quot;جمهورية العباقرةquot; هو الوصف الذي أطلقه quot;شوبنهورquot; علي الحكماء السابقين علي سقراط، أما quot;نيتشهquot; فقد وصفهم بquot;النماذج الصافية للفكرquot; في كتابه quot;الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقيquot;. وكلاهما أستبعد quot;أفلاطونquot;، لأنه حسب تعبير quot;نيتشهquot; يتسم بكونه: quot;أول هجين كبيرquot; في تاريخ الفلسفة، وهذا مدون في شخصيته كما في فلسفته. ونظريته في quot;المثلquot; أبلغ دليل علي ذلك، فهي تجمع عناصر سقراطية وفيثاغورية وهيراقليطية، لذلك لا يمثل quot;نموذجا صافيا للفكرquot;. أضف إلي ذلك أن أفلاطون هو الذي دفع بالتقسيم الخاطئ بين عالم المثل وعالم الواقع، السماء والأرض، الروح والجسد... إلي آخر هذه الثنائيات التي ترزح (كلعنة) علي الفلسفة حتي اليوم، وهي quot;لعنةquot; تشبه quot;لعنة الفراعنةquot;، التي تحتاج إلي مقال مستقل.
زيارة أفلاطون إلي مصر واقامته فيها وتأثره بثقافتها، ثابت من الناحية التاريخية والفلسفية، فقد وجدت مقاطع كاملة (مسودات) من مخطوط كتاب quot;الجمهوريةquot; لأفلاطون، أثناء ترميم أحد الأديرة المندثرة في الصعيد، التي أقيمت علي أنقاض أحد المعابد الفرعونية، وتوجد إلي اليوم قرية مصرية بإسم (أفلاطون) بمركز قلين، التابع لمحافظة كفر الشيخ وسط الدلتا تقريبا، وهي القرية التي ولد فيها الشاعر فاروق جويدة.
دريدا هو الذي أمسك بتلابيب quot;تناقضاتquot; أفلاطون، من خلال استراتيجيته في التفكيك ndash; Deconstruction، فقد لاحظ أن الميتافيزيقا الغربية منذ أفلاطون منحت الكلام أفضلية على الكتابة. فالكلمة المنطوقة تجسد حضور (المتكلم) وقت صدور القول، وتلزم (متلقيًا)، فليس ثمة فاصل (زماني أو مكاني) بينهما، فالمتكلم يستمع في الوقت الذي يقول فيه، وهو ما يفعله المتلقي في الوقت ذاته.
وسمة المباشرة في حقل الكلام تعطي قوة خاصة، لأن المتكلم يعرف ما يعني، ويعني ما يقول، ويقول ما يعني، ويعرف ما يقول، وهو قادر، فضلاً عن ذلك على تصحيح أخطاء الكلام أو التأكيد عليه، وعلي معرفة ما إذا كان الفهم قد تحقق فعلاً أم لم يتحقق.
وتفضيل الكلام على الكتابة، هو ما اصطلح على تسميته بـ quot;التمركز حول الصوتquot; - Phonocentrism، الذي هو أساس التمركز حول العقل ndash; Logocentrism، في المركزية الغربية (الأورو- أمريكية).
وإذا كان الصوت في الكلام يمثل quot;الحضوquot;، حضور المتكلم، فإن الكتابة تمثل quot;الغيابquot;، غياب المتكلم. ويرجع دريدا ذلك إلى أفلاطون أيضا، الذي أكد في محاورة quot;فايدروسquot; أن الكلام يحمل طابع quot;الحيويةquot; الذي تتصف به النفس، وquot;الحقيقةquot; التي هي حوار الروح الصامت مع نفسها، أما الكتابة فهي وسيلة جامدة صماء، وهي محاكاة quot;ميتةquot; للفعل الكلامي الذي يتضمن حيوية خاصة.
لكن أفلاطون عاد أدراجه في كتابه quot;القوانينquot; (الجزء السابع) ليؤكد علي ضرورة تعليم quot;الكتابةquot; والقراءة في مدينته المثالية لجميع الأطفال دون تمييز بين الذكور والإناث. وذهب إلي حد القول بأن quot;الكتابةquot; هي أثمن هدية من quot;الإله تحوتquot; حسب الأسطورة المصرية القديمة.
لقد كان دريدا واعيا بالدور الخطير الذي لعبه أفلاطون في تاريخ الفلسفة، لذا خصص له دراسة مستقلة هي quot;صيدلية أفلاطونquot;، فضلاً عن استشهاداته العديدة بأعماله. فقد أظهر التفكيك أن زعم أفلاطون - في محاورة quot;فايدروسquot; - quot;بأنه لا يقوم إلا بمحاولة لإعادة تسجيل كلام أستاذه وأبيه الفلسفي سقراط، هو مجرد حيلة بارعة، للقضاء علي أستاذه قضاء مبرما.
فقد كان أفلاطون يقوم بإحياء سقراط (في الظاهر) حين يعيد كتابة أقواله، ولكنه كان أيضًا يقتل سقراط (في العمق) حين يخرق قانون الأخير في تحريم الكتابة. وهكذا فإن quot;صيدلية أفلاطونquot; تأسست على مبدأ quot;الكتابةquot; بوصفها الفارماكون Pharmakon (السم والترياق معًا)، الذي يقتل ويعالج في آن واحد.
وأفلاطون الذي يحذرنا من خطورة فكرة quot;الشبهquot; وquot;الشبيهquot;، في محاورة quot;السوفسطائيquot;، حيث يقول علي لسان quot;الغريبquot;: quot;لما كان الذئب يشبه الكلب، وأكثر الحيوانات وحشية يشبه أكثرها أهلية، وجب علينا، إن أردنا ألا نخطئ، أن نحذر الشبه قبل كل شىء، فالشبه مذلةquot;.
هو نفسه الذي دشن فكرة quot; الشبيه quot; في الفلسفة، الذي يلغي quot; الآخر quot; وquot; المختلف quot; وجوديا ومعرفيا، فقد لاحظ quot;جيل دولوزquot; في كتابه quot;ما الفلسفةquot;: ان (سقراط) الشخصية الرئيسة في محاورة quot;الجمهوريةquot; لأفلاطون، لم يتوقف البتة عن جعل الحوار مستحيلاً. لقد طرح أسئلة على أصدقائه، لكنه كان يعرف الجواب مسبقاً، أي انه حول الصديق، إلى صديق لمفهوم واحد.

ملحوظة مهمة: هذا المقال لا علاقة له من قريب أو من بعيد (بتناقضات) الوزير الفنان فاروق حسني لا قبل ترشحه لليونسكو ولا أثناء هذا الترشيح أو بعد فوز الدبلوماسية البلغارية الرائعة (ايرينا بوكوفا) برئاسة المنظمة الدولية. كما أنه لا يلمس من قريب أو من بعيد علي (تناقضات) الموقف المصري من مسألة التطبيع مع اسرائيل، والتحقيق مع الدكتورة هالة مصطفي بسبب مقابلة السفير الإسرائيلي بالقاهرة quot;شالوم كوهينquot; داخل مؤسسة الأهرام.... فقط (الكلام جاب بعضه).


[email protected]