من مفكرة سفير عربي في اليابان

يواجهه الرئيس الأمريكي، بارك أوباما، تحديات معقدة من تحالف الأحزاب الإسرائيلية المعارضة لمشروع السلام، بعد أن رفض وبجرأة في حملته الانتخابية الدعم الأعمى لهذا التحالف حينما قال: quot;هناك رأي سائد في أوساط المجموعات المؤيدة لإسرائيل، وهو أنك إذا لم تكن مؤيدا تأييدا لا يتزعزع لمواقف حزب الليكود في الصراع العربي الإسرائيلي فمعنى ذلك أنك تتبنى خطا مضادا لإسرائيل... وليست هذه في نظري الطريقة التي يمكن بها قياس مدى متانة صداقتنا لإسرائيل. وإذا لم تكن هناك إمكانية لوجود حوار أمين وجاد بيننا حول الطريقة المثلى لتحقيق أهدافنا، فلن نحقق أي نوع من التقدم.quot; وقد بدأ أوباما بمحاولة جادة بعد فوزه بالرئاسة لفرض السلام الدائم والشامل على هذا التحالف المعارض، والذي رد بخطة هجوم شرسة ضد الرئيس الأمريكي، والسناتور السابق جورج ميتشل، مبعوث الرئيس للشرق الأوسط. لقد وعى وبسرعة ملفتة للنظر الرئيس أوباما لأهمية حل الصراع العربي الإسرائيلي في استقرار الأمن والاقتصاد الأمريكي، فأصر على إنجاح عملية السلام كأحد أولويات خطط عمله بالرغم من شراسة لوبي الحكومة الإسرائيلية في الولايات المتحدة، واتفق مع الإتحاد الأوربي على أن أي مماطلة في تنفيذ اتفاقيات السلام، سيؤدي لفرضها بالقوة من خلال قرارات التقسيم لعام 1947.
وهناك خلاف حاد بين فريقين في إسرائيل حول عملية السلام، فريق يؤمن بأيديولوجية احتلال سياسية مطلقة، وفريق آخر يعمل ببراغماتية سلام واقعية نسبية. ويعتقد الفريق الأول بأنه يملك الحقيقة المطلقة، وبأن أرض فلسطين أرض مقدسة وهبها الخالق جل شأنه للشعب اليهودي، ويجب إلا يتنازلوا عن أي شبر منها، وبأي عذر من أعذار خيانة التطبيع، بل يجب الحرب لتحريرها من سيطرة الغزاة. وتتضح تصورات هذا الفريق في الصحافة الإسرائيلية من خلال كتابات تورن سيجي وجيدون لفيني. فقد انتقد الصحفي الإسرائيلي تورن سيجي الفكر الصهيوني التقليدي لهذا الفريق في صحيفة هاارتز، في الثلاثين من ديسمبر الماضي، بقوله: quot;تضرب إسرائيل الفلسطينيين لكي تعطيهم درسا، وهي النظرية التي لازمت المؤسسة الصهيونية منذ ولادتها، والتي تؤمن بأن الإسرائيليين مثل للتطور والتنوير، ومتقدمين بالمنطق والأخلاقيات، بينما العرب فهم بدائيون رعاع عنيفين، وأطفال جهلة، يجب تعليمهم وتدريسهم الحكمة بالعصاية والجزرة، كما يعامل الحمار.quot; كما فضح الصحفي الإسرائيلي جيدون لفيني سياسات هذا الفريق بعد الانتخابات الإسرائيلية، في مقال بصحيفة هاارتز في الثالث عشر من فبراير الماضي بالقول: quot;لقد أدلى الإسرائيليون ضد الذين ضللوا تفكيرهم، بأنه لا يوجد رفيق لمكالمته، وبأن الجواب الوحيد هو قوة القتل والاستيطان. فبعد سنوات طويلة من غياب معارضة اليسار، وبعد مذابح صبرا وشتيلا، وحرب غزة ولبنان، وقتل الأطفال، والقنابل العنقودية والفوسفورية، وجميع ماسي الاحتلال، لم يدفع كل ذلك اليسار للشارع. كما استغل الوسط واليمين، وكل من شارون واولمرت، أفكار اليسار ليتكلموا بلغة اعتبرت في الماضي متطرفة، ليصبح الصوت صوت اليسار، بينما كانت اليد يد اليمين.quot; كما علق لفي على الفكر الصهيوني بقوله: quot;وما هي الصهيونية اليوم؟ مفهوم مهجور انتهى عهده. مفهوم مبهم ووهمي، حدد الحلال والحرام. فهل الصهيونية تعني الاستيطان في أراضي الغير والاحتلال، وشرعنت أفعال العنف والظلم؟ فقد احتكر اليمين الصهيونية، ودولة اليهود والديمقراطية، ووافق اليسار الصهيوني على ذلك وبدون تردد، ورفض حل مشكلة اللاجئين وحق العودة والاعتراف بأخطاء 1948.quot;
