دعا بشار الأسد عند زيارته لطهران إلى تحالف رباعي بين إيران وسورية والعراق وتركيا. كان ذلك أمام خامنئي، الذي دعم الفكرة. قال الأسد في طهران إن العالم منفتح أمام سوريا وإيران، وأضاف نجاد، مفسرا، لأن العالم في حاجة لدعم إيراني وسوري! وتحدث الطرفان عما حققه البلدان من quot;انتصاراتquot; quot;تجبر الأعداءquot; على طلب التفاوض مع البلدين. كان ذلك عشية تفجيرات الأربعاء الدامي التي أدت لتوتير العلاقات العراقية ndash; السورية لحد مشارف القطيعة. وإذن، فيبدو أن المشروع المقترح قد وئد في مهده؟؟

ماذا كان هدف المشروع السوري ndash; الإيراني؟ ولماذا استثناء دول عربية مهمة؟ وهل تلتقي السياسة الخارجية التركية تجاه أميركا وأوروبا بالموقف الإيراني؟ أم العكس صحيح؟ أم من بين أغراض المقترح هو أيضا الالتفاف على القضية الكردية في وقت يتخذ فيه أردوغان خطوات محسوسة بالاتجاه الصحيح، أي تفهم معاناة الشعب الكردي في تركيا والاعتراف بحقوقه، أو على الأقل، بقسم منها كمرحلة أولى؟

ثمة أمور هامة غير واضحة لنا، ولكن لدينا بعض الملاحظات الأولية حول الموضوع.
نجتهد أن ما يسعى له النظامان، عدة أهداف، في مقدمتها تجميع ما يعتبرانها نقاط قوة في التعامل مع الغرب، وأميركا خاصة، وانتزاع الاعتراف الغربي، بل الدولي، بهما كالقوتين الإقليميتين الأساسيتين. كما يريد النظامان احتواء العراق كورقة أساسية، وبالنسبة لإيران، بخاصة، بسط الهيمنة الكاملة عليه باسم التحالف، بعد أن امتد النفوذ الإيراني في معظم أجزاء العراق ومفاصل المجتمع والسلطة.

الهدف المرتبط بما مر، وهدف إيراني محض، هو عزل العراق عربيا، وتحجيم دور دول مهمة في المنطقة، كمصر، وعزل السعودية، الداخلة في حرب مع إيران على عدة جبهات، ومنها الجبهة العراقية والجبهة اللبنانية. إن هذا الهدف بالذات يستدعي وقفة إزاء المواقف العربية من العراق بعد صدام، والتي كانت خلال السنوات الأولى، على الخصوص، مواقف سلبية لهذا الحد أو ذاك. والتذكير بذلك هو لمجرد الاستفادة من الأخطاء التي كانت من عوامل محاولات إيران الاستفراد بالعراق. الجامعة وقفت بفتور تام من قيام مجلس الحكم، بينما استقبل عمرو موسى بحرارة وفدا برئاسة ضابط مخابرات بعثي. ومن حسن الحظ أن دولا عربية عديدة عادت لفتح سفاراتها في بغداد، وأقامت معه علاقات طيبة. ولا ننسى أيضا تتالي الفتاوى بتحريم التعاون مع مجلس الحكم في حينه، والفتاوى المنهمرة بشرعية ما دعيت quot;مقاومة وطنيةquot;، فتاوى كان من بينها فتوى من الأزهر نفسه.والإرهابيون الذين تسللوا للعراق من سوريا كانوا جميعا عربا من جنسيات مختلفة، لاسيما الجنسية السعودية، وإذا لم تكن حكوماتهم مسئولة عن إرسالهم، سواء للعراق أو أفغانستان، فإن قادة الرأي، ولاسيما مشايخ الدين، يتحملون دورا استثنائيا في غسل أدمغة الشباب في تشويه ما حدث في العراق، والتأليب على مسيرته، ونشر أفكار التطرف والتكفير.

إن من بين الدعايات الرائجة عربيا يجب فرز فكرة quot;الغزو الشيعيquot; للمنطقة، وقد رفض المفكر الإسلامي طارق البشري نفسه فكرة نشر quot;التشيع المذهبيquot;، المفترض أن إيران تنشره في المنطقة. إنها فكرة انجرت لها بعض الحكومات العربية أيضا. هذه الفكرة هي من بين أسباب الهاجس من العراق بحكم أن الأحزاب الشيعية على رأس السلطة.

