1
الحديث عن الجسد ينبغي أن يكون بلغة الجسد، فالجسد لا يهمس سوى لذاته، ولا يشهق سوى ذاته، ولا يتشرِّب سوى عرقه الناري المنزلق على صفائح من لحم مشبوب بشهوته الخاصَّة....
أتحدث عن جسد وجسد، جسد هناك، وجسد هنا، والمسافة بينهما جسدية هي الأخرى، والحروف مشتقة من جسد مجهول، ربما التقيته لحظة ولكني نسيت! وهل تُنسى لحظة جسدية وهي لبنة الحياة التي تغري بالمزيد من الحياة؟ هو الآخر افتراض جسدي، لأن الجسد مجنون دائما، مهوس بالتناقض والاختلاف، وصراخه دائما على ذكرى جسدية متوترة بالحضور ولكنها تغيب بين حروف النداء الشهوية من أجل عالم عار تماما....
صخب شهوي!
أين مبتدأه؟
أين منتهاه؟
لا أحد يعرف، والجسد نفسه يتيه في هذه الفوضى، يستسلم لزمنه المحصور بين هذه الذرات من صراخ الذكريات، وملحمة التجربة الجديدة....
هناك....
الجسد الغربي....
إنّه هناك.... يبعد عنّا.... يستحق لوعة انتظارنا لأن التجربة غنية، ولأن قُبلة الفم الأنثوي في عالم الأفرنجة هذا خط مستقيم، بدايته نقطة تمد ذاتها بصلاحية الاشتداد، فتكون خطا مستقيما، ليس هناك مجموعة نقاط متتالية، بل هناك اشتداد لبداية، تتواصل حرارتها سائلة من غير فراغات ولا نقاط استراحة، تلعن اللحظة التي ولد فيها ديمقراطيس فابتدع نظرية الفراغ، القبلة بخطها المستقيم تستدير وتلف على كل ذرات الجسد الآخر، يتلّوى الخط من شدة الزحام اللذائذي بين ذرات الشفتين المتوقدتين بفن الحب، المشتعلتين بنغمة الشهوة المقصودة سلفا، تنمنم بين صرخات الجسد الآخر، كلاهما في غيبوبة تتلذذ من نغمات تتبادل الحق في الوجود!
هنا....
الجسد الشرقي....
إتّه هنا.... لا يبعد عنّا.... أليس هو عبدا مطيعا؟ أليس هو انتظار دائم؟ أليس هو صدفة ملقاة على قارعة الطريق، فإذن ليس هناك، بل هنا....
الجسد الأنثوي في شرقنا المخمور بهوى السلطة الديكتاتورية، ومخيال السيادة الحالمة، وسحر القوّة الغاشمة.... هذا الجسد الأنثوي الشرقي يسمع نداء الجسد الذكري قبل أن يسمع نداءه، ليس هناك نداء إنثوي، بل هناك استجابة لنداء ذكري، فيتشكل جسد انثوي، الجسد الذكري هنا مُضاعف، جسده الأولي ( جعْلي )، هو فيه، في ذاته، ثم هناك اكتساب يُضاف إليه، إنه الجسد الأنثوي، جسد الأنثى الشرقية، الجسد الأنثوي أُعير إلى الجسد ا لذكري في شرقنا المقدس!!
تتعامل الأنثى الشرقية مع الذكر الشرقي بما أعارته له من جسدها، بما ابتعات له من جسدها ( أجرتك، زوجتك، بعتك، وهبتك، أنكحتك، متعتك....) يتصل الذكر بالأنثى في هذا الشرق بواسطة شهوته لا شهوتها، برغبته لا برغبتها، برعشته لا برعشتها، تتراهز كي تعطي ولا تأخذ، تتلوى كي ترضي ولا ترضى، تخاف من الفضيحة، من الانكشاف، ترى هل هي حقا كائنا شهويا؟ أم هي كيس لتفريغ الشهوة المقابلة؟
الجسد الذكري يتعرّى مرّات متتابعات، يتعرى من ثيابه، ثم من وقاره، ثم من قيوده، ثم من التزاماته تجاه الجسد الأخر، فلم يعد هناك جسد كي يكون هناك التزام، بل هناك جثة!

2

لعبة التناص الجسدي مشروع جسدي غربي، تناص جسدي ساخن، ليس فيه تفاضل، ولا يمكن تحليله بلغة النقد التشريحي، اللغة التي تفصِّل بين الأصيل والمُعار، ذلك ليس هنا من أصيل أو مُعار، بل كلا الطرفين أصيل ومُعار في نفس الوقت، ليس هناك ذات وموضوع، بل هناك ذات واحدة، ليس من شك أن كل ذلك مسبوق بوعي حاد، ولكن هذا الوعي يترجم نفسه على شكل تذاوت نهائي، فتموت المسافات، وتنعدم كل محاولة للتحليل والتجزئة والتفريق من أجل الفهم أو ا لوعي، هناك آهة واحدة، وهناك صرخة واحدة، وهناك قبلة واحدة، هناك فم واحد يقبِّل ذاته، نرجسية كاملة.
نص وقاريء دلالي حصري، تلك هي العلاقة بين الجسدين الذكري والأنثوي في الشرق ( الفنان! )، شرقنا اليوم أقصد، ليس هناك تناص جسدي، بل هناك قهر جسدي، إذلال جسدي، وطأها، فضّها، نكحها، كانت تحته، دخل بها، مزّق أحشائها لانه كان ضخم الجثة....
مات الحلم....
ليس هناك جسدان متقابلان، بل جسد قاهر وجسد مقهور، هل لها أن تصرخ؟ إذن هي صاحبة تجربة سابقة، فحان وقت الرمي بالحجر!
مات الحلم....
فليس هناك تلاصق جسدي، بل هناك هيمنة جسدية، ليس هناك تلاصق جلدي، تداخل مسامي، بل هناك استعلاء جسدي على جسد ينتظر ساعة الخلاص من رغبة مجبر عليها....
مات الحلم....
آه....
تلك صرخة مريبة....
آه....
تلك صرخة تنتظر التأويل....
وأي تأويل؟
لسانها يفتش عن شريك، يمزق نظيره بسعير اللذة الحارقة، يذيق من عسيلته ذاته ونظيره، هل اللسان الآخر بريء من هذه اللعبة المشوقة النارية؟
أبدا....
فإن مبدأ الشراكة كان قد تم بعقد بدهي، صاغته تجربة الحياة الجميلة، لقد مضى وقت الفاعل والمنفعل، وباتت اللذة حق مشترك!
و.... يموت الحلم مرّة أخرى....
بل مات الحلم أساسا....
وانتهت لحظة اللقاء يتيمة، منتصر ومقهور، جسد يفتش عن كلمات عزاء وسلوة، وجسد يتمدد بشراسة وزهو، ويتعالى على لذة كانت مخيبة للأمال لأنها متكررة!
لا جديد....
التجديد يحتاج إلى ثقافة....
ثقافة الجسد....
و.... هي محرّمة....
ولكن ( بلقيس ) كانت واعية لنعومة ساقيها، بريقهما، شهقتهما، الخط اللحمي المشترك لحظة تكون الساق على الساق، وكان نبي الله يعي قيمة الجسد، ترى ماذا سيكون لو أ لتقيا؟
نشهق جميعا من فرحة الشبق....
لأنه لقاء بين جسدين يعي كل منهما الآخر تمام الوعي!