-1-
ضجة كبيرة تثيرها نقابة الصحافيين المصريين الآن في القاهرة، بسبب استقبال الدكتورة هاله مصطفى رئيسة تحرير مجلة quot;الديمقراطيةquot; الطليعية الفصلية التي تصدر عن quot;مؤسسة الأهرامquot;.
أسباب هذه الضجة معروفة، وخاصة أن مثيريها الرئيسيين هم من الصحافيين الإسلامويين المتشددين، والصحافيين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، والصحافيين من بقايا عهد الديكتاتورية القومية والاشتراكية التي حكمت مصر طيلة 18 عاماً متواصلة. وهؤلاء جميعاً أولاً وأخيراً، ضد الأفكار التي تنشرها مجلة quot;الديمقراطيةquot;، وضد توجهها الليبرالي والسياسي الواقعي. كما أن الأستاذة هاله مصطفى كاتبة وباحثة ومفكرة مستهدفة سياسياً وصحافياً من قِبل معظم صحافة وصحافيي المعارضة المصرية، لكونها قريبة من القيادات السياسية للحزب الوطني الحاكم، الذي يقود مسيرة السلام في منطقة الشرق الأوسط، بكل شجاعة وواقعية سياسية.

-2-
طلب السفير الإسرائيلي شالوم كوهين في القاهرة، مقابلة هاله مصطفى رئيسة تحرير مجلة quot;الديمقراطيةquot; في مكتبها بـ quot;مؤسسة الأهرامquot; جهاراً نهاراً. ولم يطلب السفير زيارة هاله مصطفى في بيتها، وبصفتها الشخصية. ولم يلتقِ بها خفية على شاطيء النيل في ليلة مقمرة، أو تحت جُنح الظلام. ولكنه التقى بها في رابعة النهار، وتحت أضواء عدسات كاميرات الصحافة المصرية، وفي مكاتب أكبر مؤسسة صحافية مصرية رسمية. وهذا الفرق يعني أن السفير الإسرائيلي قد جاء لزيارة quot;مؤسسة الأهرامquot; الصحافية في شخص هاله مصطفى. ووزارة الخارجية المصرية كانت على علم بهذه الزيارة، ووافقت عليها ضمن السلوك البرتوكولي المعروف. كما أن quot;مؤسسة الأهرامquot;، كانت على علم بهذه الزيارة من خلال إبلاغ أمن السفارة لأمن quot;مؤسسة الأهرامquot; بالترتيبات الأمنية لهذه الزيارة.
إذن فأين الحرام؟

-3-
كثير من كتاب quot;الأهرامquot;، الأحياء منهم والأموات، استقبلوا السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة. ومنهم من زار إسرائيل عدة مرات. ومنهم من استقبل مفكرين وأكاديميين إسرائيليين، درجوا على زيارة القاهرة والإقامة فيها لتعلُّم اللغة العربية والكتابة عن أعلامها، كما فعل البروفيسور مناحيم ميلسون، رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في الجامعة العبرية بالقدس، حين كتب كتابه المهم عام 1998 عن نجيب محفوظ الروائي و(فيلسوف القاهرة) كما أطلق عليه مناحيم ميلسون في كتابه. وكما فعل البروفيسور يورام ميتال أستاذ العلوم السياسية في quot;جامعة بن غوريونquot; في النقب، في دراسته الشهيرة quot;العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسرائيلquot;. وهو الخبير في الشؤون المصرية. وكانت له علاقة وطيدة مع الرئيس السادات.
ودون ذكر أسماء ndash; حتى لا ننسى الآخرين ndash; ما زال أشهر الكتّاب في الأهرام الذين زاروا إسرائيل، ولهم علاقات واسعة مع المثقفين والأكاديميين والسياسيين الإسرائيليين، يكتبون في quot;الأهرامquot; التي تُعتبر الجريدة الرسمية للنظام المصري، زعيم وقائد مسيرة السلام في الشرق الأوسط.
فأين الحرام بعد هذا كله، في زيارة السفير الإسرائيلي لهاله مصطفى في مكتبها؟

-4-
صحافيو quot;جماعة الإخوان المسلمينquot;، وبعض الإسلامويين والقومجية، وهم بقايا عهد ديكتاتوري سابق، كان يتخبط بين الإسلام والقومية، وبين الرأسمالية والاشتراكية، وبين الديمقراطية المزيفة والديكتاتورية، هؤلاء جميعاً الذين يريدون لمصر النحر والانتحار، والذين وقفوا على معابر رفح قبل أشهر يصرخون بالقيادة المصرية لفتح المعابر وإعلان الجهاد المقدس، لتعود مصر وكامل منطقة الشرق الأوسط إلى الفوضى، ويشتعل فيها الحريق من جديد، وهم فرحون بما سوف يحققوه من حريق سياسي وعسكري، إضافة إلى الحريق الاقتصادي والاجتماعي والثقافي المشتعل الآن في هذه المنطقة.. هؤلاء جميعاً وجدوا في هاله مصطفى (الحمامة البيضاء) اليوم، التي يمكن أن يُنتف ريشها، بينما عجزوا عن لمس ndash; مجرد لمس الأسد ndash; الرابض في القصر الجمهوري.
فأين الحرام بعد هذا كله، في زيارة السفير الإسرائيلي لهاله مصطفى في مكتبها؟
السلام عليكم.