مع نهاية هذا الأسبوع، نكون قد عرفنا اسم مرشح مجلس اليونيسكو التنفيذي لمنصب مدير عام اليونسكو. وهذا المجلس مكون من 58 عضوا يمثلون المجموعات الانتخابية في اليونسكو. إن قرار المجلس سيعرض على المؤتمر العام، الذي له الكلمة النهائية، وعادة هو يصادق على ترشيح المجلس.
المرشحون اليوم عدة، من أبرزهم الأستاذ فاروق حسني، وزير الثقافة المصرية، والنمساوية، بينيتا فلندو، وزيرة الخارجية السابقة ومفوضة العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي.
اليونسكو، كما هو معروف، منظمة دولية، حكومية، للتربية والثقافة والعلوم والاتصالات، ولكنها دبلوماسية بحكم كونها تمثل الحكومات، ومع أن معظم مندوبيها الدائمين هم موظفون في وزارات التربية ببلدانهم، إلا أنه يجب أن تكون لهم درجات دبلوماسية.

إن منصب المدير العام لليونسكو في غاية الاهمية بالنسبة لنشاط المنظمة، ومع أنه موظف دولي تحت إمرة ورقابة الدول، فإن شخصيته وكفاءاته تلعب دورا كبيرا جدا في مسار المنظمة. والمفترض بالمدير العام أن يكون محايدا بين الدول والثقافات والأديان؛ فقد تكون لدولته علاقات عداء أو انقطاع مع هذه الدولة أو تلك، لكن عليه معاملتها كأية دولة أخرى، واستقبال مندوبيها بكياسة ودبلوماسية. والمدير العام يجب أن تكون له خبرة دبلوماسية وتجربة إدارية عاليتان، ومستوى فكري رفيع، وأن يتمتع بالنزاهة والمبدئية، ورفض الضغوط غير المشروعة من أية حكومة، وإن كانت حكومة بلده- سواء في مجالات توظيف الموظفين، أو في شؤون سياسية معينة حولها خلافات وصراعات بين الدول.
نتمنى أن تكون لفاروق حسني هذه المواصفات، وأن يكون عند مستوى هذه المسئوليات الخطيرة، وأن ينجح في نهاية المطاف، في انتخابات ستكون صعبة، وقد تجري في أكثر من دورة انتخابية واحدة، منذ السابع عشر من الشهر الحالي.
مشكلة المرشح المصري أن له خصوما كثيرين داخل مصر نفسها، من ساسة ورجال دين ومثقفين، وذلك لأسباب كثيرة، رغم حماس الرئيس المصري وزوجته لإنجاحه. إن قصة حرق الكتب معروفة، وهي تثير حساسيات دولية، وتنديده بفرض الحجاب جلب له دعم المثقفين المصريين عندما تعرض لحملة المراجع والشخصيات الدينية. ولكن عددا كبيرا من المثقفين أنفسهم غضبوا لسماحه للهيئات الدينية برقابة الكتب والأفلام، وكان استياء المثقفين كبيرا. وهكذا، نجد المرشح فاروق حسني شخصية مثقفة إشكالية وقع في مطبات، سواء بإرادته أو رغما عنه، رغم أن عارفيه في باريس يشيدون بخلقه العالي وانفتاحه وتواضعه ومستواه الثقافي والفكري، وتجربته الإدارية.
بعيدا عن شخص الأستاذ فاروق حسني، الذي نتمنى نجاحه، وبعيدا عن الحالة الحاضرة، نود إبداء ملاحظات عامة، سبق أن كتبناها مرارا في مقالات وفي أكثر من كتاب.

1 ndash; التنافس الدبلوماسي على منصب المدير العام لليونسكو، وكما حول المناصب الدولية الرفيعة الأخرى، يتحول لدى كثرة من دول quot;العلم الثالثquot; إلى هوس قومي، وقضية كبرياء. هذا الجو يؤدي في بعض الأحيان إلى صعود مرشح أقل كفاءة من آخرين، وما يكون لذلك من أثر سلبي على العمل الدولي. الأستاذ بطرس بطرس غالي، لم يبرهن على كونه كان بمستوى من سبقوه، أما د. محمد البرادعي، فقد وصل أداؤه السلبي في النووي الإيراني، لحد اتهام دول كفرنسا له بإخفاء المعلومات عن النشاط النووي الإيراني، وخلال فترة عمله اتخذ موقف المهادنة والمسايرة تجاه المناورات واللعب الإيرانية الماهرة، الخبيثة.

2 ndash; إن مصر دولة عربية كبرى، ولها وزنها الدولي والإقليمي، وسياستها الخارجية المعتدلة تلعب دور التهدئة والوفاق، ولها موقفها الصريح من النووي الإيراني، ومن التخريب الإيراني في مصر والمنطقة. ثم إن علاقاتها بالقيادة الفلسطينية وإسرائيل مهمة في الطريق نحو تسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية.

