"إيلاف" من القاهرة:&تواصلت أمس فاعليات مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثانية التي تشهد عدد من العروض والفاعليات السينمائية المهمة. فبخلاف السجادة الحمراء لأبطال فيلم عيار ناري مساء أمس،&عُقدت ضمن فاعليات منصة الجونة، حلقة نقاشية بعنوان "دور المهرجانات السينمائية" أقيمت بقاعة أوديماكس والتي أدارتها ديبوراه يونج، الصحفية بمجلة هوليوود ريبورتر، حيث ضمت مجموعة المتحدثين كل من نجيب عايد المدير العام لمهرجان قرطاج السينمائي، وفيديريك بوير المدير الفني لمهرجان ترايبيكا السينمائي، واهوك مؤسسة ومديرة مهرجان جواناجواتو السينمائي الدولي، والسيدة تينا لوك مؤسسة ومديرة مهرجان تالين الليالي السوداء السينمائي، والسيدة هيدي زويكر مبرمجة مهرجان صن دانس السينمائي.

تطرق النقاش إلى المشاكل التي تُواجه المهرجانات السينمائية في المنطقة، كقرار إيقاف مهرجان دبي السينمائي وانعكاساته على صناعة السينما العربية والأفريقية، كما ناقش المتحدثون المتغيرات التي طرأت على المهرجانات السينمائية على مدار الأعوام السابقة، بالإضافة لتطور الدور الذي تلعبه لخدمة المهتمين من صناع أفلام ونقاد وجمهور المشاهدين.
فبينما تم الربط بين تفرّد شخصية كل مهرجان وتحقيق النجاح، قال المتحدثون أن العديد من المهرجانات الحديثة تفتقر الى الرؤية وترتكز على الشق التجاري! لكن، على الرغم من أهميته في تمويل المهرجانات، إلا أن هذا الدور لا يجب أن يطغى على البعد الفني للمهرجانات السينمائية، كما ينعكس ذلك على ديناميكيات إدارة مهرجانات الأفلام التي كانت تتميز بالبساطة في التنظيم، وتطورت لتبني نظم بيروقراطية قائمة على التدرج. وهو ما أغدى أكثر تعقيداً ويتطلبه إدارة المهرجان إحترافيا مع زيادة كمية الإنتاج وانخفاض مستوى جودته، بالإضافة الى تعاظم الدور الذي يلعبه التلفزيون والإعلام الرقمي في صناعة الأفلام الحديثة.

واتفق المشاركون على أن الصحفيين في الوقت الحالي يفتقرون لعامل متعة المشاهدة لدى تغطيتهم للمهرجانات السينمائية، وهو ما كان يميّز دورهم في السابق. حيث كانت تتاح لهم فرصة الإستمتاع بالأفلام وتنوع الإنتاج، بينما أصبحوا الآن يعملون تحت ضغط دائم ليتمكنوا من تسليم المواد الخاصة بهم وفقا لجداول زمنية ضيقة تؤثر على نوعية المحتوى الذي يقدمونه، كما أصبح الرعاة يلعبون دوراً هاماً في استمرارية المهرجانات. حيث بدأت إدارات&المهرجانات السينمائية بفهم أهمية التسويق للعلامة التجارية الخاصة بمهرجاناتهم، بالتوازي مع دورهم الأساسي وهو البحث عن الموهبة.

وأكدوا على انه كما تغيّرت ثقافة المهرجانات الفنية،&يتطور الدور الذي تلعبه في الصناعة أيضا. حيث أصبحت المهرجانات الآن تركز على الصناعة وليس المشاهدين، وبات نجاح المهرجانات اليوم مرتبطاً بشكلٍ رئيسي بالعلاقات التي يملكها مديروها بمجتمع صناعة الأفلام محلياً، وإقليمياً ودولياً.&ذلك لكون المهرجانات السينمائية قد أصبحت منصات للتبادل المعرفي، بالإضافة للدور الهام الذي تلعبه في تسويق الأفلام خلال مراحل الإنتاج المختلفة.
كما أصبحت المهرجانات تلعب دوراً مباشراً في الإنتاج. وهي آخر صيحات مجتمع صناعة الأفلام، وخاصةً في المناطق التي تعاني من الصعوبات الإقتصادية وانعكاس ذلك على الصناعة. فبينما بدأت تلك الظاهرة استجابة لحاجة الصناعة في بعض المناطق،&أصبحت الآن وسيلة ناجحة ومربحة لإدارة المهرجانات على مر السنين. كما ساعد ذلك على دعم شبكة اتصالات المهرجانات بالصناعة وزيادة مدى تأثيرها.

