"إيلاف" من الرياض: يثير الفنان ناصر القصبي الجدل في مسلسل "العاصوف" كعادته منذ أكثر من عشرين عام. بدءا من طاش ومرورا ً بسيلفي وصولاً إلى مسلسله الحالي المفترض أنه سيُقدّم يقدم على أكثر من جزء، ويسرد فيه التاريخ الإجتماعي السعودي انطلاقاً من العام 1970م وحتى الوقت الحاضر. لكن الآراء تفاوتت حول العمل بين من أثنى عليه وهاجمه معتبراً أن ما قدمه لايمثل المجتمع السعودي.
ولقد أطل القصبي في أكثر من حوار عبر القنوات الفضائية، وقال أنه يتقبل النقد الموضوعي. لكن الهجوم على العمل ليس عفويا ً بل ممنهجاً، ويهدف لإسقاط العمل. لكن هناك العديد من الآراء التي تنتقد العمل، وترفض وصف آراءها بخانة الرأي الديني، مؤكدة على أنه ليس كل من ينتقد العمل هو ضد الليبرالية والإنفتاح.


في هذا السياق، التقت "إيلاف" بالكاتب والصحفي المختص بالأمور الثقافية طامي السميري للحديث عن هذا العمل بتفاصيله. فاستهل حديثه قائلاً: "في تاريخ الدراما التلفزيونية السعودية وبعد زمن طويلٍ سيقال ما قبل مسلسل العاصوف وما بعده. وهذه الحالة المفصلية تعزز أهمية المسلسل لكونه أخذ الدراما السعودية إلى سكة جديدة ومختلفة من التاريخ الطويل للدراما السعودية التي لم تكن تشاهد بجماهيرية أو التي لم يكن لها ذلك التأثير على المجتمع".
أضاف: "مسلسل العاصوف ينهي فكرة النجاح على طريق طاش ما طاش والذي أصبح نموذجاً يستنزف الممثل السعودي. حيث أصبح لدى المنتح والممثل تصوراً بأن نموذج طاش ما طاش هو النموذج الناجح جماهيرياً. لذا ولدت عشرات من المسلسلات التي كانت تحاول أن تحاكي ذلك النجاح، لكنها لم تصل الى خلطته المؤثرة. لكن هيمنة ذلك النموذج أضاع علينا سنوات طويلة من عدم الإشتغال الدرامي العميق الذي ينتج مسلسلات مكتملة الملامح، ودفعنا للإكتفاء بتلك الاسكتشات التمثيلية التي يطلق عليها تجاوزاً أعمال درامية سعودية.


وحول الإنتقادات التي طالت مسلسل العاصوف يقول طامي: "في تصوري أن قدر العاصوف كمسلسل أن يتعرض لكل هذا العصف النقدي والجماهيري. وهو كمسلسل ليس بداية للدراما السعودية، الدراما لها زمن طويل محلياً ولكنها كانت هزيلة، ولا تزال تعاني من ضعف الحوار والسيناريو، ما أبعد التعاطف عنه كعمل جديد لأنه يمثل حالة من البدايات".

تابع: "إذا كان بعض نجوم المسلسل امتلكوا الحصانة ضد أي هجوم، فأن ذلك يمنحهم القدرة على الإستمرارية، بشرط أن يلتفتوا إلى الملاحظات الفنية التي يعبر عنها الكثير من المشاهدين. والا يرتكز اهتمامهم على الجدل في جانب القضايا الإجتماعية. فمسلسل العاصوف مُنِحَ كل فرص النجاح من إمكانيات مادية وعرض في توقيت جيد واهتمام إعلامي وجماهيري، ولكنه بكل هذا الزخم لم يقدم سوى دراما تقتات على الجدل الجماهيري خارج النص. فعندما نرصد الأمور التقنية في المسلسل نجدها رائعة جدا سواء من حيث الديكور أو التصوير أو الصوت وكذلك الموسيقى التصويرية. علماً أن التقنيات الحديثة أصبحت تساوي بين المبدعين. لكن في المقابل، نرى أن السيناريو والحوار في المسلسل ذات مستوى ضعيف جداً وتحديدا الحوار. ولا شك أن ضعف مستوى الحوار يُضعف أداء الممثل. فكلما كان الحوار عميقا تجلى الممثل وقدم براعته في الأداء. ويمكن القول أن أي مسلسل بلا حوار عميق لا طعم له. ونحن نرى أن المسلسلات المصرية والسورية لم تنهض الا بالحوار بالإضافة الى الأداء من الممثلين.

