه غير المعلن للمجتمع الإيراني خصوصا شريحة الشباب.
وإذا كان هؤلاء quot;الشبابquot; هم كلمة السر فيما حدث ويحدث، 70% من سكان ايران دون سن ال 30، بإعتبارهم الأسبق علي التعاطي مع العولمة وأدواتهاrlm;، والأجدر علي الاستجابة والتقبل السريع لآلياتها وسيرورتهاrlm;:rlm; الكمبيوتر والانترنت (فيس بوك وتويتر) والمحمول (أي فون) وشبكات المعلومات المعقدهrlm;، فضلا عن ان العولمة موجهة بالدرجة الأولي إلي الشبابrlm; في العالم كله....
فما الذي يمنع شباب 2009 في إيران من تصدير ثورتهم الافتراضية والفعلية إلي الشباب العربي الذي يعادل 70% أيضا من تعداد الشعب العربي؟.. وأن ينجحوا في عصر العولمة في الفصل بين الديني والسياسي، فيما فشل فيه الأمام الخوميني قبل ثلاثين سنة، من تصدير الدولة الدينية (بالكامل) إلينا؟!
[email protected]

1 ndash; لؤي صافي: العقيدة والسياسة، سلسلة قضايا الفكر الإسلامي (11)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن، فيرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، 1996، ص 68.