وإذ نسجل هذه الحقيقة، فلابد من نقد أخوي لمصر على حرصها على احتكار المناصب العربية والدولية الرفيعة، ودعم مرشحيها أحيانا حتى ولو لم تدعهم الجامعة العربية، وهذا ما يؤدي في بعض الحالات إلى بلبلة وامتعاض ونوع من الجفوة العربية. عام 1977 كانت مصر قد انتهت للتو من عضوية مجلس اليونسكو، ولكنها أصرت على التجديد، على حساب دولة عربية أخرى، وحتى عندما لجأ وزراء التربية العرب للاقتراع السري، وفشل المرشح المصري، فإنه أصر على المواصلة، ونجح بحكم علاقات مصر الدولية. وفي 1999 كان للجامعة العربية مرشح واحد لمنصب المدير العام لليونسكو، هو الدكتور غازي القصيبي، وكانت المنافسات حامية، ولكن مرشحا مصريا فاضلا نزل للميدان بترشيح من دولة أفريقية، مما أضعف موقف مرشح الجامعة، فنجح مرشح اليابان، الذي تنتهي ولايته مع المؤتمر العام القريب. طبعا، لم تكن المنافسة العربية وحدها سبب فشل د. القصيبي، بل كذلك تساؤلات دولية حول الأوضاع الاجتماعية السعودية، وخصوصا وضع المرأة.
لقد كان ثمة عدة مرشحين عرب مع فاروق حسني، ولكن الرئيس المصري استخدم ثقله الدبلوماسي لإقناع حكوماتهم بسحب ترشيحاتهم واحدا بعد الآخر. ولذا فمن الغريب أن تشكو حكومة مصر من نشاط المرشحة النمساوية واستخدام علاقاتها الأوروبية، بينما تفعل الحكومة المصرية نفس الشيء، وهو من حقهما الشرعي كليهما.
في هذه المرة، راحت مصر تبالغ جدا في إرادة إنجاح الأستاذ حسني لحد اعتبار عدم نجاحه، بسبب مواقف دول غربية مثلا، هو بمثابة رفض quot;للوفاق بين العالمين لإسلامي والغربيquot;، على حد تصريح وزير الخارجية المصري!! وهذا quot;سيعكسquot;، حسب قوله، quot;حجم الشقاق الموجود في المجتمع الدولي والساحة الدولية.quot;
أية مبالغة! وأي فهم مغلوط للعلاقات الدولية، في قضية هي مفاضلة بين كفاءات شخصية، وقضية اجتهادات وخيارات دول يجب احترامها. لماذا يكون عدم سحب ترشيح عربي آخر لصالح المرشح المصري علامة خصومة لمصر كلها كدولة؟ ولماذا لو لم تصوت له أميركا مثلا، [حيث لا نعرف موثقها بالضبط رغم الإشاعات]، سيكون ذلك دليل عداء للعالم الإسلامي؟! أي منطق هذا؟! وهل لهذا الحد يمكن أن يبلغ الهوس القومي بدولة عربية عظمى، لها مكانتها المرموقة، عربيا ودوليا؟!!

3 ndash; الملاحظ أن الدور العربي في اليونسكو تراجع كثيرا منذ أكثر من عقد، وانفتحت شهية بعض المندوبين على وظائف مهمة في المنظمة بعد انتهاء مدة وظيفتهم كمندوبين. هذا الوضع أدى إلى درجة ملحوظة من الصمت عن السلبيات في نشاط اليونسكو، وضعف النقد، ومسايرة السكرتارية في أمور يجب اتخاذ موقف حازم تجاهها. ونذكر، هنا، كمثال، الحالة المأساوية لقسم الترجمة العربية، سواء بقلة عدد موظفيها، الذين لا يصلون عدد أصابع اليد الواحدة، [بينما في الأمم المتحدة هناك 60 موظفا في قسم اللغة العربية]، أو تحميل الموظفين في القسم إرهاقا متواصلا، خلافا لقوانين العمل الفرنسي، بتشغيلهم لساعات متأخرة، وحتى في أيام عطلة نهاية الأسبوع. إننا لم نسمع أن مجموعة السفراء في المنظمة، وخاصة الأعضاء العرب في المجلس التنفيذي، قد تصدوا لمعالجة هذه الحالة المؤلمة، وطالبوا بقوة وإلحاح من المدير العام باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة المشكلة. ونقول للأستاذ حسني هنا، إنه لو نجح، فلا يجب أن يتردد عن العناية الخاصة بهذه المشكلة، ليس لأنه عربي، بل لأنه موظف دولي عليه التعامل مع كل الأقسام بعدالة وإنصاف.
ولنا عودة للموضوع بعد إعلان نتائج الانتخابات.