 ويواصل "طامي" حديثه عن العمل، فيقول: "الجانب الآخر هو تكديس كل ما هو في زمن السبعينيات ووضعه في سلة المسلسل. حتى صارت تلك الحالات عبئاً على المسلسل، لأنها كانت اكسسوارات زائدة من تلك القضايا الاجتماعية التي نجدها في كل حلقة من حلقات المسلسل.
أما من الجانب الفني فقد أسرف المخرج في اللقطات التي تركز على الجانب الزمني من الملابس والمنازل والأدوات المستخدمة في ذلك الزمن. وكنموذج على الهوس من صنّاع المسلسل بتوثيق الجانب الإجتماعي دون الى الإتفات الى الجانب الفني والدرامي، نقول على سبيل المثال، أن مشهد الزواج جميل، ولقد وثق ملامح الزواج كطقس إجتماعي في تلك المرحلة، لكن عندما نأخذ مشهد مشابه في فيلم العراب وكيف أن مخرج ذلك العمل استثمر مشهد الزواج في تقديم ملامح الزفاف الإيطالي، وكيف لرجلٍ مثل العراب أن يكون أباً يفرح بزواج ابنته. نقول أن الفرح العائلي الايطالي قد اسعدنا من خلال مشهد الزواج والحوارات المعبرة بين أبطال الفيلم. بينما في مسلسل العاصوف كانت الكاميرا توثق الطقوس دون أي عمق درامي أو حواري. فلا يوجد في ذلك المشهد سوى همهمات الترحيب بالضيوف. وبالإمكان عرض ذلك المشهد في برنامج وثائقي دون أن يشعر المشاهد أن ذلك المشهد مقتطع من مسلسل ما، ما يعني أنه لم يكن ملموسا بفرح عائلي ولا مؤثراً، وهذا يحسب فنياً ضد المسلسل".


ويلفت إلى ما اعتبره نقطةً مهمة، فيقول: "لقد حاول صنّاع المسلسل توجيه المتلقي في مسارٍ محدد. بل أن أحد أبطال المسلسل ومنذ الحلقة الأولى كتب تغريدة يحاول فيها مشاكسة الجمهور. وهذا التوجيه أو استجلاب العدائية من المشاهدين حقق اهتماماً جماهيرياً، لكنه أضر بالمسلسل فنياً. فأصبحت محاكمة المسلسل لا تتناول الجانب الفني بل الجانب الإجتماعي، باعتباره لا يوثق الحقائق الإجتماعية في تلك المرحلة. لذا كان على صنّاع المسلسل أن يتذكروا أن المسلسل الكويتي "درب الزلق" الذي كان يؤرخ لفترة زمنية في الكويت قد نجح وأصبح خالدا في الذاكرة ليس باستحضار كل ما يمس تلك المرحلة الزمنية التي كان يدونها، بل لأنه كان يتضمن حكاية درامية، وكان هناك حوار يحمل سمة الإبداع، ما جعله قدوةً في الأعمال الفنية يستشهدون بشخصيات أبطاله وعبارات حواره المؤثرة".

ويختم طامي السميري حديثه قائلاً :إن التحرش بالتابو، سواء التابو السياسي أو الاجتماعي أو حتى الديني لا يصنع مسلسلاً درامياً عظيماً. وقد يحقق هذا التحرش جماهيرية زائفة مؤقتة توهم صنّاع العمل أنهم حققوا نجاحاً ما. وهذا الأمر قد كان حاضراً في الرواية السعودية. ولكن بعد ما هدأت الأمور لم تعد تلك التحرشات تعني شيئاً، لأنها كتُبَت بحالةٍ وعظية خالية من الفن. فمن يتذكر الآن تلك الروايات التي شغلت الناس في زمنٍ ما؟ لهذا وبحسب حديث بطل العمل ناصر القصبي بأنهم بحثوا عن بداية صادمة للمسلسل، فكان مشهد اللقيط. وهذا المشهد في تصوري جنى على المسلسل فنياً. فهو وأن كان حقق الصدمة لكن أخذ المشاهدين إلى تصورٍ سلبي عن المسلسل، وانشغلوا بتلك الحادثة ليس من باب التشويق الفني، ولكن من باب الرفض وعدم القبول. وقيمة الفن وجماليته تكمن في المواربة، أما صنّاع المسلسل فقد بحثوا عن الإثارة وقد تحققت، ولكن بعد زمن هذه الإثارة لن تعني شيئاً في مسألة الخلود الفني.
في المحصلة، يتجلى السؤال: هل حقق المسلسل نجاحاً حقيقياً أم زائفاً؟ الأمر متروك للزمن. لكن على ناصر القصبي وزملائه أن يدركوا أنهم الآن يملكون فرصة ذهبية في هذه اللحظة التنويرية التي تعيشها البلاد. وأن عليهم استثمار هذه اللحظة لتأسيس حالة درامية عميقة تقدم الفن الحقيقي ولا سواه.