اعتدال سلامه من برلين: التقمص، كلمة ترفضها ديانات فيما تعتنقها اخرى وتعني تقمص روح انسان قد مات شكل من الاشكال ان انسان اخر او غير انسان . وفي التعريف الروحاني فان الانسان بعد الموت يفنى جسده اما روحه فتظل هائمة في الكون تبحث عن جسد لتعود وتولد فيه من جديد، وليس من الضرورة ان تكون ساعة الوفاة بل لاحقا. وفي التعريف الروحاني فان الانسان بعد الموت يفنى جسده اما روحه فتظل هائمة في الكون لتعود وتولد في جديد. وهذا الحالة تسمى ايضا عودة الولادة او تحول الروح الى جسد اخر ويطلق عليها عدة تسميات منها كارماKarma.

وتصور الحياة بعد الموت موجود في العديد من ثقافات العالم ودياناتها، ففي الفلسفة الاغريقية دُّرس التقمص على يد الفلاسفة الكبار مثل بيناغوراس(وعاش 600 سنة قبل الميلاد) وامبدوكلاس وبلاتو وكلاهما عاشا تقريبا في نفس الوقت في القرن الخامس قبل الميلاد. ولقد علموا تلاميذهم بان التقمص يعني وجوب حلول النفس في جسد ما عندما يموت جسدها التي كانت فيه وذلك لضرورة داخلية او بهدف اخلاقي كي تاخذ شكلا جديدا. ولقد تمثلت عقيدة التقمص في تماثيل الرومان ومنحت قدسية القيصر وفي اليهودية في الكابالا وفي الاسلامي في التصوف كما الهندوسية.

والدرزية هي الطائفة الوحيدة من الطوائف الاسلامية التي تؤمن بالتقمص، لكن وبعكس المجموعات الاخرى فان الروح لدى الدروز تتقمص جسد انسان لا حيوان. وافكار التقمص لم ترد لدى اليهود الارثوذكس، لذا فانها لم ترفض كما لم تقبل، ولم يطور المذهب اليهودي اي تصور لما يحدث بعد الوفاة بل اعتمد فكرتين بنيت على القليل من الادلة اطلق عليها الاولى وتسمى Tanach وهي الاعتقاد بقيام الموتى أي يموت الانسان جسدا وروحا الا انه ومع مجئ المسيح المنتظر يعود الى جسدا وروحا ، لكن الجسد يبعث لوحده دون الروح. والثانية ان الروح الطاهرة تعود بعد الولادة والحياة والموت الى خالقها . بينما في مبدا كابالا اليهودي وهو التصوف اليهودي فان عودة الجسد هي عقاب الهي الا انها تخدم النفس كي تعمل لتصبح كاملة وتستقر في جسد جديد.

ولا تعترف المسيحية بالتقمص بل بقيامة السيد المسيح فقط ، لكن توجد مجموعات صغيرة جدا منشقة تعتقد بتحول الروح او بالتقمص من بينها مجموعة Gnosis وعاشت في القرون الوسطى في اوروبا.
وظهرت مبادئ لها علاقة بالتقمص مثل مبدا Theosophie واتبعته عالمة النفس الروسية الاصل هلينا بيتروفنا بلافسكي ويتعلق بالمذاهب الشرقية واختلفت عن غيرها بانها ربطت بنظرية النشوء والارتقاء. أي ان كل روح تتطور من حياة الى اخرى وترتقي دائما الى مستويات اعلى ، وبعكس البوذية او الهندوسية لا تصاب بانحدار بل بارتقاء دائم.

والتقمص بنظر المؤمنين به هو عودة الروح او اعادة ولادة الروح في جسد اخر أي ان الروح ترتبط بجسد جديد ، وامن بها الفيكينغ الاسكندنافيين والاسلنديين ومازالت في اسلندا فئة محافظة على تقاليدها القديمة حتى الان ، كما يعتبر التقمص اساسا لدى مجموعة من الشيعة في غرب اسيا، ايضا لدى شعوب في اسيا وافريقيا لم تعتنق بعد أي ديانة اخرى.

