"إيلاف" من دبي: يُسلِّط مسلسل "فات الفوت" الضوء على أحداث غرق سفينة "دارا" ضمن إطارٍ درامي بعيداً عن التوثيق، فيجمع بين الوقائع التاريخية والقصص المشوقة في قالبٍ اجتماعي كوميدي. ويتابعه المشاهدون يومياً وحصرياً على قناة سما دبي في الساعة الواحدة بعد الظهر بتوقيت غرينيتش والساعة الخامسة مساءً بتوقيت الإمارات. 
ومن المعروف أن حادثة غرق السفينة "دارا" المعروفة بتايتانيك الخليج الذي كان على متنها حوالي 690 راكباً و132 من طاقم السفينة، قد أسفرت عن 238 ضحية. 

والجدير ذكره هنا أن هذا المسلسل يعالج مأساة إنسانية ويذكر بحقائق ووقائع تاريخية ثابتة. إلا أنه بعيد كلّ البعد عن التوثيق، إذ يستعرض سلوكيات البشر خلال الحوادث، حيث يتولّى سرد الأحداث أحد أبطال العمل، المهندس عبود الذي درس الهندسة في الهند وقرر العودة إلى دولة الإمارات وكان أحد الناجين من حادثة المركب الشهير. وهذا بالفعل ما أضفى إلى المسلسل طابعاً درامياً، بالإضافة إلى تجسيده للنماذج الكوميدية ضمن مواقف وأحداث طريفة مرتبطة بالعادات والتقاليد.
ولقد نجح المخرج المبدع بطال سليمان في تجسيد نصّ خميس إسماعيل المطروشي وفق رؤية متجددة مستعيناً بالمعالجة الاجتماعية للأحداث والنزعة الكوميدية المطعّمة بالعبارات والمفردات الشعبية المحببة.

غموض منذ عقود
ورغم مرور خمسة عقود على غرق السفينة، بقيت تفاصيل هذه الحادثة وقصص الناجين عالقة في الأذهان، إذ لا تزال من أبرز القصص التي تتناقلها الأجيال حتى يومنا هذا في الإمارات والخليج، حتى باتت مصدر وحي للعديد من الكتاب والروائيين والصحافيين الذين يجذبهم غموض وأسرار وقوع هذه الكارثة. 
فسفينة دارا التابعة لشركة "بريتش انديا سيستم نيفيجيش" تمّ صنعها بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1948 وتبلغ مساحتها 5000 قدم مربع ويمكن أن يصل عدد ركابها إلى 14511 راكباً ويبلغ عدد طاقمها 200 بحار بقيادة القبطان تشارلز أليسون. أبحرت من ميناء البحرين صباح السادس من أبريل عام 1961 متجهة إلى دبي في طريقها إلى كراتشي وبومباي عائدة من البصرة. وفيما اتجهت السفينة من دبي إلى كراتشي، هبت عاصفة أثناء الليل ووقع انفجار في أسفل السفينة، ما أدى إلى انشطارها وغرقها عند الساعة الثالثة فجراً. 
وهناك من يروي أنّ السفينة رست في ميناء دبي في السابع من أبريل، فنزل منها بعض الركاب، لكنّها أرغمت على الإبحار مجدداً عند هبوب العاصفة، وكان قد صعد إلى متنها بعض الأهل والأقارب والباعة المتجولين وعند الساعة الرابعة والنصف فجراً وقع انفجار قوي هزّ السفينة وركابها.

جوردن
وفي سرده لأحداث تلك الليلة المشؤومة، أفاد بيتر جوردن، كبير موظفي السفينة، أن انفجاراً قوياً وقع عند الفجر في مطبخ السفينة قرب غرفة المحركات وهذا ما أدى إلى انتشار النيران تدريجياً في كافة أرجاء السفينة. وارتفع عدد الضحايا بسبب تدافع الركاب نحو قوارب النجاة وصعّب عمليّات الإنقاذ رغم وصول طائرات تابعة للسلاح الجوي البريطاني إلى مكان الحادث نظراً لتواجد قواعدها في البحرين وعدن بالإضافة إلى سفن أخرى تابعة للنرويج واليابان وألمانيا وبريطانيا وأميركا. وغرقت السفينة تماماً في البحر في تمام الساعة التاسعة وعشرين دقيقة صباح العاشر من أبريل. وقد أثّرت هذه الحادثة في حياة الناجين وأهالي الضحايا وبدّلت مسارها في بعض الأحيان.

بين الواقع والخيال
واللافت أن هذا المسلسل لا يُعيد توثيق الحدث فحسب، بل يُعيد إحياء حقبة الستينات التي عاصرته، وهذا ما لامس مشاعر المشاهدين بشكلٍ أعمق. فقد تمكّن الكاتب من إغناء الأحداث التاريخية بمجموعة من القصص المشوقة المرتبطة بغرق المركب فمزج بين الواقع والخيال وذلك من خلال تشويش ذاكرة إحدى شخصيات المسلسل.
وهذا ما سمح في الواقع بطرح الموضوع من زاوية مختلفة وبأسلوبٍ متجدّد وغير تقليديّ، وبزيادة عدد المتابعين الذين أحبوا الشخصيتين الرئيسيتين "عتيق" البخيل الذي يلعب دوره الفنان إبراهيم سالم وبو هلال "الأصم" الذي يجسّد شخصيته الفنان جمال السميطي. ولقد أضفت قصص الشخصيات الأخرى المتشعبة وأدائها المميز ثراءً وتنوعاً في المحتوى الدرامي بعيداً عن الاكتفاء حصرياً بسرد الأحداث التاريخية.