مطلوب النقد الموضوعي للحكومة ومجلس الأمة، والشفافية مهمة جدا، بل حاجة وطنية لتحديد مصادر التأخير والتأجيل في إصلاح بيت الحكم في الكويت، فالتأخير له ثمناً مضاعفاً، والإيماءات والايحاءات لها الأثر السلبي العميق على الدولة إعلامياً وسياسياً.

إن الإصلاح السياسي في الكويت لا يحتمل ترف الانتظار ولا الاختلاف والخلاف، وينبغي خروج المراجع وأصحاب القرار واطرافه من دائرة عدم المواجهة إلى جبهة الاعتراف بحقيقة الصراع في بيت الحكم في الكويت والشأن الداخلي المعقد والمفتعل أيضاَ!

عند الحديث عن الشفافية السياسية والمكاشفة، لابد من وقفات جادة في تحليل الظروف السياسية الداخلية في بيت الحكم، وانعكاسها على العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبيئة العمل الحكومي والنيابي في الكويت.

لا ننكر أن ثمة تشوهات وانحرافات وعثرات واخفاقات في الممارسة الديمقراطية في الكويت، وهذا لا يعني التحفز للقفز على المكتسبات الديموقراطية التاريخية، والنيل منها بسبب ظروف سياسية طارئة واستثنائية، فثمة حقائق دستورية لا يمكن نكرانها.

تحمل عادة الخطابات السياسية الرؤى للدولة تجاه القضايا الداخلية والخارجية، ولكن حين تكون الكلمات مثيرة للجدل في الأوساط السياسية، ومحفزة للتأويل والأقاويل فهي تصبح مصدراً للقلق المشروع والاحتقان والتأويل والاقاويل والتفسير العفوي في ظروف دقيقة وأوضاع معقدة.

لا يمكن للشعب الكويتي أن يحمل مشعل الوعي السياسي ويلعب دوراً محورياً في التغيير والتطوير وتحقيق قفزات وتحولات إصلاحية في الحقوق والوجبات، في حين تغيب الرؤية السياسية المستقرة والثاقبة نحو مستقبل غير مضطرب...مستقبل جامع لوحدة الرأي والقرار والموقف.

ولا يمكن للشعب الكويتي محاسبة نوابه وحكومته في ظل نظام الصوت الانتخابي الواحد، وهو النظام العليل منذ ولادته، واستمراره يفرق الشعب ولا يوحده، فنسيج المجتمع بخطر؛ فكيف نحاسب أطرافه في ظل نظام انتخابي رجح الخطأ على الصواب؟!

حقيقة لا تحتمل اللبس أن الشعب براء من الفوضى السياسية والغوغاء، والمزايدات والمبالغة النيابية في مصالح الشعب المصلحة الوطنية، ولكن ماذا عن القرار السياسي وصناعته في الكويت؟!

إن قاعدة صناعة القرار السياسي في الكويت ليست ذات علاقة مباشرة حقيقية بالشعب، فانتخابات مجلس الأمة وفقاً للنظام الواحد الانتخابي لا تخدم مصلحة الكويت ولا نسيج المجتمع وطبيعته الحقيقية، ولا ينبغي تجاهل هذه المعضلة الأخذة بالنمو والتورم.

الكويت بحاجة إلى حل يعالج حقيقة الأزمة السياسية في الدولة، ورؤية واقعية لمصدر الأزمة وأطرافها من داخل بيت الحكم قبل خارجه ومحيطه، وجراحة سياسية عميقة في بيت الحكم، وليس شكلية ومؤقتة، فالدستور حسم طبيعة نظام الحكم والمبايعة، والديمقراطية لم تعد خياراً لتُؤجل ولا قراراً ليُناقش.

إن الصراع والخلاف في بيت الحكم في الكويت ليس سراً ليُذاع ولا خبراً ليُشاع، ولا تجنياً ليُختلق، ولا شماتة لتُردد، ولا النظام الديمقراطي الكويتي استفهاماً سرمدي المصير!

تعصف في الكويت تعقيدات سياسية واجتماعية داخلية منذ عقود دون حل سياسي جذري، وتهديدات إقليمية شتى تستوجب حسم الرأي والموقف بين جميع الأطراف في بيت الحكم، فمن غير المعقول التهاون بالحلول والتسويف في القرار والتردد في حسم صراع بيت الحكم.

أسرة الحكم في الكويت اجتازت تاريخياً تحديات وصراعات وخلافات شتى، وقد لعب الشعب الكويتي دورا محورياً ومهما للغاية في إصلاح بيت الحكم حتى ليدب الخلاف بين أسرة الصباح منذ العام 1921 حتى العام 2006، ولكن الدروس دون الطموح!

دروس الماضي لا ينبغي أن تغيب عن ذاكرة الحاضر ولا المستقبل، والشعب الكويتي لم يتغير، ولكن الصراع في بيت الحكم في الكويت استفحل كثيراً ولا زال مستمراً منذ قبل الاستقلال حتى العام 2023!

الاستفهام الوطني ليس بغرض ترجيح جناح على أخر ولا دعم طرف ضد الأخر، ولا ما قام فيه الكويتيون منّة على بيت الحكم، ولابد من القول الصريح من أجل الكويت نظاماً ووطناً حتى لا تنتشر الفوضى ولا يتمدد الصراع إلى أجيال لا ذنب لها في الواقع والتاريخ.

لا حاجة لاعتساف الاستفهام الدستوري، فالهدف ليس مبالغة إنشائية، فالغاية النبيلة في الحد من زحف صراع بيت الحكم من مرحلة معقدة إلى مرحلة أكثر تعقيداً وإيلاماً، وخروج الصراع إلى الشارع الملتهب سياسياً!!

الحكمة موجودة والعقل موجود، وما ينقصنا فقط حوار صريح يجمع بيت الحكم وأهل الكويت لوقف نزيف الخلاف والصراع في بيت الحكم.