ويعلق الفريق الإسرائيلي الآخر الداعي للسلام، بأن الأيديولوجية المطلقة للفريق الأول لم تكن ناجحة خلال القرون الطويلة الماضية، ولم تؤدي إلا لزيادة العنف والتطرف والاحتلال. كما أن تكنولوجية الاتصالات والمواصلات غيرت العالم لقرية عولمة كونية صغيرة، وخلقت تحديات جديدة في عالم اللامعقول، والتي تحتاج لأفكار جديدة مبدعة للتعامل معها. كما يعتقد هذا الفريق بأن صهيونية القرن التاسع عشر قد اندثرت مع انتهاء عهد الاستعمار العسكري، وإعلان قوانين حقوق الإنسان، وخاصة بعد أن فشلت نظرية عالم الأحادي القطبية، وبعد أن أثبتت حرب العراق ولبنان وغزة بأن تكنولوجية الميكروشب أدت لترهل الجيوش الجبارة باليات تكنولوجيتها المتطورة أمام مقاومة الفئات الصغيرة المتناثرة. ويعتقد هذا الفريق بأن عالمنا اليوم يحتاج لتجنب صراعات النظريات السياسية، والتوجه للتعامل مع التحديات العالمية ببراغماتية واقعية نسبية، لخلق الجسور التي تقرب بين الشعوب ومعتقداتهم، ليتجنب الجميع الصراعات الأيدولوجية الدامية، وليتفرغوا لتحقيق التنمية والسعادة لشعوبهم. ولن يسمح عالم اليوم أن يلقي بأي شعب في البحر، أو أن يضطهد شعب ويشرد لتهان حقوقه وكرامته وأمنه، وقد حان الوقت لوقف حروب الشرق الأوسط الفاشلة والعمل على تحقيق سلام دائم وشامل.
وقد عبر عن أراء هذا الفريق الكاتب الإسرائيلي جيدون ليفيني في مقال بصحيفة هاارتز في الثالث عشر من فبراير الماضي يقول فيه: quot;فيجوز أن لا تكون صهيونيا كما هو معروف اليوم، بأن تؤمن بأن من حق اليهود دولتهم ولكن تعارض الصهيونية على احتلالها، ويجوز أن تؤمن بأن ما حدث في عام 1948 يجب أن يوضع على جدول الأعمال، لكي نعتذر عن الظلم ونعمل على تأهيل ضحايانا. ويجوز أن نعارض الحرب الغير ضرورية في يومها الأول، ويجوز أن نؤمن بأن العرب يستحقون نفس الحقوق الثقافية والاجتماعية والوطنية كاليهود. كما يجوز التساؤل عن الصورة المشوه لجيش إسرائيل كجيش للاحتلال، بل ويجوز أن ترغب التحدث مع حماس. كما علينا أن نقرر إن كانت تلك هي الصهيونية، أم تضادها. فهذا قرار شرعي وأساسي للذين يرفضون أن يكونوا ضحايا جنون اليمين المتطرف لسنوات إضافية قادمة. ومن يريد أن يكون يسار إسرائيل، عليه أن يقول لا للصهيونية التي سيطر عليها كاملة اليمين المتطرف.quot; كما يدعم هذا الفريق حركة الشارع اليهودية الأمريكية، الجيه ستريت، المعارضة للحركة الصهيونية الأمريكية التقليدية، وقد صرح مسئول هذه الحركة، الين سولومنت بالقول: quot;لقد استمعنا لصوت المحافظين الجدد ويمين الوسط من القيادات اليهودية والانجاليك المسيحيين، ولكن لم يستمع أحد لصوت الشارع اليهودي الأمريكي.quot; وعلق جيرمي بن أميه أحد قيادات هذه الحركة بالقول: quot;أسست الجيه ستريت بسبب غياب أصوات كافية تعبر عن رأي الشارع اليهودي الأمريكي، والمؤمن بأن مصالح إسرائيل ستحقق حينما تكون السياسة الأمريكية موجهة لتحقيق سلام عادل ودائم لإسرائيل، وليس فقط مع الفلسطينيين بل أيضا مع جيرانها.quot;