وعلى سبيل المثال يقول بلاتو الفيلسوف الاغريقي وكان تلميذ الفيلسوف الاغريقي سقراط ان الروح وقبل حلولها في جسد جديد تختار الحياة التي تريد ، لكن كلما كانت الروح حكيمة في الماضي او تمنت ان تكون حكيمة يكون اختيارها للجسد افضل .لذا تؤمن شعوب في غرب افريقيا وفي منطقة تلينغيت جنوب شرق الاسكا ان الامنية التي يتمناها الانسان قبل ان يموت كي تكون روحه افضل تسهل عملية العثور على الجسد المطلوب.
وفي الستينات نمى الاعتقاد بالتقمص في شمال اميركا وغرب اوروبا وزاد عدد الذين يؤمنون به لكن نافسه ما يسمى بحركة new-age-movement ونمى وزاد عدد اتباعها نهاية قرن العشرين ومعظمهم من الفنانين والاكاديميين، وتعتمد على مبدأ ان وضوح الروح تسهل الحياة الثانية بينما يقول اتباع البوذية ان سلوك الانسان وسعيه وافكاره وشعوره له تاثير على حياته بعد الموت وهذا ما تنص عليها تعاليم كارما.
روايات عن التقمص
وروى الصحافي الهندي وكاتب القصص البوليسية المعروف كريم راسن شوهان انه التقى يوما بالصبي تراجيت من عائلة سنغ قال له بانه كان في الحياة الاخرى ويتذكر الكثير منها. واخبرته عائلة الصبي انه ومنذ كان عمره عامين يتحدث عن حياته الاخرى، وهرب من المنزل ليبحث عن بيته الاول، وهو يعرف في أي قرية كان يسكن يومها ويعرف اسم امه وابيه ومدرسته التي تعلم فيها. وقال انه ركب في حياته الاخرى في ال10 من شهر ايلول(سبتمبر) عام 1992 الدراجة متجها الى البيت فصدمه شاب كان يركب دراجة نارية فاصيب نتيجة ذلك بجروح في راسه وفي اليوم التالي توفي. وقال ابوه الحالي رانجيت سنغ ان الصبي كان يصر على اقواله مما دفعه وزوجته للذهاب الى القرية التي يقول انه ولد فيها. في البداية لم يجد احد احد يصادق على قول ابنه او يعطى اوصاف لوالديه في حياته الاولى كما يدعي لكن نصحه احد السكان بالذهاب الى القرية المجاورة والتحدث مع معلم المدرسة الذي اكد له وقوع حادثة الدراجة النارية، كما وجد عنوان الوالدين.

وكانت المفاجاة الكبيرة عندما التقى تراجيت سنغ والده في الحياة الاول فذكره بان كتبه بعد الحادثة كانت ملوثة بالدماء ، وقال له ايضا كم من المال كان بحوزته يومها، وبكت امه من الحياة الاولى وحملت له الكتاب الملوث بالدم والدراهم واحتفظت بهما كذكري، وعندما عرض على الصبي صورة زفاف والديه في الحياة الاولى عرفهما بسرعة رغم تقدم السن.

ولم يصدق الكاتب ما يسمعه او يرفض لكنه كان فضوليا واراد معرفتها حتى النهاية فزار العائلتين كل واحدة على حدا في القريتين بعد ذلك وسمع نفس القصة. واكد مالك مزرعة بالقرب من مكان الحادثة على قول الصبي قبل مقتله بوجود دراهم في محفظته تساوي ثمن الكتاب الذي اشتراه منه بالدين ويبدو انه كان اتيا اليه كي يسدد ثمنه.