وبينما ناقش كل من المتحدثين الصعوبات التي تواجه الصناعة عامةً، فقد أوضحوا الدور الذي تلعبه مهرجاناتهم في دعم الصناعة بشكلٍ خاص. كما ركزوا على كون تفرّد شخصيات مهرجاناتهم قد ساعدت في خدمة مجتمعات صناعة الأفلام المحلية.
فعلى سبيل المثال، قال نجيب عايد أن تونس لم تكن تمتلك صناعة أفلام لدى إنطلاق مهرجان قرطاج السينمائي في العام 1966، وأن صناعة السينما تطورت في تونس بعدها لتصبح اليوم ذات سمعة عالمية.
كما تحدثت هوك عن الدور الذي يلعبه مهرجان جواناجواتو السينمائي الدولي وكيف أنه أصبح أحد أهم المعالم السياحية في المكسيك لكونه يتيح للجمهور متابعة الأفلام مجانا، وهو ما جعل المهرجان اليوم يعد أحد أبرز التراث المكسيكي.
وبينما قد يعتقد البعض أن مهرجان "صن دانس" لا يواجه نفس تلك الصعوبات نتيجة ضخامة الإنتاج الذي يقدمه السوق في أميركا الشمالية، فقد أوضحت هيدي زويكر أن التواصل مع مجتمع صناعة السينما المستقلة كان يعد أحد أهم المصاعب التي واجهت المهرجان التي عمل عليها بهدف إظهار هذه القئة المهمشة من المجتمع

ندوة رياح رباني
كما شهدت فاعليات المهرجان ندوة فيلم "رياح رباني" الجزائري بحضور صنّاعه، والذي تدور أحداثه حول شريفة دحماني الفرنسية من أصلٍ جزائري والتي نجحت في إرسال ما يقارب 17 فتاة للجهاد في سوريا. ويُقرر أمير الجماعة إرسالها لتنفيذ عملية إرهابية في الجزائر فييكون في انتظارها شاب هناك. لكن قصة حب تنشأ بينهما تتسبب في محاولة الحبيب تغيير حياته لكن القدر يكون له كلمة اخرى.
وقال المخرج مرزاق علواش انه يعكف في الوقت الحالي على إعداد فيلم وثائقي يكشف من خلاله الوعود التي تقدم للسيدات من أجل تنفيذ الأعمال الارهابية. مشيراً إلى أنه حريص في أعماله على تناول قضايا الإرهاب ومحاربة التطرف.

قضايا اللاجئين
كما نظم المهرجان حلقة نقاشية حول أزمات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين بعنوان "اللاجئون وقصصهم عبر الأفلام" والتي أدارها جاي وايسبرج ممثلاً&مجلة فوج، الذي بدأ الحلقة بطرح سؤال حول مدى أهمية صناعة الأفلام في تناول قضايا اللاجئين وما الذي سيخدم القضية حيث دارت نقاشات حول طبيعة الأعمال السينمائية المرتبطة باللاجئين.

المحتوى الرقمي&
كما أقيمت ضمن فاعليات منصة الجونة حلقة نقاشية عن المحتوى الرقمي بعنوان "من الحلق إلى الحصول على التمويل بالتعاون مع دي جي سي" والتي ادارها ليز شاكلتون المحررة بقسم السينما الآسيوية بمجلة سكرين الدولية والمشرفة على المحتوى المتعلق بالسينما الآسيوية عبر كل منشورات الموقع حيث تناولت المناقشات استعداد منطقة الشرق الأوسط لاحتضان الترفيه الرقمي وكيفية تعامل المنتجين مع تحديات الاستراتيجية الجديدة في التسويق.

