لم تكن الشابة (ماريا) وهي تخترق أحد شوارع (كوبنهاكن) في منتصف ليلة الشيطان الدانماركي (ليلة السبت) ترتدي سوى تلك الغلالة الشفافة، حيث تبرق من تحتها تلك النغمات الجسدية الحارة، تتلو صلا ة الجسد، تعطر بنكهة توابل الشرق ذات المذاق اللاذع، وكانت تمشي ببطء واثق من خطواته (الماجنة)، كأنها على موعد مع الحماية الربانية، رغم أن الصدفة حكمت ذلك الشارع بظلمة مفاجئة، وكان القفر هو الأخر حالة نادرة!
لم تكن الشيخة (زهرة) وهي تخترق أحد شوارع (اسلام دار) في منتصف ليلة الرحمة الأفغانية (ليلة الجمعة المباركة) قد بدا شيء من جسدها المترهل، بل كان هناك عمود دخان يمشي بسرعة مجنونة، ملتفتة يمينا وشمالا، كأن سيوف غدر تنتظرها في هذه الانعطافة أو تلك من شارع أكتض بالجوامع والتكيات، ومن كل جانب وصوب يتسلل بكاء النادمين والتائبين والقانتين...
كانت خائفة وجله...
نقرا صباح يوم الأحد في الصحف الدانماركية أن فتاة دانماركية تعرضت ليلة السبت الماضي لنوبة قلبية مفاجئة، وهي الان رقيدة المستشفى، ولكن المستشفى يطمئن ذويها بأن الفتاة الجميلة تعدت مرحلة الخطر، وستغادر المسشتفى بعد أن تتأكد لجنة أطباء المستشفى أنْ لاعوارض جانبية، وكان أحد المواطنين قد تلفن للشرطة أخبرهم بأن مواطنة دانماركية فاقدة ا لوعي ملقاة على شارع (مايكل جاكسون) ، فهرعت الشرطة ونقلت الفتاة الى المسشتفى المذكور وتبين إن الحادث عادي جدا...
نقرا صباح يوم الجمعة في أحد الصحف الصادرة في (اسلام دار)، أن إمراة وجدت ملقاة على قارعة الطريق ليلة أمس، يناهز عمرها الخمسينات، وقد تعرضت لعملية اغتصاب متكررة، وهي تعاني الآن من نوبات عصبية، وبسبب عدم وجود أي وثيقة تخص الا حوال المدنية للمرأة المذكورة نحيط من يهمه الامر بأنها راقدة الآن في (حماية) المسشفى المركزي للبلدة، علما أن المرأة ما زالت فاقدة الوعي، لقد كان جمع من المصلين العائدين إلى بيوتهم بعد إداء صلاة الفجر قد عثروا على المرأة المغدورة، ممزقة الثياب الداخلية، وقد سلبت بعض حليها، والدم ينزف من منبت عفّتها، وإنّا لله وإنا له راجعون!
هل ذلك ممكن؟
نعم...
ممكن وقد حصل ويحصل!
المسافات بين عري (كوبنهاكن) وحجاب (إسلام دار) كثيرة،هناك مسافة الكيلومترا ت ومسافة الساعات، وهناك مسافات القيم، والمسافات بين ليلة السبت في (كوبنهاكن) وليلة الجمعة في (إسلام دار) عجيبة غريبة، إنها المسافات بين الشياطين والملائكة، بين الرقص والصخب والعربدة والشرب والمجون وبين الصلا ة والاستغفار والاستتابة والانابة والذوبان في ذات الله عزّ وجل...
ولكن (ماريا) الشابة التي يتألق جسدها شهوة وشبقا، كانت في حماية الشارع قبل حماية الشرطة، وكانت في رعاية المسشتفى قبل رعاية الشرطة، فيما (زهرة) العجوز التي خفي من جسدها كل شيء، حتى عينيها، كانت في (ذمة عصابة) لا يستبعد الشرطة إنهم كانوا من (المصلين)، وكانت في رحمة (عابري سبيل)، استشاطوا غضبا لما حصل، لان في ذلك تشويها للشارع الذي وجدت فيه المرآة المغدورة، وليس لأن ذات الجسد قد أُنتهك!
صخب شيطاني هنا، وهدوء ملائكي هناك، وبين (هنا) و (هناك) ما لا يمكن تفسيره من تناقض ومفارقة، فهل نتيجة الصخب إلشيطاني إلاّ الاغتصاب، وهل نتيجة الهدوء الملائكي إلا الأمان؟
فلماذ هذه المفارقة بين المصيرين؟
ليس من شك أن ليلة منتصف السبت الدانماركية حمراء بكل معاني الكلمة، وأن منتصف ليلة (إسلام دار) بخورية بكل معاني الكلمة، ولكن لماذا هذه المفارقة إذن؟
ليلة السبت الدانماركية تزدحم بالخيانات، حتى الخيانات الزوجية كما يقولون، وتزدحم الاجساد بالاجساد، مطحنة لحمية ساخنة رهيبة، وليلة الجمعة في (إسلام دار) تضج بأصوات التائبين الآيبين، هناك خانات للرجال وخانات للنساء، الكل غارق في غيبوبة صوفية هادئة، الرحمة الربانية ساهرة، تحمي الجميع من نزغات الشياطين السرية، إذن لماذا مفارقة (ماريا) و (زهرة)؟
هل نقيس خيانة عن إرداة بخيانة عندما يغيب الرقيب؟
أين هو الرقيب الداخلي في شورع (إسلام دار) عندما توحش من المارّة، وعندما يخيم الظلام فجأة؟
هل يمكن لـ (زهرة) أن تطمئن لتلفون إسعاف فيما لو فكرت بأنها تريد أن تجازف للخروج في شارع من شوارع (إسلام دار) في منتصف الليل مضطرة؟
هل يمكن لـ (زهرة) أن تطمئن على منبت شرفها التقليدي لو أنها جازفت للخروج في منتصف ليلة شتائية باردة مرغمة؟
لكن (ماريا) مطئنة، وفي شوارع الدانمارك العاهرة، وفي الليلة الساخنة بانفاس الشهوة السافرة العلنية!