أصبح موضوع إنتشار التشيع ـ كأحد مدارس فهم الإسلام ــ في العالم الإسلامي محل كلام ليس على مستوى إعلامي عابر، ولا من على منابر الجمعة الدينية، بل على مستوى أنظمة دولية لها وزنها في العالم وا لمنطقة، والنبرة التي تحكم الكلام هي (الخطر الشيعي)!
هل يمكن عولمة التشيع في العالم الإسلامي ولذلك صار بمثابة خطر كبير على الإسلام والمسلمين بل والانظمة بكل جبروتها وقوتها؟!
يبدو إن الجواب بلسان حال أصحاب ا لخطاب المذكور هو... نعم...
إذن ما معنى أن تجتاح المدرسة الوهابية منطقة الاهواز العربية حيث تفيد الا خبار إن عشرات الآلا ف من الشيعة العرب هناك تحولوا إلى المذهب الوهابي؟
وما معنى أن يتحول آلاف آخرون في باكستان من ا لتشيع إلى التسنن؟
وما معنى أن تشهد حتى لبنان وفي بيروت مثل هذا التحول وإنْ بمعدلات بسيطة كما صرح بذلك علنا الشيخ ماهر حمود؟
لست هنا في معرض الدفاع عن مذهب معين، ولكن أريد تفسيرا لمثل هذه المفارقة ا لغريبة، وتاليا، يحق تسجيل نقطة نظام على أصل الدعوى!
الشيعة مصابون بداء المبالغة فيما تحول مسلم واحد من مذهبه السني إلى مذب التشيع، وهذه المبالغة ربما سببها عقدة الاضطهاد التي عاشها الشيعة لقرون من السنين، وربما أيضا مصدرها إتهام التشيع بانه مذهب خارج عن الاسلام، ويجب القضاء عليه باي صورة من الصور وأ ي شكل من الا شكال، ولذلك تباشرون بأن التشيع أنتشر في المغرب ومصر وسوريا وباكستان ولبنان، فيما هي حالا ت فردية عادية، ولكن كما قلت مرض الشيعة في المبالغة، المبا لغة في كل شي، وحتى في الاعتقاد أحيانا...
ما هي أذن دوافع هذا الاتهام وبواعث هذه الحملة؟
لست أدري في واقع الامر، ولكن الذي اعلمه إ ن التشيع حقا يمكن أن عولمته في العالم الإسلامي، ويمكن أن يشارك التسنن في قيادة العالم الاسلامي على مستوى المشاركة الحقيقية، ولكن ذلك منوط بشروط لا أعتقد متوفرة الآن...
إن جوهر التشيع بعد النظر العميق والمتفحص لنصوصه الأولى يتجسد في أمرين إثنين، الاول هو فقه أهل البيت، والثاني هو الإيمان بالمهدي على طريقتهم الخاصة، وكل الامور الباقية هي على هامش المذهب فكريا وعقديا، فلا البداء، ولا الولاية التكوينية، ولا علم الإئمة بالغيوب، ولا نقص القرآن، ولا كون الا خرين كفارا، ولا شتم الصحابة... من صلب التشيع الاول، التشيع العربي، والتشيع إذا طرح بهذه الصيغة سوف ينتشر إنتشارا كبيرا وسريعا في العالم العربي، خاصة وإن كل المسلمين يحبون أهل البيت، ولا يوجد مسلم لا يؤمن بالمهدي المنتظر، غاية ما في الامر أنه مولود في العقيدة الشيعية وسوف يولد في العقيدة السنية.
إن مسلما يتقيد بفقه أهل البيت ويؤمن بالمهدي المنتظر كما تقول الشيعة هو شيعي بالتحليل الأخير، وإن لم يؤمن بأن حادثة السقيفة واقعة فعلا ــ نحتاج إلى قراءة جديدة لحادثة السقيفة، ربما أتطرق إليها مفصلا في ايلاف عن قريب ــ ولم يؤمن بأن الأئمة معصومون، ولم يؤمن بأنهم عالمو الغيب، وإلى ما هنالك من تصورات وافكار (شيعية!) تأ تي على هامش الالتزام الفقهي بمدرسة أهل البيت، والاعتقاد بنظرية الامام المهدي.
إذا طرح التشيع بهذين البعدين يكون قد أنتصر، ويكون قد دخل البيوت من أوسع أبوابها، ويكون له دوي إنتشاري سريع ومذهل، وفي تصوري أن بعضهم يخاف من طرح التشيع بهذه الصيغة ويلح على طرح التشيع كما تطرحه بعض المنابر الشيعية / سب، وغلو، وتحريض، ومعجزات... / لان ذلك خير طريق لمحاصرة التشيع، ومن ثم، محاربة الشيعي في رزقه وعمله وأمنه واستقراره وطقوسه، كما هو واضح اليوم في كثير من البلاد الاسلامية...
أن الحملة على الشيعة اليوم هنا وهناك ليس الخوف من عولمة التشيع، إن هذه العولمة مستحيلة بسبب أن هناك جهودا ضخمة سياسية ومالية وتبشيرية تحول دون ذلك، ثم منابر بعض الشيعة في الكويت والبحرين وغيرهما تساهم مساهمة كبيرة في الحيلولة دون هذه النتيجة، بل تساهم مساهمة (مشكورة!) في محاصرة التشيع ونبذه والخوف منه ومحاربته، ولا أستبعد أن وراءها عقول مخططة تعرف أسرار الضمير المسلم ووجدانه وتصوراته وحساسيته وشعوره، فضلا عن كومة رواسب هائلة في ضمير المسلم الآخر عن التشيع والشيعة جميعها تتسم بالسلبية والخوف والريبة.
أعود للقول بأن عولمة التشيع في مثل هذه المقتربات وفي مثل هذه السياقات مستحيلة، ولكنها ممكنة فيما لو أقتصر التشيع على ركيزتين فقط، هما الإلتزام بفقه أهل البيت، والايمان بعقيدة المهدي المولود، ولو كنت سنيا معتدلا لشجعت على مثل هذا النموذج من التشيع.