ربما كانت رئاسة محافظ مصرف إسرائيل المركزي، البروفيسور quot;ستانلي فيشرquot; لأحد أهم ندوات الملتقى السنوي الأخير لبنك التسويات العالمية (مصرف المصارف المركزية في العالم)، الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية منذ أسبوعين، مفاجئا لبعض الأطراف العربية، لكنه في حقيقة الأمر مجرد تكريم لأحد أفضل المؤهلات العلمية في الشؤون الاقتصادية و المالية في عالم اليوم.
صحيح إن كافة المحاضرين في ندوات الملتقى قد تم اختيارهم بعناية، من بينهم محافظ بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، البروفيسور quot;بين برنانكي،quot; لكن quot;ستانلي فيشرquot; أستاذ سابق لهذا الأخير و سبق له أن ترأس لجنة الإشراف على إعداد رسالته للحصول على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من معهد ماساشيوتيس للتكنولوجيا، و لذلك يبدوا أن خيار رئاسته للندوة طبيعيا.
والحقيقة إن وزير مالية إسرائيل في سنة 2005، بنيامين نتانياهو، الذي دافع بشدة عن اختيار البروفيسور quot;فيشرquot; لمنصب محافظ مصرف إسرائيل المركزي، كان يعي جيدا تبعات هذا القرار، خصوصا فيما يخص التعريف بإسرائيل في الدوائر الاقتصادية و المالية الدولية.
اشتهر البروفيسور quot;فيشرquot; بأعماله الأكاديمية كأستاذ باحث في الاقتصاد بمعهد ماساشيوسيتس حتى سنة 1988 عندما التحق بالبنك الدولي، و شغل بعد ذلك نائب رئيس صندوق النقد الدولي و منصبا مماثلا بمجموعة quot;سيتي ndash; جروب.quot;
جوبه مقترح ننتانياهو بتعيين quot;فيشرquot; لمنصب محافظ مصرف إسرائيل المركزي بمعارضة في الكنيست على اعتباره أمريكيا لم يسبق له أن أقام بإسرائيل بصفة دائمة، و إن سبق له أن قام بدور مستشار للحكومة الأمريكية لدى إسرائيل عندما اعتمدت برنامجا للاستقرار المالي في سنة 1985 بهدف السيطرة على التضخم. لكن رئيس الوزراء آنذاك quot;أريال شارونquot; استطاع السيطرة على الموقف بتمرير قرار التعيين بسهولة.
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها تعيين شخصية أكاديمية عالمية مرموقة لمنصب محافظ مصرف إسرائيل المركزي، فقد سبق و أن تم تعيين احد أشهر أساتذة جامعة شيكاغو البروفيسور quot;جاكوب فرنكيلquot; لنفس المنصب. و قد استفاد الاقتصاد الإسرائيلي كثيرا من ذلك في السنوات الأخيرة، حيث استطاع تحقيق نسبة نمو اقتصادي معقولة مع السيطرة على التضخم. كذلك هناك فوائد جانبية لا يمكن إهمالها مثل المساهمة الفاعلة في المنابر الدولية. كان هذا من أولويات نتانياهو عندما دافع بشراسة على تولى البروفيسور quot;ستانلي فيشرquot; منصب محافظ إسرائيل المركزي، و تحقق هذا الهدف بالفعل، و الرئاسة الإسرائيلية لأحد أهم ندوات الاجتماع السنوي الأخير لبنك التسويات العالمية خير دليل على ذلك.
تبقى مساهمة ممثلي الدول العربية في المنابر الدولية ضعيفة نتيجة ضعف هؤلاء الممثلين الذين غالبا ما يفتقرون للتكوين الأكاديمي النوعي الذي يتمتع به نظراؤهم الإسرائيليون و أيضا الاسياويون و من أمريكا الجنوبية. و هذا ناتج عن ضعف التعليم في الدول العربية الذي لا يترك خيارا للطلبة العرب الموفدين للجامعات في الخارج غير الالتحاق بجامعات اقل درجة من جامعات الدرجة الأولى (الجامعات العشرة الأولى في أمريكا و ما يعادلها في باقي دول العالم). و مما زاد الطين بلة عدم منح المناصب القيادية للتكنوقراط، إذ غالبا ما يتم ذلك في الدول العربية بناء على عوامل الولاء السياسي. و تقدم إسرائيل بتعيينها البروفيسور quot;ستانلي فيشرquot; لمنصب محافظ المصرف المركزي الطريقة السليمة التي يتوجب إتباعها في الدول العربية للخروج من الورطة التي وضعوا أنفسهم فيها.

كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
[email protected]