من مفكرة سفير عربي في اليابان

أشتهر الأدب العربي بقصة حب عنترة بن شداد لبنت عمه عبلة. فقد كان عنترة من أشجع فرسان قبيلة بني عبس، ومع أن عمه كان يمقته للونه الأسود، كانت عبلة هائمة في حبه لشخصيته وبسالته. وقد أبدع الممثل المصري، سراج منير، رحمه الله، في أبراز هذه الشخصية وإعطائها حقها في فلم quot;عنترة وعبلةquot;. وقد عرف تاريخ العالم الكثير من قصص الحب الأبدية، وأستمر قصر تاج محل رمزا له، وأبدع في وصف عواطفه وليم شكسبير في روايته quot;روميو وجوليت.quot; والسؤال لعزيزي القارئ: ما السر وراء هذا التجاذب الرومانسي بين المحبين؟ فهل هناك تفسير علمي لذلك؟ وهل ممكن الاستفادة من هذا التفسير في إنجاح اختيارات الحب والزواج وخفض نسب الطلاق؟
لقد تعقدت العلاقات الزوجية في عالم تكنولوجية الاتصالات والمواصلات، وفي زمن التغير اللامعقول، وترافقت بزيادة معضلاتها الاجتماعية، والتي أدت لارتفاع نسب الطلاق، لتصل لأكثر من 50% في بعض المجتمعات. وتبين الإحصائيات الاجتماعية، بأن هناك نسبة كبيرة من الزيجات الغير سعيدة، تستمر خوفا على معاناة الأطفال، أو سترا للدعم المالي. بينما تعتبر بعض الدول، التي تجاوزت مجتمعاتها حاجياتها الغريزية من مأكل ومشرب ومسكن، وتوجهت لإشباع حاجياتها الذهنية والنفسية بالسعادة، بأن الطلاق ظاهرة صحية، تخلص الأزواج من معاناة حياتهم التعيسة، وتوفر لهم فرصة جديدة لعلاقة سعيدة. وقد حاول العلماء الاستفادة من العلوم البيولوجية للمساعدة في اختيار الشريك المناسب، للوقاية من مشكلة الطلاق ومضاعفاته الاجتماعية والنفسية.
لقد ناقشت الكاتبة اليابانية ماريكو كاتو في مقالها، النمط المشترك لتوافق نجوم الحب، بصحيفة اليابان تايمز في 24 من يونيو الماضي، تطور التكنولوجية البيولوجية لاختبار فحص الشخصية، الذي قد يساعد في اختيار زيجات سعيدة. وقد قامت شركة يابانية بتطوير هذه الخدمة على شبكات الإنترنت، بحيث أن يستطيع الباحثين عن الحبيب المجهول، أن ينجحوا في الوصول إليه بعد دراسة اجتماعية نفسية بيولوجية. وقد تم تطوير هذه الخدمة بالتعاون بين علماء تكنولوجية الحب اليابانيين والباحثين الأمريكيين، برئاسة البروفيسورة فيشر.
لقد قضت البروفيسورة الأمريكية هيلين فيشر، أستاذة العلوم البيولوجية والأنثروبولوجية، الثلاث عقود الماضية في محاولة فهم التفسيرات العلمية لظاهرة الحب، وكيفية الوصول لعلاقة زواج سعيدة. وقد أكدت أبحاثها بأن القلب ليس المنبع الأساسي للحب، بل أن الحب ظاهرة نفسية بيويولوجية مرتبطة بالجزء السفلي من المخ، وتنتج إحساساته من إفراز المخ مواد كيماوية، تشبه مادة المورفين، تنعش النفس وتفرح الروح، وتؤدي لتأثيرات بيولوجية على جميع أعضاء الجسم. لقد حاولت الباحثة الأمريكية معرفة كيفية الاستفادة من العلوم البيولوجية للتحديد الكمي للوصفة التي تؤدي لعلاقة حب سعيدة ناجحة، فعلقت بالقول: quot;قد تدخل غرفة وكل من فيها متوافق معك في خلفيته الاجتماعية والذهنية، ولكنك لا تقع في حبهم جميعا، بل تحتاج للقسم الثاني من اللغز، وهو المزاج، أي كيماوية شخصية الجسم، لتختار الحبيب المجهول. فيثير تجاذب أشخاص معينين، عادة، نظام المخ للحب الرومانسي، بينما لا يكون للآخرين أي تأثير. وقد أدت الأبحاث العلمية لتصنيف البشر لأربعة أنماط من الشخصيات، وحددت الأنماط الذي تنجذب لبعضها البعض.quot;
وتؤكد الأبحاث الحب العلمية بأن الاختيارات الرومانسية مرتبطة بمواد كيماوية تفرزها خلايا المخ، والتي تحدد المميزات الشخصية للبشر، بالإضافة لعوامل نفسية، تضم الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والقيم والتعليم والدخل المالي والشكل الخارجي. وقد قامت البروفيسورة فيشر بدراسة ثمانية وعشرين ألف مواطن أمريكي، جمعتهم أنماط طبيعية من شخصيات متجاذبة رومانسيا، وقسمتهم لأربعة شخصيات رئيسية سمتهم: بالشخصية المستكشفة، والشخصية البناءة، والشخصية المفاوضة، والشخصية الإدارية. ويرتبط هذا التصنيف للمميزات الشخصية بزيادة مواد كيماوية تنتجها خلايا في الجزء السفلي من المخ تعرف بالناقلات العصبية والهرمونات. ومن أهم هذه المواد: هرمون القلق، النورأدرينالين ومادة الدوبامين، والهرمون الذكري، التستوسترون، والهرمون الأنثوي، البروجسترون، وهرمون التهدئة، مادة النقل العصبية السيروتنين. والجدير بالذكر بأن الهرمونات الذكرية والأنثوية لا يتحدد وجودها في المخ بجنس معين، بل هي مواد كيماوية موجودة بنسب متفاوتة في الرجال والنساء.