وقد حلل الصحفي الإسرائيلي برادلي برستون تصورات الشعب الإسرائيلي عن السلام بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بصحيفة هاارتز بقوله: quot;وصدمة الانتخابات الإسرائيلية هي في أن الشعب الإسرائيلي قد صوت لليمين المتطرف، ليس لأنه يرفض فكرة صفقة السلام والتقسيم وحل الدولتين، ولكن لأنه يؤمن بأن اليمين أكثر كفاءة لإيجاد طريقة لتحقيق هذه الصفقة المؤلمة، والتي يعتبرها صفقة طلاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكما ورطتهم القوى الدولية في المجابه ستقوم بفصلهم. وليس هناك إلا حزبين يناقشون نظرية إسرائيل الكبرى، ولم يفوزا إلا بسبعة نواب في البرلمان. وقد صوتت معظم الأكثرية لليمين، ليس لأنها تعارض السلام، بل تعتقد بأن اليمين سينهي هذه العلاقة بمعظم الأصول لإسرائيل، وبدون نفقة للفلسطينيين.quot;
ولنجاح مشروع السلام في الشرق الأوسط هناك حاجة لتفهم العرب الصراع الفكري بين هذين الفريقين المتضادتين والمختلفتين على مفهوم الصهيونية في واقع العولمة الجديد. وترجع أفكار الفريق الأول لعقلية القرن التاسع عشر والتي تؤمن بالتطرف الديني والفكر العنصري والاحتلال الاستعماري القديم، وتنادي لحل خلافاتها بقوة حكومات تسيطر عليها نخبة تاريخية، وبدعم جبروتها العسكري. كما تعمل لتحقيق رأسمالية فائقة تؤكد فيها على تحرير السوق من الأنظمة وتركها لتنظم نفسها بيدها الخفية، وتطالب بخفض الصرف على شبكة الحماية الاجتماعية، وإضعاف سلطة الحكومة وتقوية دور القطاع الخاص بزيادة الخصخصة. بينما مل الفريق الآخر من ماسي الحروب، ويعتقد بأن التكنولوجية الحديثة قد حولت العالم لقرية صغيرة، وأضعفت سلطة دكتاتورية حكومات النخبة وجبروت آلياتها العسكرية، وتحتاج صراعات الشرق الأوسط لحلول دائمة وبقوة ذكية، وبحوار المنطق والقانون. ويبدو بأن هذا الفريق مقتنع بالمبادرة العربية السعودية لمشروع سلام شامل ودائم، يحقق للفلسطينيين دولتهم المستقلة، ويرجع الأراضي العربية المحتلة في حرب عام 1967، ويضمن لإسرائيل أمنها واستقرارها ضمن قرارات الأمم المتحدة.
لقد حاول الإسرائيليون بعد معاناة عقود طويلة من الحروب لانتخاب حكومة تحقق لهم quot;الطلاق الدائم من الفلسطينيين وبدولتهم المستقبلية، وبأقل الأضرار على المصالح الإسرائيلية.quot; واعتقد الإسرائيلون بأن خير قيادة لهذه المهمة السيد بنجامين نتينياهو، الذي تسلم رئاسة الوزراء الإسرائيلية بعد الانتخابات الأخيرة. ولم يكن لعرب إسرائيل وحلفائهم من الدول العربية، أي تأثير أعلامي أو فكري على انتخابه، وبعكس الانتخابات الأمريكية، التي يكون عادة للوبي الحكومة الإسرائيلية ويهود الولايات المتحدة دورا كبيرا في الدعم الإعلامي والمالي لمرشحي الرئاسة ونواب الكونجرس. والسؤال: هل سيترك العرب الرئيس أوباما بمفرده ليصارع الفريق الإسرائيلي المعارض للسلام؟ أم سيستفيدوا من تجربة اللوبي اليهودي الأمريكي لخلق لوبي عربي يدعم فريق السلام الإسرائيلي ليساعده في الوصول للكنيست ورئاسة الحكومة؟ وهل سيلعب هذا اللوبي دورا إعلاميا وسياسيا وثقافيا وتعليميا في المجتمع الإسرائيلي؟ ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان