أن تكون "عميريًا" في هذا الزمن يعني أن تكون معرّضًا لكل أنواع القهر، طالما هاجسك الأساس هو الخبر الحقيقي، بكل موضوعية. إنها الكأس المرة.. ومن قال إن النجاح حلو الطعم دائمًا؟.
&
علمني العمل في "إيلاف" أسوأ عادات. علمني أعود إلى خبري مرات ومرات. علمني أُخرِج من قلبي كل خوف، وأركب الجسارة مهرًا ليل نهار. نعم، علمني عثمان العمير أسوأ عادات. علمني أن الخبر الدقيق لا يحتاج همزة على ألِفٍ ما إن كانت الحقيقة لا ترتبك من دونها. علمني أن أكون ليبراليًا في طقس كتابةٍ لا يلتفت إلى حرف الخبر بمقدار ما يهتم بما ينسجه هذا الخبر من شبكة تساؤلات، تثير اهتمام قارئ، إن وافقه، وحفيظة قارئ، إن عارضه، ويدعوهما معًا إلى وليمة النقاش العامرة بالتناقضات الجميلة.

لم أكن بعد متورطًا في "كار" الصحافة حين طيّر عثمان العمير طائرةً افتراضية غريبة، فيما كان الكل متأبطًا طائرته الورقية. أتخيل اليوم الضحكات الصفراء، التي ارتسمت على وجوه أترابه، قبل 15 عامًا بالتمام والكمال، فأنا أراها الآن، هي نفسها، ترتسم على وجوه أتراب ربما تغيروا، بعدما قال العمير لكل من تبعوه إلى أحضان الصحافة الإلكترونية أن لا يحتفوا كثيرًا بمواقعهم التي يبذلون في سبيل ترويجها أعز ما يملكون، فنهاية الصحافة الإلكترونية أقرب مما يتصورون. ألا ترونهم يضحكون الضحكات الصفراء نفسها، ولسان حالهم: "جررتنا إلى هيكلك، فتهدمه الآن فوق رؤوسنا، فإلى أين تجرنا ثانيةً؟". لكن... ألم تتأخروا نحو عقد ونصف عقد على هذا النحيب؟.

ما بنى عثمان العمير هيكلًا ليهدمه، إنما وضع حجره الأساس. وحين وقف الهيكل أضاء العمير فيه شمعة، غير آبه للريح. وفي نور هذه الشمعة الصغيرة، عبّدت التحقيقات والموضوعات طريقًا لا نهاية له، يتطور بتطور الزمن، وبإسهاب كتاب اهتدوا بقانوني العمير: صدقية وموضوعية. واليوم، إذ يتكهن أبو إيلاف بكهولة ابنته، على صباها المتجدد، فهو يرمي إلى مستقبل للصحافة كشف له عقله عنه الحجاب... وفي عهد العمير، لا رمية من غير رامٍ.

أنا مستجد في هيكل "إيلاف"، وأعترف أنها داء لا دواء له، ولا شفاء منه، أغادرته أم لزمته. فأن تكون "عميريًا" مرة فهذا يعني أن يمسّك ضرٌّ كبير: ضرّ الارتياب من أن لا تفي الخبر حقه. تخطئ، فليكن. ربما تعود إلى الكتابة لكن لا تعود إلى ما كنت عليه أبدًا.

وأن تكون "عميريًا" يعني، بعد 15 عامًا، أن تكون مستعدًا لتحمل اللوم على كل كلمة تكتبها، لأنك مقتنع بها، وبأنها حقيقة لا لبس فيها، طالما هاجسك الأساس هو الخبر الحقيقي، بكل موضوعية؛ ويعني أن تكون مستعدًا لرفع شارة النصر وأنت مطمور تحت أنقاض أفكارك؛ أن تكون مسلّمًا أمرك إلى نزوة المغامرة؛ وأن تعلم علم اليقين أن المطلوب دائمًا هو أن تكون سباقًا، لا يلحق بك الآخرون.

اليوم، بعد 15 عامًا من مسيرة "إيلاف" الثورية في عالم المعرفة الصحافية الإلكترونية، أول صحيفة إلكترونية عربية، وبالدليل القاطع، نقول لكل من يمّم شطرنا بعد لأيٍ، ولكل من يسألنا "ماذا بعد؟": "تبدأون حيث ننتهي... فأمسنا غدكم".