محاضرات بول هاجيس&
قام المخرج والكاتب العالمي بول هاجيس بتقديم محاضرة رئيسية حول كتابة السيناريو وصناعة الأفلام خلال فعاليات مهرجان الجونة السينمائي، والتي حضرها عدد كبير من صنّاع الأفلام والمهتمين من الكتاب والمخرجين. حيث شدت المحاضرة تفاعلاً كبيرا نتيجة إهتمام الحضور بالإستفادة من خبرة هاجيس فيما يخص مسؤوليات كتاب السيناريو في صناعة السينما مستقبلاً.
"وقال بول هاجيس خلال المحاضرة: "قد يبدو أن صناعة الأفلام وكتابة السيناريو شيئآن&مختلفان للوهلةِ الأولى، ولكن في الحقيقة فإنهما يتشاركان في العديد من الخصائص حيث يتطلب كلاهما القدرة على خلق عوالم وشخصيات، بالإضافة إلى الخيال اللازم لخلق تلك الشخصيات، ومهارات التواصل اللازمة لنقل الرؤية الشخصية لفريق عمل من المتخصصين".
كما ناقش هاجيس ما يتطلبه دور كل من الكاتب والمخرج لإظهار أفضل ما في كل شخصية في الفيلم، حيث وجه تساؤل للجمهور حول ما إذا كان من اللازم أن يفكر المخرج ككاتب أثناء كتابة السيناريو، أو أن يعتمد على مدى معرفته بالنص أثناء عملية الإخراج؟
&أضاف هاجيس "من الضروري أن تتمكن من رؤية عملك من وجهة نظر شخص آخر من دون إصدار أحكام مسبقة".

ولدى حديثه عن فيلمه الفائز بجائزة الأوسكار، إصطدام، والذي قام بكتابته وإخراجه، قال هاجيس أن الفيلم كان يحكي قصة عن عدم التسامح. وعلق في هذا الصدد قائلا: "تتملكنا جميعا مشاعر خوف نحو الآخر، وهو ما يسمح لنا بتحديد صورة عنهم بشكل أو بآخر. فنحن لا نبحث عن أنفسنا في الآخر، ونركز على اختلافاتنا". وأضاف: "لقد كتبت الفيلم في أعقاب حادثة سرقة سيارتي بالتهديد من قبل شابين، حيث تساءلت على مدار عشر سنوات عن شخصيتهما وما دفعهما لإرتكاب هذه الجريمة وأذيتي. لذا فقد قررت كتابة هذا الفيلم عنهما، ومن خلال عرض وجهة نظرهما، وفي غضون ذلك راودتني العديد من الخواطر حول كيفية عزلنا لأنفسنا في فقاعات مغلقة، سواء كانت تلك الفقاعات ممثلة في سياراتنا أو بيوتنا، بهدف حماية أنفسنا ممن يختلفون عنا. وتساءلت على مستوى أعمق أننا نشتاق للمسة من شخص غريب، وهو ما شجعني على إختيار إسم الفيلم "إصطدام"، والذي يرمز لمدى إشتياقنا لتلك اللمسة، والى احتياجنا للتصادم والإرتطام مع أشخاص آخرين، وإلا سنستمر في العيش في تلك الفقاعات".

وتحدث هاجيس عن الشخصية التي قدمها الممثل مات ديلون في الفيلم، والتي تظهر في جزء من الفيلم كشخص شرير ثم تتطور الأحداث لتتحول الى شخصية بطولية. حيث يرى هاجيس أهمية التساؤل عن ماهية النفس، بالسؤال البديهي: من نحن؟ فليس من المهم معرفة الإجابة، ولكن الحقيقة أننا نمتلك صفات الخير والشر في نفوسنا.
&
كما أوضح هاجيس للجمهور أن الحرب الأميركية الثانية على العراق كانت أيضا سببا في كتابة وإخراج الفيلم، حيث قال: "أن الوطن بأكمله كان قد التف حول الرئيس في ذلك الوقت، وهو ما دفعني لسؤال العديد من الأميركيين عن سبب إحتلالنا للعراق، وهو السؤال الذي لم يتمكنوا من الإجابة عنه بشكلٍ واضح، غير القول أنه رجل غير صالح يؤذي شعبه. حيث دفعني ذلك للتساؤل مجددا عن باقي الأشرار حول العالم الذين يؤذون شعوبهم أيضا. حيث ظهر لي أن السبب الحقيقي لرؤية الأميركيين أن صدام حسين هو شخص شرير، هو مجرد شكله الذي يوحي بذلك وكونه مختلف عنا. فأردت من خلال فيلم إصطدام أن أوضح للجمهور أنه من الممكن أن يتحول الشخص الشرير الى بطل والعكس، حيث أردت أن أصطدم بالصور النمطية وهو ما يظهر كون فالفيلم تجربة إجتماعية لي بشكل شخصي".