كما تاكد للصحفي راسن شوهان ان الصبي ابن عائلة سنغ لم يذهب قط الى المدرسة لان والده فقيرة جدا، لكن عندما طلب منه كتابة الاحرف الابجدية اللاتينية والبنجابية كتبها من دون أي اخطاء اضافة الى الكثير من الكلمات الصعبة. وقارن خطه مع خط الولد الذي توفي في الحادثة فلم يميز بينهما. وحسب قوله كخبير علم الجرائم لا يمكن ان يكون لشخصين نفس الخط لان كل يد لها خصوصياتها في الكتابة ، وهذا ما يسهل كشف عمليات الغش والتزوير. واخبره احد معتنقي التقمص ان الروح عندما تتمقص جسدا اخرى تاخذ معها خصال الجسد الاول ايضا خاصية خط اليد. ومن اجل التاكد اخذ الكاتب خط الصبي والشاب المتوفي وفحصها لدى خبراء خط فاتضح انها من يد واحدة.
والقصة الاخرى حدثت في شمال الصين، اذ ان رجلا وزوجته كان يلبيان كل رغبات ابنهما الضعيف والمريض دائما ،وبعد ان زاد ضعفه وشارف على الموت طلب منهما ان يذبحا له الحصان وهو كل ما يملكان لياكل لحمه لكنهما رفضا ذلك. وفي يوم الح عليهما بالقول سوف اموت لذا اريد اكل قطعة من لحم الحصان الان والا سيكون الوقت متاخر ساموت قبل ذلك. وخوفا عليه ذبحا الحصان وطبخت الام اللحم وقدمته الى ابنها وبعد ان اكل مات بعد ساعات
قليلة . وبعد الدفن اتى اليهم راهب بوذي عرف القصة من دون ان يروها احد له وقال لهما بان
ابناهما كان ابنة عائلة غنية وعندما بلغت ال18 سنة من العمر ذهب مع عائلتها لزيارة اقارب لها ذبحوا حصانا تكريما لهم الا ان الشاب اصيب بسهم قتل فيه وكان راغبا في اكل لحم الحصان. ووصف الراهب الولد والشاب فاتضح ان لديهما نفس العلامات على جسميهما، والشبه في العادات متقاربة الى درجة غير عادية.
وفي كتابه الاخير عن التقمص اورد الكاتب الامريكي وعالم النفس كارتر فيبس العديد من الروايات عن التقمص من اهمها ما حدث لجيمس ليننيغر ولد بحالة نفسية وجسدية جيدة، وعند بلوغه العامين اظهر شغفا وولعا بالطائرات بشكل غير عادي وكان يرفض اللعب باي لعب اخرى مثل الاطفال مما اقلق والديه. وكان يستيقظ دائما ويروي لوالدته الكوابيس التي كان يراها وبان الطائرة قد هوت والرجل الصغير القامة فيها لم يتمكن من الخروج منها. وتساءلت والدته بعد ذلك اذا كان حب ابنها جيمس للطائرات يخفي اكثر مما تراها او تسمعه منه، ام ان ما يرويه ليس سوى من مخيلة طفل.

وتذكرت يوما انها اشترت له طائرة عسكرية تحمل تحت جناحها حسبما اعتقدت صاروخ فصحح لها ابنها معلوماتها وقالت ، يا امي هذه ليس صاروخ بل خزان الوقود. ولم تشهد هي نفسها من قبل خزان وقود طائرة ، فكيف لطفل في الثانية من عمره التفريق بين الخزان والصاروخ.

ومع الوقت بدا جيمس يصاب بالمزيد من الكوابيس يقصها على والدته اضافة الى قصص من حياة في الماضي ، وقال يوما لوالديه بانه كان قائد طائرة في سلاح الجو الاميركي فوق حاملة الطائرات اسمها Natoma، حتى انه تذكر اسمه صديقه على السفينة وكان اسمه جاك لارسون، مما اصاب الوالد بالقلق وقرر ان يبحث القضية بعمق اكثر وبالفعل حصل على معلومات مذهلة. فحاملة الطائرات الاميركية ناتوما كانت بالفعل متمركزة في المحيط الهادي والصديق لارسون الذي ما زال حيا ويسكن في كانساس كان على متنها.

وفي يوم من الايام وفي الوقت الذي كان يقلب فيه جيمس مع والده صفحات كتاب عن الحرب العالمية الثانية وضع اصبعه على صورة لجزيرة يابانية وقال اسمها من تردد أنها جزيرة Iwo Jima واطلق على طائرته صاروخ فوقعت فوق هذه الجزيرة بعد ان اصيب محركها مباشرة، فاصبح الوالدان اكثر تحمسا لمعرفة ماضي ابنهما وهل له حياة سابقة حقيقة، واذا كان ذلك فكيف كانت. ولاحظا انه عندما يلفظ اسمه كان يقول جميس الثالث، فبحث الوالد في لائحة اسماء الذين كانوا فوق حاملة الطائرات وسقطت طائرته في الجزيرة اليابانية فعثر على اسم جيمس م. هيوستين جنيور وهو من الجيل الثالث في العائلة وقتل بالفعل في عند اصابة طائرته خلال الحرب.
ومن العلماء الالمان الذي انشغلوا بقضية التقمص عالم الانتروبوزوف رودولف شتاينرز الذي قال في محاضرة له قبل عشرة اعوام في ميونيخ والحقت بملفات علم النفس وحالات الغيب ان الكثير من المشاهدات اكدت صحة اعتقاد البوذيين والهندوس بالتقمص او انتقال الروح من جسد توفي الى جسد اخر في الوقت المناسب، والا فاين تذهب الروح بعد مغادرتها الجسد انها تحوم في الفضاء باحثة عن جسد لها لانها لا تفنى.