فهناك شخصيات تنجذب لبعضها البعض بوجود تناقض بين نشاطها العفوي وهدوءها التقليدي. فترتفع نسب هرمونات النشاط والقلق، النورادرينالين والدوبامين، في الشخصية المستكشفة، وتتميز هذه الشخصية بالعفوية المبدعة، وتبحث عن المخاطر، وتمتع باهتمامات واسعة، وتحاول معرفة أسرار كل شيء. بينما ترتفع نسب هرمونات التهدئة، كمادة السيريتونين، في الشخصية البناءة، وهي شخصية تقليديه حذرة، تحترم تقاليد المجتمع وتقدر قياداته. وتتميز الشخصيتين المستكشفة والبناءة بالتجاذب، لتجمع بين شخصية عفوية مبدعة مخاطرة وشخصية تقليدية حذرة. وتعتقد الكاتبة بأنه إذا أجتمع الانسجام الاجتماعي والذهني مع الانسجام البيولوجي يمكن أن تتكون علاقة حب سعيدة ناجحة، حيث تكمل الشخصية النشطة القلقة الشخصية الهادئة التقليدية.
وهناك شخصيات تنجذب لبعضها بتناقض الذكورة مع الأنوثة. فمثلا ترتفع نسب الهرمون الذكري، التستوسترون، في الشخصية الإدارية، التي قد تكون ذكر أو أنثى، وتتميز هذه الشخصية بدقة التحليل وحب المنافسة وبذهن حازم وبمهارات فراغية. بينما يرتفع هرمون الأنوثة، الأستروجين، في الشخصية المفاوضة، والتي قد تكون أيضا أنثى أو ذكر، والتي تتميز بالحدسية والعطف والرحمة، وبقدرة بلاغة التعبير، وبنظرة شمولية للواقع. وقد لاحظت فيشر، في أبحاثها، التجاذب بين هاتين الشخصيتين. وقد شاركت البروفيسورة في تطوير موقع الكتروني ياباني لخدمات فحوصات الزواج للشخصية، يقيم الشخصيات المختلفة، ليبين مدى إمكانية ناجح علاقة حب وزواج بينها.
وتعترف البروفيسورة فيشر بأن أمامها طريق طويل من الفحوصات البيولوجية والوراثية، للتأكد من توافق هذه الشخصيات المختلفة في زواج سعيد. والمشكلة التي تواجهها هي أن هذه الهرمونات تتغير باختلاف الوقت في اليوم الواحد، وفي الأيام المختلفة من الشهر وخلال الأشهر المختلفة، وبأخذ الأدوية وممارسة الجنس. كما تحاول دراسة الجينات المرافقة لكل شخصية، والتي ستحتاج لسنوات طويلة للتأكد من النتائج. وتعتقد فيشر بأن أنماط التجاذب بين البشر مرتبطة بنظرية داروين في طرق نشر مورثات quot;الدي إن أيهquot; بالتزاوج.
وتتصف الشخصيات quot;المفاوضةquot; والشخصيات quot;الإداريةquot; بمميزات مختلفة، ولكنها تكمل بعضها في التزاوج. فبينما تحتاج الشخصيات quot;الإداريةquot; لعطف الشخصيات quot;المفاوضةquot;، تحتاج الشخصيات quot;المفاوضةquot; لحزم الشخصيات quot;الإداريةquot;. كما تعتمد الأزواج quot;البناءةquot; على مميزاتها الشخصية في تربية الأطفال، بينما تجرب الشخصيات quot;المستكشفةquot; سلسلة من العلاقات المتعددة والمختلفة لتخلق جينات متعددة. وتعلق البروفيسورة بالقول: quot;لقد احتاجت الطبيعة لملايين السنين لتحقق تلك المثالية، وحينما ندرس الحب فالحقيقة ندرس شيئا أساسيا للإنسان لأن هناك اختيارات قوية ضد الأجناس الرديئة.quot; كما أنه من الممكن الجمع بين الأنواع الأربعة، وتعتمد اختيارات الشخصية على أولويات كل شخص، فهناك أشخاص أكثر مرونة، والبعض يريد شخص تقليدي الذي يشاركهم قيمهم، ومستعدين أن يقبلوا بشخص لا يشاركونهم رغباتهم.quot;
وتعتقد فيشر بأن رجال ونساء العالم يرجحون الحب الرومانسي حينما يبحثون عن شريك لحياتهم، بينما يعلق الصحفية اليابانية توكو شيرلكاوا بأن: quot;الشعب الياباني عملي حينما يختار شريك حياته، ومع أن استطلاعات الرأي للرجال والنساء تكرر بأنهم يعتمدون في اختيارهم على الشخصية، ولكن لا أعتقد بأن تلك هي الحقيقة. فالرجل الياباني يختار الفتاة الشابة الجميلة، بينما تختار المرأة رجل متمكن ماليا لدعم بيتها وأطفالها. ولو أن هناك عدد من الشباب الياباني الذين لا يرغبون في الجنس ولا في الزواج، ومشغولين بكومبيوتاراتهم وأعمالهم لبناء مستقبلهم. ومن الغريب بأن الرغبة في خلق العلاقات بين الجنسين زادت مع الأزمة الاقتصادية، ليوضح ذلك بأن الجنسيين في حاجة لبعضهما البعض أبان الأزمات، وهو منعكس لحب اللقاء على كوكبنا الأرضي.quot;
سفير مملكة البحرين في اليابان