quot;من كان في الهوة، لن ينحدرquot;(شاعر لا أعرفه)
تخصص هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، برنامج quot;نقطة حوارquot; مساء الجمعة 11 سبتمبر، لمناقشة التصريحات الأخيرة لرجل الدين السعودي quot;سلمان العودةquot; التي حث فيها المسلمين على عدم الدعاء quot;على الكفارquot; في نهاية صلاة الجمعة (لأنه حرام)... إلا في حال تعرض مصالح المسلمين للأذى. السؤال المطروح علي المستمعين والمشاركين عبر الانترنت في هذه الحلقة، من شقين: ما هي تجاربك أنت مع خطب الجمعة؟ وما هي القضايا التي تود ان تتناولها خطب الجمعة في مسجدك؟.
والمتابع لكم التعليقات ومضمونها علي موقع (بي بي سي)، منذ نشر الخبر يوم الأثنين 7 سبتمبر، لن يحتاج لعناء كبير في تصنيفها تحت عنوان واحد، هو: quot; الإساءة إلي الأديان quot; وخاصة الدين الإسلامي. وهو ما حذرت منه دعوات كثيرة لإجراء إصلاحات في الثقافة الدينية على إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن قبل ثماني سنوات، والتي نفذها 19 شابا مسلما من المنطقة العربية.
هذا الموضوع بالتحديد استحوذ، وربما بالمصادفة، علي اهتمام اثنين من كبار الكتاب في العالم العربي: الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري، والأستاذ عبدالرحمن الراشد رئيس قناة العربية الفضائية.
فقد جدد الفقى مطالبته بضرورة إصدار تشريع دولى يجرم الإساءة إلى الأديان السماوية خاصة الإسلام، لوقف أى تطاول على الإسلام تحت أى دعاوى، ومنها حرية التعبير وذلك لمواجة ظاهرة العداء الجائر للدين الإسلامى. وذلك فى المحاضرة التى ألقاها بملتقى الفكر الإسلامى بساحة مسجد الحسين حول (العلاقة بين الإسلام والغرب)، بحضور الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية والدكتور محمد الشحات الجندى الأمين العام للمجلس.
أما الأستاذ عبدالرحمن الراشد فقد ناقش هذه المطالب بعقلانية، في مقاله المعنون quot; تجريم الإساءة للأديان مستحيل quot;، بجريدة الشرق الأوسط، يقول: quot;لو افترضنا أن الأمم المتحدة استمعت للمؤتمرين في القاهرة وأقرت قانون معاقبة التجديف والإساءة للأديان، فإننا سنواجه نفس الإشكالات والعقوبات. فالخلاف الإسلامي المسيحي في التفسير الديني عميق... بل إن الجدل أعمق داخل الديانة الواحدة، كما هو الحال بين المذهبين السني والشيعي... علينا أن نعترف أن التجديف هو في صلب كل الأديان تقريبا وضمن تعاليمها، وليست أعمالا صحفية متمردة فقط.quot;
quot;الحل ndash; برأيه - في التوعية بوجود مصلحة مشتركة للعالم كله في تجنب إثارة الخلافات الدينية، وهنا تكمن أهمية حوار الأديان الذي فتحت بابه السعودية، فالحوار ليس هدفه إقناع الآخر بالتخلي عن ديانته إنما احترام عقائد الآخرين كما هي، والعمل على تجنب الصدام مهما كان الاختلاف.quot;
لكن، كيف نترجم كلام الراشد عمليا؟... قبل سنوات دعا الباحث اللاهوتى السويسرى quot;هانس كونجquot; - Hans Kung فى دراسته القيمة quot; الأديان العالمية والروح العالمية quot; إلى البحث عن المشترك بين الأديان العالمية من أجل التواصل والتفاهم بين البشر. وكان أغلب ما أظهره من أمور مشتركة يندرج تحت حقل quot;الأخلاقquot; وليس quot;الدينquot;، خاصة quot; القاعدة الذهبيةquot; التى قال بها حكيم الصين العظيم quot;كونفوشيوسquot;: quot;لا تعامل الآخرين بما لا تريد أن يعاملوك بهquot;. وفى اليهودية: quot;لا تعامل الآخرين بما لا تريد أن يضطروا إلى معاملتك بهquot;. وفى المسيحية: quot;عامل الناس بما تحب أن يعاملوك بهquot;. وفى الإسلام: quot;لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسهquot;.
وهي بالمناسبة أهم ما جاء في خطاب الرئيس quot;باراك حسين أوباماquot; في الرابع من يونيو الماضي بجامعة القاهرة، في سياق طرحه لمستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وهو خطاب يمثل نقطة فارقة ndash; إذا أردنا - فى تاريخ تلك العلاقة.
لقد تجاوزت الولايات المتحدة حقبة الحادي عشر من سبتمر 2001، من الناحية السياسية علي الأقل، بالانقلاب على نهج المحافظين الجدد، وإختيار رئيس ديموقراطي أكثر عقلانية وانفتاحاًَ على العرب والمسلمين، بينما لا نزال نحن غارقين في quot;هوةquot; التعصب والطائفية والعنف اللفظي والرمزي والنفسي والجسدي، وبأشكاله المتطورة، ولم يعد الإرهاب عندنا يستهدف العدو البعيد فحسب، وإنما أصبح يشمل مجتمعاتنا كلها وأنظمتنا السياسية، وشركاء الوطن والتاريخ والمستقبل.
انها فرصة مناسبة، بعد مرور ثماني سنوات، لممارسة أرقي أنواع الشجاعة، وهي quot;محاسبة النفسquot; والاعتراف بأخطائنا، وهو ما يعرف في الفلسفة quot;بالنقد الذاتيquot;، وفي علم النفس المصالحة مع اللاوعي، وفي علم الاجتماع المصارحة والمكاشفة. ومعظم الشعوب (التي تحترم نفسها أولا قبل احترام الآخرين) هي التي مارست هذه الفضائل الأخلاقية: النقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء والاعتذار عنها، (تكفيرا عن ذنوبها)، وليس الدعاء علي الآخرين (الكفار) من منبر ديني أو منبر ايديولوجي!.

[email protected]