لقد كتب الكاتب داود الشريان في عدد الحياة، بتاريخ 6 سبتمبر، كلمة عنوانها quot;التشيع كذبة سياسيةquot;. الكاتب ينتقد من يعتقدون بهذه الفكرة، من حكام أو قادة رأي ورجال دين، فما يهم إيران أولا ليس نشر المذهب الشيعي، بل نشر نفوذها السياسي على نطاق المنطقة كلها. أو يمكن القول إنها تنشر الإسلام السياسي الإيراني، الشيعي المذهب، ذا الهدف السياسي. وكما يقول الشريان، إن إخوان منظمة حماس لم يغيروا مذهبهم مع أن إيران تقدم لهم الأسلحة وعشرات الملايين بلا انقطاع، ليكونوا أداتها في تخريب مساعي السلام وورقتها تجاه أميركا. ورغم اختلاف المذهب، فإن الإخوان المسلمين المصريين، والسودانيين يؤيدون سياسات إيران. والنظام الإيراني يدعم القاعدة في العراق، رغم أن القاعدة تحمل عقيدة مذهبية تكفر الشيعة. فبالنسبة لإيران، إن المهم هو خدمة مصالحها وخططها التوسعية، وأحلامها في الهيمنة المطلقة على المنطقة، وهي أحلام موروثة من نظام الشاه. أما إذا كان من بين نتائج سياستها اعتناق هذا الفريق أو الأفراد أو غيرهم للمذهب الشيعي، فخير على خير، ليكونوا أكثر تبعية لإيران.

نعتقد أن من بين أسباب امتداد النفوذ الإيراني للعراق خاصة وللمنطقة عامة، بعض المواقف السلبية العربية من العراق، مواقف الحذر، بل والخوف، من القبضة الإيرانية، والاعتماد المطلق على أميركا لتجنب الخطر الإيراني ndash; وهو اعتماد مشكوك فيه حسب ما يجري، ربما إلى أمد آخر يقرره أوباما؟!!

لقد نشرت صحيفة quot;الشرق الأوسطquot; بتاريخ 27 آب المنصرم تقريرا ضافيا على صفحتها الأولى، ونقلا عن quot; نيو رييببلكquot;، بعنوان: quot; هل يستميل أوباما السعوديين.quot; حسب هذا التقرير، فإن الأميركيين اقترحوا على السعودية ممارسة ضغوطها المادية ضد إيران وذلك بتشجيع البنوك الأوروبية على قطع كافة علاقاتها المالية بإيران مقابل مكافآت من السعوديين. وكذلك اقتراح بممارسة الضغوط السعودية على الصين لاتخاذ موقف أكثر تصلبا من إيران. يقول التقرير: quot; إن الملك عبد الله يتسم بالحذر في التعامل مع مثل هذه القضايا الحساسة، ولا يريد أن يبدو بأنه ينضم لصف الولايات المتحدة ضد دولة إسلامية.quot; ويمضي التقرير ليقول إن المملكة quot;تمقت إرسال سفير لبغداد في ظل تصاعد نفوذ النظام الشيعي الموالي لإيران في العراق.quot;

ليس هذا وحسب، بل إن قطر قد مضت أشواطا في التعاون والتطبيع مع إيران، وفي إقامة علاقات متينة مع أحمدي نجاد. أما سلطنة عمان، المعروفة بهدوء واعتدال سياستها الخارجية، فقد عقدت اتفاقية أمنية مع إيران ndash; ربما خوفا من عقد اوباما صفقة انفرادية مع النظام الإيراني، تغيب عنها المصالح العربية، وعلى الأخص، بعد الإشارات المتكررة من أوباما وهيلاري عن احتمال التعايش الاضطراري مع القنبلة الإيرانية.

إن مواقف الخوف والتردد تجاه إيران لدى بعض الدول العربية، ومواقف التعاون والسماح بالاختراق الإيراني، هي من بين أسباب استفحال العنجهية الإيرانية، التي جعلت أحمدي نجاد يصرح للتو إن الملف النووي مغلق، وإن كان السبب الأول تناقضات ورخاوة موقف الإدارة الأميركية. وبالنسبة للعراق، فمن الصحيح تماما إبداء القلق الشديد من الهيمنة الإيرانية عليه، ولكن هذا لا يعفي الأنظمة العربية من اتخاذ مواقف أكثر واقعية وإيجابية في السعي لإضعاف النفوذ الإيراني في العراق، ولكسب الرأي العام العراقي، وخصوصا في المساهمة في حماية أمن العراقيين، والتنديد الحازم بالعمليات الإرهابية، ومنع بعض مشايخ الدين من نشر أفكار التطرف والتكفير.

هذه بضع ملاحظات، علما بأن حكام العراق هم الذين يتحملون المسئولية الأولى عن التغلغل الإيراني، وهم لحد اليوم لا يريدون أو لا يجرؤون على كشف الدور الإيراني في الإرهاب، وإرسال السلاح والمال للمليشيات والتنظيمات المسلحة الموالية لها، وحتى للقاعدة، ولا يثيرون موضوع المياه كما يثيرونها مع تركيا وسورية. فإذا كانت هذه الحال، وهي كذلك، فكيف نلوم غير العراقيين؟؟!ثم إذا كانت هذه هي مواقف الحكومة العراقية، فكيف يمكن استساغة رأي من يزعمون أن المالكي قد راح quot;يدير ظهره لإيرانquot;؟!!!