قرأ الاستاذ الجامعي العراقي المتمرّس الامر الصادر عن وزارة التعليم العالي، وبدا عليه الاستغراب في البداية، غير انه تذكّر واقع الحال فعاد الى عدم اكتراثه. الامر الصادر يطلب من الاقسام في الكليات العراقية بتكوين مكتبة لكل قسم خلال فترة شهر واذا لم يقم بذلك فسيتعرض القسم الى الاغلاق.
تساءل الاستاذ المتمرس، وهو مقرر احد الاقسام، عن المقصود بتكوين مكتبة، والاقسام حاليا لها مكتبات، لكنها غير كاملة وليست حديثة تماما. والمفروض تحديثها واضافة اعداد من الكتب اليها.
ماهي هذه الكتب؟ كيف يتم اختيارها؟ من الذي يشتري ومن اين يجري الشراء؟ والسؤال الاخيرعن الجهة التي تقوم بشراء وتوريد الكتب هو مربط الفرس. فهنا ستعطى المقاولة بشراء الكتب الى من يعنيهم شان الشراء، وحين ينتهي امر تسديد الفاتورة يكون الامر الوزاري قد انجز حتى ولو لم يصل اي كتاب الى اي قسم، او لو وصلت كتب اقسام الفيزياء الى اقسام اللغة العربية. فهي كلها اقسام وكلها كتب. ربما كان كل هذا مفهوما، ولكن ان يصار الى اجتثاث الاقسام الجامعية، قضّها وقضيضها: طلابا واساتذة وادارة وبنايات وظيفية، فهذا مما يحتاج الى فهم وتسمية، الى اذا اعتبرنا ذلك تهديدا لتسريع صفقات شراء الكتب وهنا تكون سياسة التجهيل والاستغفال - وهو الارجح - قد استخدمت الكتب شعارا ودثارا لها. وابوك الله يرحمه.
يعرف الاستاذ (ز. س ) كل هذا السيناريو مسبقا فهو مكرر، وقد يحصل ما هو ابعد من السيناريو، اي يحصل ما يجعل السيناريو في يد المخرج على الطريقة quot; العلميةquot; الجديدة، وليس لهذا علاقة بالوزير الفلاني، فالوزراء يتبادلون العصي في ركض البريد الذي ما عاد غريبا في ميادين ارض الرافدين.
يضحك الاستاذ المتمرس، والحقيقة ان من بين عاداته الضحك كما يضحك ابناء جلدته العراقيون، ويستعيد الصورة التي حصلت قبل اكثر من سنتين: يصل كتاب من الوزارة الى احد الاساتذة الذين يستحقون الترقية، فلأجل الترقية كان على الاستاذ المعني ان يلتحق بدورة تعليم الانترنت ولكن الاستاذ قد انتقل من الكلية التي وصلها الكتاب.. وتكتب الكلية الى الوزارة بذلك. ولا يفيد. ويعود الكتاب يهدد الاستاذ بحجب الترقية وتعود الكلية الى الوزارة طالبة منها ان ترسل كتبها الى الكلية التي انتقل الاستاذ اليها. ولا يفيد. اخيرا اضطرّت الكلية الى اعلام الوزارة بان الاستاذ الذي حان وقت ترقيته قد مات منذ زمن بعد انتقاله منها ولكن وزارة التعليم العالي، لا تعرف بوفاة احد اساتذتها الجامعيين، واصرت على مواصلة الطلب من الاستاذ الميت ان يلتحق بدورة تعليم استخدام الانترنت.
والواضح كما يقول الاستاذ المتمرس، ان الوزارة تحبّ تطوير كفاءات الاساتذة الاموات، لانها اتمت على اكمل وجه دورات تطوير الاحياء منهم، وظلت الكتب الورقية تتواتر على الكلية السابقة الى ان نفد صبر العميد، ولم يعد هناك مجال للمماطلة فذهب بقدميه الى الوزارة.. ليكف المسؤولون فيها عن اهدار الورق والحبر.. ووقت الموظفين.. فالاستاذ قد مات.. والاجدر بالوزارة تأبينه بما يليق.. وليس الطلب منه ان يحضر دورة تعليم الانترنت كما ان الاموات ليسوا صالحين لان يكونوا سببا لربح القيمين على مثل تلك الدورات.
يقول الاستاذ (ز.س ): كان الميت من الصابئة المندائيين، وبما ان حياة هؤلاء متوارية تقريبا الان في العراق فان موتهم يشكّل فضيحة لاقاربهم الذين تستّروا على هويتهم من خلال عدم التنويه بميتهم.
الاستاذ المتمرّس، لا ينسى هنا، وهو بمناسبة الموت، ان يذكر النظام quot;المقبورquot;.. ففي سنة من السنوات، كان احد الدفاتر الامتحانية لقسم الجغرافية في كلية الاداب بجامعة بغداد مفقودا، وبحثوا عنه، وبعد اجراء العدّ على دفاتر الاقسام الاخرى.. وجدوا دفترا زائدا في قسم اللغة العربية، واستحصلوا الدفتر المفقود.. ووجدوه مصحّحا من طرف استاذ اللغة العربية.. وعليه الدرجات.. في درس النحو..
فرك الاستاذ عينيه وكانه قد خرج للتو من ردهة الكوابيس حيث جميع المزورين والفاشلين من الاساتذة والطلبة الذين نجحوا اخيرا في الانتصار الصريح على حمورابي يقيمون حفلة للتصفيق الداعر وهم يطوفون بجهالاتهم ويحملقون به. قال (ز. س): نحن نواصل النظر العابث الى الموتى وهم يدفنون موتاهم تبعا لوصية المسيح.. فما اشبه الليلة بالبارحة.